في الإمارات، ووسط الانتعاش الاقتصادي المستمر، أصبحت المزارع الوطنية أحد أكثر الحقول الموفرة للحقائب الاستثمارية بطريقة استثنائية، ومن ذلك ما توفره من تجربة سياحية فريدة من نوعها، حيث ستغير المزارع خارطة الوجهات السياحية الوطنية، وستعزز وتروج للممارسات الزراعية بطريقة باتت من خلالها محركاً بيئياً واقتصادياً مهماً. 10 محددات استراتيجية من شأنها تعزيز السياحة الزراعية فمن مزارع الفجيرة امتداداً حتى العاصمة أبوظبي، تنتشر على أراضي الدولة 23 مزرعة سياحية تسهم بشكل مستدام في دعم السياحة الوطنية بطريقة مختلفة، حيث يبلغ عدد المزارع السياحية في إمارة أبوظبي 11 مزرعة، وفي دبي مزرعتان سياحيتان، وفي الشارقة أربع مزارع، وفي عجمان مزرعة واحدة، وفي أم القيوين ورأس الخيمة أربع مزارع، ومزرعة واحدة في الفجيرة. وبعد رواج السياحة الزراعية في الدولة خلال وقت قصير، والنظرة المستقبلية الاستشرافية لأثرها في تنشيط الاقتصاد الوطني والمحافظة على الموارد الطبيعية في الدولة، رصدت «البيان» من خلال آراء المسؤولين والجهات المختصة والدراسات الحديثة أن هذا النوع من السياحة يمكن أن يوفر تمويلاً ذاتياً مستمراً يعود مردوده بالفائدة على المجتمع، ومساهمته في التطوير والمحافظة على تلك المناطق كمصدر اقتصادي مهم، ولأن الطلب على السياحة البيئية في زيادة مستمرة وملحوظة، ويعد هذا النوع من السياحة أسرع قطاعات صناعة السياحة من حيث النمو، حيث تقدر نسبة نموه بنحو 10 إلى 15% من إجمالي الإنفاق السياحي العالمي. دينمو أيكولوجي أشار تقرير جديد صدر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ومنظمة السياحة العالمية إلى أن السياحة المستدامة والزراعية تؤديان دوراً رئيسياً في تعزيز سبل كسب العيش، وأكد التقرير على أن النهوض بالسياحة الإيكولوجية المستدامة والسياحة الزراعية سوف يلعب دوراً حيوياً في خلق فرص عمل جديدة وتنويع الدخل وبناء اقتصادات قوية، وكما سلط التقرير الضوء على أن جائحة «كوفيد19» أثرت بشكل كبير على قطاع السياحة حول العالم، وعالج التقرير العديد من المخرجات التي أكدت يمكن للسياحة الزراعية المستدامة أن تشكّل محركًا مهمًا لدفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الجبلية، فالسياحة القائمة على المجتمعات المحلية والتي تتم إدارتها إدارة جيدة تؤدي إلى زيادة مداخيل الأسر وتنوعها، وإلى تعزيز فرص العمل وسبل كسب العيش، ودعم النظم التقليدية، وبناء القدرة على الصمود، وتساعد على صون التراث الطبيعي والثقافي وتعزيزه. تفكير أخضر كيف ستسهم هذه المساحات الخضراء في تغيير مفاهيم الاستثمار؟ سؤال يجيب عنه المهندس محمد الظنحاني مدير إدارة التنمية والصحة الزراعية بوزارة التغير المناخي والبيئة، الذي أكد أن محور السياحة الزراعية يأتي ضمن المشروع الوطني للسياحة البيئية الذي أطلقته الوزارة في العام 2018 تحت شعار (كنوز الطبيعة في الإمارات)، وذلك ضمن جهودها في إبراز المواقع السياحية والترويج لها ضمن القطاعات البيئية في الإمارات، مبينا أن المحور يعتمد على ما تتمتع به دولة الإمارات من مساحة زراعية مزدهرة ومتطورة، ومزارع خاصة تضم أشكالاً مختلفة ومتنوعة من النباتات والأنواع الحيوانية، لافتاً في الوقت ذاته إلى أنه تم اختيار عدد من المزارع التي توفر تجربة سياحية فريدة من نوعها في الدولة ويصل عددها إلى 23 مزرعة من أجل تثقيف الزوار، وللمساهمة في زيادة الطلب على المنتجات والمحاصيل المزروعة محلياً. سياحة.. تستثمر خارج الصندوق وأضاف أن مفهوم السياحة الزراعية يمثل نمطاً جديداً من السياحة، ويتيح لهواة الطبيعة ومحبيها الفرصة للاطلاع على الأنماط والممارسات الزراعية التقليدية والحديثة والتعرف على التقنيات المستخدمة فيها، بالإضافة إلى الاستمتاع بالأنشطة الترفيهية المتوفرة في العديد من المزارع النباتية والحيوانية في الدولة، كما يوفر للزوار فرصة لشراء احتياجاتهم من المنتجات الزراعية والحيوانية المحلية من المصدر مباشرة بكلفة معقولة وجودة عالية. أهداف ولفت مدير إدارة التنمية والصحة الزراعية بوزارة التغير المناخي والبيئة إلى أن محور السياحة الزراعية يهدف إلى رفد المشروع الوطني للسياحة البيئية بعناصر ومقومات جديدة من دورها تعزيز مكانة الدولة على خريطة السياحة البيئية العالمية، ورسم خريطة واضحة لأهم المعالم البيئية والزراعية في الدولة بما يسهل مهمة حمايتها والحفاظ عليها عبر منظومة تشريعية وقانونية متكاملة ومبادرات وبرامج تعمل على دعمها وتطويرها وضمان استدامتها، كما يهدف إلى ربط الجمهور مع الطبيعة، ورفع الوعي بالممارسات الزراعية في الدولة وجودة الغذاء، وتشجيع المزارعين على تطوير وتوسعة نشاطهم عبر خلق دخل مالي إضافي، بالإضافة إلى تحفيز الجمهور على تبني سلوكيات الزراعة المجتمعية. مرحلة أولى وقال الظنحاني إن معلومات المرحلة الأولى شملت إضافة كافة البيانات والصور والمواد الفيلمية اللازمة حول هذه المزارع من المساحة، والأنشطة المقدمة، والوسائل المتوفرة، وأنواع المنتجات المباعة، والشروط والأحكام للزائر، وساعات العمل وخريطة الموقع، وبيانات التواصل، والرسوم، لتعريف الجمهور بها، إلى موقع الوزارة الإلكتروني، وضمن تطبيق السياحة البيئية الذكي. ويأتي السؤال هنا حول أهمية إنشاء قاعدة بيانات وطنية ترصد نمو وتطور حجم الاستثمارات المتوقعة للمشاريع في المزارع السياحية، حيث لا يوجد رصد دقيق لهذا الجانب، وأهمية ذلك في دعم ازدهار هذه السياحة، وتطويرها وفقاً للمخرجات. جودة لتعزيز التنافسية وفي العاصمة أبوظبي، تشير البيانات الإحصائية حسب هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية إلى أن حجم الإنتاج الزراعي المحلي بشقيه النباتي والحيواني بلغ 707.774 طناً خلال العام 2020، وأوضحت الهيئة أن الإنتاج الزراعي في إمارة أبوظبي حقق نمواً ملحوظاً من حيث الحجم والقيمة وبمعدل نمو سنوي مركب بلغ 6.5% للفترة 2017-2020، حيث يقدر إجمالي قيمة الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني حوالي 13.7 مليار درهم عام 2020. وعليه عملت الهيئة على تعزيز تنافسية المنتجات الزراعية المحلية في السوق، وأطلقت في سبيل ذلك برنامج «أبوظبي جاب» وهو النسخة المحلية للبرنامج العالمي للممارسات الزراعية الجيدة «جلوبال جاب»، الذي يطبق معايير جودة الإنتاج الزراعي لضمان سلامة الغذاء والإدارة المستدامة للبيئة والمحافظة على صحة العاملين على إنتاجه، كما شجعت الهيئة أصحاب المزارع على التحول نحو الزراعة العضوية، وقد عملت على تأهيل عدد من المزارع وتحويلها من الزراعة التقليدية إلى الزراعة العضوية وحصولها على تراخيص الزراعة العضوية. البداية من التدريب الزراعي رصد دقيق للجودة، وجدته «البيان» كنموذج مثالي في إحدى المزارع الوطنية في إمارة أبوظبي، والتي تبنت مفهوم الزراعة العضوية بطريقة استثنائية، لتكون الأولى على مستوى العالم في إنشاء مجتمع زراعي متكامل غير مفاهيم النظرة التقليدية إلى نمط استشرافي مستقبلي مغاير، ومن عمق الخبرة العملية أكد المستشار حامد الحامد مؤسس مجموعة غراسيا، التي تمتلك 12 مزرعة ومشروعاً قيد الإعداد في المملكة العربية السعودية، ويعد الحامد من رواد الأعمال في المجال الزراعي أهمية توفير نماذج من ريادة الأعمال في القطاع الزراعي والعمل على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وفق نظريات زراعية حديثة والتي بكل تأكيد ستوجد نماذج متميزة من أبناء الوطن. وقال الحامد الحاصل على جائزة أفضل مشروع زراعي بالوطن العربي، والحاصل على ماجستير في القيادة الاستراتيجية وقيادة التغيير من المملكة المتحدة «تمكنت من خلال هذا المشروع أن أدير 120 مزرعة داخل الدولة وأملك حالياً مزارع كذلك خارج الدولة وبذلت جهوداً لنقل قصة هذا النجاح للعديد من شباب الوطن، لافتاً إلى حرصه على تدريب وتثقيف طلبة المدارس والجامعات من خلال زيارتهم لمقر المشروع، حيث تجاوز عددهم العشرة آلاف بالإضافة إلى الوفود الزائرة من عدد من دول العالم، حيث استقبلت المجموعة أكثر من 13 ألف طالب مدرسي خلال عام واحد، كما يتدرب في مزارع غراسيا طلبة مبتعثون من أوروبا متخصصون في الإنتاج الزراعي والنظم الزراعية». ممارسات وأوضح الحامد أن نشر الثقافة الزراعية لتصبح مفهوماً مستداماً في المجتمع هو الخطوة الأولى لتعزيز السياحة الزراعية الوطنية، حيث تبنت غراسيا مشروع «المجلس الأخضر» الذي يحتوي على نظامين زراعيين في داخله هذا بالإضافة لأنظمة الري والتبريد بأيادٍ إماراتية، كما قامت غراسيا بتدريب الفئة المستهدفة عليه، وتم توزيع 100 من البيوت الخضراء على الأسر المتعففة وأصحاب الهمم، وتم تدريبهم على الأنماط الصحيحة للزراعة والصناعات الغذائية والاستفادة منها لتحقيق الاكتفاء الذاتي، كما استفاد منها المدارس والمستشفيات. وأضاف: من خلال خبرتي في قطاع العمل الزراعي قمت بعمل دراسة استراتيجية تتضمن كافة التحديات وحلولها وابتكرت مفهوماً يعد الأول من نوعه على مستوى العالم بعنوان «المزرعة الشاملة» والتي تعمل على توفير صور متعددة ومتنوعة لكل من يرغب في العمل الزراعي سواء ممن يملكون مزارع في الدولة أو من يبتغي تحقيق الأمن الغذائي من منزله، بالتعاون مع العديد من الجهات تم إنجاز أول مركز تدريب في مزارع على مستوى الدولة، كما تم الانتهاء من تدريب 52 شاباً لمدة 16 شهراً، حيث قاموا خلال أول شهرين بدراسة دبلوم ودراسة جدوى وبعد الشهرين، قام الشباب بالتدريب عملياً في المزرعة خلال 14 شهراً في المزرعة، مروراً بــ20 محطة تدريبية، وهنا يصبح هؤلاء الشباب مؤهلين بشكل كامل علمياً وعملياً لمفهوم الزراعة والإنتاج وفهم الجدوى الاقتصادية والترويج، ولأنها ثقافة مجتمعية، أوضح الحامد أنه تم ابتكار أصغر جرين هاوس للأطفال بالعالم، ومشروعاً آخر مبتكر يضم الزراعة العضوية ومائية وسمكية في مكان واحد. أطر القانون للقانون وجهة نظر خاصة تؤطر هذه الجهود بما يسهم في نمائها، وهذا ما يؤكد المستشار القانوني الدكتور مطر حامد النيادي، سفير الدولة في الكويت ووكيل وزارة الطاقة سابقاً، مؤكداً أن اعتماد مفهوم السياحة الزراعية سوف يوفر على المزارعين تكاليف وأعباء مالية وإجراءات كثيرة قد تعيق في الوقت الحالي كثيراً منهم من الاستفادة بشكل أكبر من مزارعهم على نحو يساهم في تعزيز مصادر الدخل لديهم ويدعم جهود توفير الأمن الغذائي أو جهود خلق فرص عمل جديدة أو جذب استثمارات أجنبية. وقال «في دولة الإمارات توجد فرصة كبيرة في الاستفادة أكثر من المزارع القائمة في الدولة ومن القدرات التنافسية التي تتمتع بها دولة الإمارات وذلك من خلال تنظيم السياحة الزراعية التي من شأنها أن تشجع المزارعين على الاستثمار أكثر وتقلل عليهم المصاريف التشغيلية المطلوبة لتأسيس مشروع داخل مزارعهم. ولعل الخطوة الأولى تكون بتعديل نص المادة 9/2 من قانون المعاملات التجارية لسنة 1993 التي تنص على «إذا قام المزارع بتأسيس متجر أو مصنع بصفة دائمة لبيع حاصلاته بحالتها أو بعد تصنيعها فإن البيع في هذه الحالة يعتبر عملاً تجارياً». قانون وأشار في هذا السياق إلى نقطة مهمة تتمثل في أن هذه الفقرة من القانون تجعل من تأسيس منصة بيع أو متجر داخل المزرعة لبيع المحاصيل الزراعية عملاً تجارياً يتطلب تحويل صفة النشاط من مشروع زراعي إلى مشروع تجاري وبالتالي تحويل صفة مالك المزرعة من مزارع إلى تاجر على نحو من شأنه أن يزيد المصاريف التشغيلية المطلوبة على المزارع، وعليه فالخطوة الأولى لتأسيس السياحة الزراعية في الإمارات يكون بتعديل المادة 9/2 من قانون المعاملات التجارية والنص صراحة على إدراج السياحة الزراعية في نص القانون وأن هذا النشاط لا يعتبر عملاً تجارياً وإنما يبقى عملاً زراعياً. 10 محددات استراتيجية أهمية إعداد مجموعة من الحقائب الاستثمارية التي تتضمن دراسة جدوى اقتصادية مبدئية لتنفيذ عدد من مشاريع السياحة الزراعية بالدولة، وتعزيز الحملات الوطنية الإعلامية لتحفيز الجمهور على تبني سلوكيات الزراعة المجتمعية وتعميق مفهوم الأثر الزراعي، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية ترصد نمو وتطور حجم الاستثمارات المتوقعة للمشاريع في المزارع السياحية. هذا بالإضافة إلى الاهتمام بالتشريعات الخاصة بهذا النوع من السياحة لأهميته في تنشيط الاقتصاد الوطني فضلاً عن دوره في المحافظة على الموارد الطبيعية، وتزويد المستثمرين بقائمة عن المواقع السياحية المؤهلة لإقامة مشاريع النزل البيئية والاستراحات الزراعية، والتنسيق مع الشركاء لتسهيل إجراءات منح التراخيص اللازمة لإقامة مثل هذه المشاريع للمستثمر، فضلاً عن المساندة الفنية أثناء قيام المستثمر أو صاحب المزرعة بإعداد التصاميم الهندسية، وإدراج المزارع السياحية ضمن الخرائط السياحية وبرامج الزيارة في الدولة، واعتماد تخصصات علمية متخصصة في الإنتاج الزراعي، وتوفير الميزانيات الخاصة لمراكز التدريب الزراعية في المزارع السياحية. تابعوا أخبار الإمارات من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :