اختتم مجلس النواب دور انعقاده الخامس بعد أربعة فصول، شهد فيها المجتمع تشريعات تمس حياته بشكل مباشر، منها ضريبة القيمة المضافة. بعد انتهاء دور الانعقاد نشرت ادارة المجلس انجازات المجلس تلخصت في إقرار 47 مرسوما، و156 مشروعا، وتقديم 63 مقترح قانون وإرسال 539 اقتراحا برغبة إلى الحكومة. بعد خمسة فصول تشريعية نرى ضرورة الوقوف لتقييم أداء المجلس والبحث في كيفية رفع مساهمته في التشريع والرقابة وتمثيل المجتمع. وأول من ينبغي أن ينظر في هذا الأمر مجلس النواب كمؤسسة. إذ تقع مسؤولية التقييم الموضوعي لأداء المجلس بناء على النتائج التي تحققت في حياة الناس وليس بناء على أعداد ما تقدم به المجلس من مقترحات برغبة أو ما أقره من مراسيم وقوانين او ما عقده من جلسات ولا ما ناقش من مواضيع. بانتهاء دور الانعقاد الخامس نكون قد انهينا عشرين عاما من التجربة النيابية ونحن على استعداد لانتخابات عام 2022 ستسفر عن مجلس يمثل المجتمع لدور انعقاد جديد. السؤال الذي لا بد أن يطرح في اي تجربة هو كيف هو مسار التجربة، ماذا تحقق نتيجة لهذه التجربة وكيف نطورها؟ هذا السؤال يحتم علينا تحديد بعض المصطلحات والمفاهيم. أولا، ماذا نقصد بالتجربة النيابية؟ ثانيا، لا بد تحديد الغاية من إنشاء المجلس النيابي وما هو الدور المناط به؟ وضع الميثاق والدستور هدف كبير وهو التقدم نحو الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. وتحديدا ورد في ديباجة الدستور ان اهم الغايات «استكمال أسباب الحكم الديمقراطي لوطننا العزيز، وسعيا نحو مستقبل أفضل، ينعم فيه الوطن والمواطن بمزيد من الرفاهية والتقدم والنماء والاستقرار والرخاء في ظل تعاون جاد وبناء بين الحكومة والمواطنين يقضي على معوقات التقدم». والمجلس كأهم نتاج للميثاق والدستور واكبر مؤسسة سياسية في الدولة تمثل المجتمع تقع عليه مسؤولية كبيرة في تحقيق استكمال الحكم الديمقراطي والقضاء على معوقات التقدم والنماء والرخاء والاستقرار. حدد الدستور اهداف التجربة في أن يمثل الشعب مجلس نيابي يتناول التشريع ومراقبة السلطة التنفيذية في وضع السياسات وفي ادارة الموارد وفي تحقيق النتائج وتمثيل المجتمع في قضاياه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي تحمل مسؤولية تطوير مسيرته نحو تكملة مبادئ وادوات وآليات التجربة الديمقراطية بما يتفق مع الميثاق والدستور؛ أي أنه يمارس دوره في التشريع والرقابة والتمثيل، ويطرح القضايا التي تهم المجتمع ككل وليس ناخبي أعضائه فقط. كذلك تقع المسؤولية على المجلس والحكومة والمجتمع (مجتمعين ومتعاونين ومتساويين في المسؤولية) في تحديد وتوجيه المسيرة وتقييم تقدمها نحو هذا الهدف كمجتمع وكمجلس تشريعي وكحكومة. وعليها ان تطرح السؤال أين وصلنا في هذا المسار الديمقراطي، وماذا تحقق فيه، وفي التقدم والنماء والرخاء والاستقرار؟ وان يضع المجلس أولويات وأهدافا وإطارا زمنيا ومؤشرات لمتابعة وتقييم هذا التقدم بما ينير طريقنا في الأدوار التشريعية القادمة. ينطلق تقييم التجربة من ثلاثة محاور، أولا الغاية التي وجد المجلس من اجلها بان يقوم المجلس بالتعاون مع الحكومة والمجتمع برصد تطورنا نحو الغاية الرئيسية وتحسين مستوى المعيشة والتقدم في التنمية؛ ثانيا الإدراك بان المجتمع يتكون من مصالح وتيارات فكرية مختلفة ومتعددة، تحتاج الى من يمثل مصالحها ويقيم مستوى التقدم فيها؛ ثالثا إبراز اهمية دور السلطة التنفيذية في وضع سياسات واستراتيجيات لتنفيذ اهداف التنمية وانعكاس ثمارها على المجتمع بجميع فئاته. نظم الدستور تشكيل جمعيات وجماعات ومنظمات مدنية تمثل هذه المصالح من خلال من تنتخبه للمجلس النيابي، وان يكون لها تواصل مستمر معه وفق الاتفاق المسبق والانظمة التي تعمل بموجبها الجمعية او التيار الفكري. هذا يعني ان المجتمع يفرز قيادات فكرية وسياسية واقتصادية وعمالية تضع خطوطا عريضة ومحددة لمتطلبات المجتمع يستدل بها النائب في عمله وتكون أساسا للتواصل معه. في وضعنا نجد أن هذه الصورة غير مكتملة وتحتاج الى جهد من المجلس والحكومة والمجتمع لتطويرها. من اسباب عدم اكتمال ذلك نجد ان المجلس مكون من أفراد مستقلين في معظمه يصعب على المجتمع متابعته وتقييم أدائه او ليتسق مع الاهداف، ناهيك عن كون النائب المستقل يفتقر الى الاستمرارية في برنامج ومشروع اصلاحي يخدم الغاية من وجود المجلس، وبالتالي نفقد كمجتمع الفائدة من تراكم الخبرات والتجارب من العمل البرلماني التي عليها يعتمد تطوير العملية الديمقراطية. الأمر الآخر الذي تحتاج إليه تجربتنا هو مستوى افضل من التفاعل والاعتمادية بين المجلس والمجتمع. عادة هناك قضايا تهم المجتمع بشكل اكبر، وخصوصا تلك التي تؤثر في حقوقه الدستورية والاجتماعية والمالية، وتؤثر في مستوى معيشته، وفي أمنه الشخصي والجمعي والوطني. التعامل مع هذه القضايا يحتاج فيها المجلس الى الرأي العام لكي يكون تأثيره اكبر في القضايا المطروحة، كما يحتاج المجتمع الى صوت النائب ومشاركته في النقاش والتداول لبيان ملابسات وتأثير المشاريع المطروحة. مسؤولية تحقيق هذا التفاعل تقع على الجمعيات السياسية والمنظمات الاهلية من ناحية، والمجتمع من ناحية ثانية، والحكومة من ناحية ثالثة. المصلحة العامة والاستقرار يقتضيان ان تهتم الجهات الثلاث برفع فعالية المجلس، لكن بسبب ضعف دور هذه المنظمات فإن المسؤولية تقع بشكل مباشر على الدولة والمجلس. يقوم التواصل الاجتماعي بدور فعال في هذا الجانب لكنه غير كاف. خلق آلية توثق الربط والتفاعل بين المجلس والمجتمع والدولة مسؤولية الجميع وبالذات مجلس النواب كونه أكثر تنظيما وتأثيرا من مؤسسات المجتمع السياسية والمهنية والعمالية. كذلك نرى ان هناك مصلحة عامة في قيام الحكومة ومجلس النواب بدور في تقوية مؤسسات المجتمع المدني ودعمها ماديا وتشريعيا بما يساعدها على المساهمة في تحقيق الغاية من المشروع الإصلاحي وتعزيز الرخاء والازدهار.
مشاركة :