يراهن رئيس الوزراء الليبي المدعوم من مجلس النواب فتحي باشاغا على سلطة المال، لسحب البساط من غريمه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، بعد أن فشلت محاولاته في دخول العاصمة طرابلس التي تعد المركز الرمزي للسلطة في ليبيا. ويعقد مجلس النواب، الذي يتخذ من طبرق مقرا له، الأسبوع الجاري جلسة من المتوقع أن يتم خلالها اعتماد موازنة لحكومة باشاغا، في ظل تباينات حول أثر هذه الخطوة عمليا في منح أسبقية للأخير على الدبيبة. وتوجد في ليبيا حاليا حكومتان؛ الأولى حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة، المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي في فبراير 2021، والثانية الحكومة الجديدة التي كلفها مجلس النواب برئاسة باشاغا مطلع فبراير الماضي. وترفض حكومة الدبيبة المتمركزة في العاصمة طرابلس تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، تأتي عقب إجراء انتخابات تشريعية وتشكيل برلمان جديد يمنحها الثقة، ويتخذ الدبيبة من المواقف الضبابية للمجتمع الدولي ورقة لصالحه. وتعمل حكومة باشاغا في شرق البلاد وجنوبها، وهي المناطق التي يسيطر عليها خليفة حفتر قائد قوات المنطقة الشرقية، الأمر الذي يثير مخاوف محلية ودولية من احتمال انزلاق البلاد نحو حرب أهلية مجددا. حكومة باشاغا ستكون أمام معضلة دفع رواتب الموظفين البالغة، بحسب موازنتها، 41 مليار دينار ليبي (8.6 مليار دولار) وأحالت حكومة باشاغا الخميس الماضي مشروع الموازنة، البالغ 94 مليارا و830 مليون دينار ليبي (19.9 مليار دولار)، إلى مجلس النواب. ويفوق حجم الموازنة الذي تقدمت به حكومة باشاغا بقليل ما تقدمت به حكومة الدبيبة، في مشروع موازنة مايو 2021، والبالغ 93 مليارا و878 مليون دينار ليبي (19.7 مليار دولار)، والذي رفضه مجلس النواب. وأحالت رئاسة البرلمان مشروع الموازنة إلى اللجنة المالية، لإبداء الرأي قبل إقرارها في جلسة عامة من المتوقع عقدها الأسبوع الجاري. وتعمل حكومة الدبيبة دون ميزانية، لعدم إقرارها من مجلس النواب، منذ توليها السلطة في مارس 2021، الأمر الذي دعاها إلى الاعتماد على إيرادات النفط وقروض المصرف المركزي. ويضغط رئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح على مؤسسة النفط لوقف إحالة الإيرادات إلى المصرف المركزي بطرابلس، الداعم لحكومة الدبيبة، وهو ما لم يلق استجابة. وكانت سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا أعلنت دعمها “تمامًا التجميد المؤقت لعائدات النفط في حساب المؤسسة الوطنية للنفط، لدى البنك الليبي الخارجي، حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشأن آلية لإدارة الإيرادات”. حجم الموازنة الذي تقدمت به حكومة باشاغا يفوق بقليل ما تقدمت به حكومة الدبيبة، في مشروع موازنة مايو 2021، والبالغ (19.7 مليار دولار) ويحظى الدبيبة بدعم متفاوت من محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، ورئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، وخالد شكك رئيس ديوان المحاسبة، بالإضافة إلى خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)”. ومكّن دعم هذه الشخصيات المحورية في الدولة، والمقيمة جميعها في طرابلس، حكومة الدبيبة من الاستفادة من عائدات النفط رغم الضغوط الأميركية بشأن ضرورة وضع آلية لإدارة إيراداته، والتي تلاها إغلاق موالين للجيش الليبي الذي يدعم باشاغا حقولا وموانئ نفطية في الشرق والجنوب. ويرى المحلل السياسي طاهر محمد أن تصديق مجلس النواب على مشروع الموازنة الذي تقدمت به حكومة باشاغا، أمر محسوم مسبقا. وأوضح محمد أنه “من ضمن الاتفاق المسبق بين البرلمان (في طبرق) وباشاغا، والذي أتى بالأخير لرئاسة الحكومة، منح ميزانية موسعة لتمكينه من النجاح، والعمل على حل المختنقات المعيشية”. واستطرد “خاصة في شرق البلاد، لأنها منطقة يعارض جُل أبنائها باشاغا، المحسوب على معسكر مصراتة والغرب (الليبي)”. وأشار محمد إلى أن “ظهور الأزمة السياسية برفض الدبيبة التسليم، أمر يدعو البرلمان إلى تقوية باشاغا الذي اختاره. وذلك عبر منحه ميزانية، لأن من يملك المال سيحكم”. ولفت إلى أن “إعلان مجلس النواب خلال جلسته السابقة عقد جلسة رسمية في مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) (يُعدّ) دعما لحكومة باشاغا”. وبيّن أن اختيار مجلس النواب في طبرق لسرت راجع إلى “أنها المدينة التي أعلن باشاغا أن حكومته ستتخذها مقرا للعمل”. واعتبر محمد أن ذلك أمر آخر يدل على نية مجلس النواب إقرار مشروع موازنة حكومة باشاغا. ورغم تأكيده أهمية خطوة مجلس النواب، بمنح ميزانية لحكومة باشاغا لتقويتها، أقر المحلل السياسي أيضا بأن “المال وحده لا يكفي دون التمركز في طرابلس، رمز الحكم”. وأشار إلى أن الاعتراف الدولي لا يزال إلى الآن لصالح حكومة الدبيبة، التي تُدعى لتمثيل ليبيا في جميع المحافل الدولية. Thumbnail في المقابل، قلل الكاتب فتحي الحر من أهمية منح البرلمان ميزانية لحكومة باشاغا، للتفوق على حكومة الدبيبة. وأوضح الحر أن “ليبيا ليست بمعزل عن العالم، وامتلاك حكومة باشاغا المال لن يمنحها اعتراف المجتمع الدولي”. ولفت إلى أن المجتمع الدولي “حسم موقفه من الأزمة الليبية، حينما اعتبر أن الحل الوحيد انتخابات قادمة وليس تشكيل إدارات جديدة”. وشدد على أنه “طالما لم تحل المشكلة بين الحكومتين، لن ينفع منح حكومة باشاغا المال”. وبيّن أنه “حتى وإن أقرّ مجلس النواب الميزانية فهناك خطة دولية تقودها الولايات المتحدة وتقضي بتجميد عائدات النفط، التي تعتمد عليها ليبيا بشكل حصري في الميزانية العامة، في حسابات البنك الخارجي؛ وذلك كي لا تستخدم من قبل أي طرف”. وذلك التجميد، يقول الكاتب الليبي، “سيجعل من ميزانية باشاغا، في حال إقرارها، مجرد حبر على ورق”. وأضاف “خطوة البرلمان ليست ذات نفع، لأن مؤسسة النفط لن تجرؤ على مخالفة الخطة (الدولية) رغم تقربها حاليا من حكومة باشاغا، حتى أنها أرسلت ميزانيتها لتضمينها في الموازنة العامة”. ويرى الحر أن مؤسسة النفط لن تخالف الخطة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، والقاضية بتجميد إيرادات النفط. وقال “مؤسسة النفط جربت ذلك قبل شهر، بتحويلها 6 مليارات دولار لحكومة الدبيبة، ما تسبب في موجة احتجاجات وإغلاق حقول النفط”. Thumbnail وكان المبعوث الأميركي ريتشارد نورلاند أصدر بيانا قبل أسبوع حمّل فيه مؤسسة النفط ضمنيا مسؤولية غضب المحتجين وإقدامهم على غلق حقول النفط، لأنها خالفت بحسب رأيه نصائح واشنطن بضرورة عدم ضخ المؤسسة لأموال النفط إلى أي طرف. وأفاد بيان للسفارة الأميركية لدى ليبيا في السابع والعشرين من أبريل الماضي بأنه “قبل الإغلاق (إغلاق حقول النفط) أوصت الولايات المتحدة بتحويل إضافي للإيرادات يخضع للمراقبة والإشراف من قبل آلية مالية بقيادة ليبية؛ إلا أنّ المسؤولين الليبيين قرروا بشكل مستقل تحويل المزيد من المبالغ الهامة (لحكومة الدبيبة)”. وهناك أمر آخر من شأنه إعاقة عمل حكومة باشاغا، بحسب الحر، يتعلق بالجانب “الفني واللوجستي”. وأوضح أن “جميع منظومات الدولة ومؤسساتها، خاصة منظومات الرواتب الحديثة وقواعد بيانات موظفي الدولة ومؤسساتها، جميعها موجودة في طرابلس تحت يد حكومة الدبيبة”. وبسبب ذلك أكد أن “حكومة باشاغا ستكون أمام معضلة الصرف؛ سواء الصرف من باب رواتب الموظفين، والبالغة بحسب موازنتها 41 مليار دينار ليبي (8.6 مليار دولار)، أو الصرف من باقي أبواب الموازنة الثلاثة الأخرى”. وحذر الحر من أن “صرف حكومة باشاغا (الميزانية) دون منظومات ولا قواعد بيانات سيخلق فسادا مهولا لن تتمكن من السيطرة عليه، وسيؤدي أيضا إلى ارتفاع التضخم”. ويرى أن “خطوة البرلمان بمنح ميزانية لحكومة باشاغا، دون أن تُحل مشكلة تسليم السلطة، ستعمق الأزمة أكثر”. وقال إن “منح ميزانية لحكومة باشاغا سيكون بمثابة انقسام حقيقي لمؤسسات الدولة”.
مشاركة :