* «أول شيء خلقه الله كان الرحلة، بعد ذلك الشك، ثم الحنين». من فيلم «تحديقة عوليس» للمخرج اليوناني ثيودور أنجيلوبولوس. بينما كنتُ أتحدث مع صديق في أحد المقاهي، لاحظت اهتمام الشاب الجالس بجوارنا بحوارنا المحتدم، وما إن تبسّمت له مُرحِّباً لأرفع عنه الحرج، حتى دنا منّا وسأل -بأدبٍ جم- عن إن كنتُ قد قرأتُ الكتاب الذي أمامنا للدكتور «مصطفى محمود» بعنوان: «حوار مع صديقي الملحد»، وعن كيفية التعامل مع من ألحد. كنتُ دوماً أعجب من طبع البشر؛ حين يظنّون أن مشكلاتهم تقتصر عليهم وحدهم، ولو تأمَّل أحد الآباء الناقمين على أطفاله في سلوك الأطفال الآخرين، لعَلِمَ أن سلوك أبنائه «الشيطاني» هو مجرد عبثٍ طفولي، يشترك فيه ملايين الأطفال حول العالم، وكذلك تشترك الأسر في مشكلاتها العائلية، إلا أن البيوت أسرار كما قيل، والحقيقة أن الشاب مثل كثيرين هذه الأيام مِن مَن التبس عليهم الأمر وسط هذه الفوضى الفكرية والتغيُّرات السريعة والفتن المحيطة التي «تدع الحليم حيران»، وسط غياب تام لتفسيرات النُّخَب وانهيار القدوات وسقوط الأقنعة. لا يا صديقي لستَ ملحداً، أنت متسائلٌ مُتأمّل، تحاول بناء صرحٍ جديد على أنقاض التراث المزيّف. ولعلك يا صديقي مِن مَن قيل فيهم: «إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار».. صدق الله العظيم. ابحث حولك، وابدأ بذاتك مُتذكِّراً مقولة: «دواؤك فيك وما تُبصر وداؤك منك وما تَشعر وَتزعم أنك جرمٌ صغير، وفيك انطوى العالمُ الأكبر». امض وتساءل تساؤل إبراهيم الخليل ما دمتَ واضعاً شوقك لخالقك نصبَ عينيك فهو بشوق إليك.
مشاركة :