يحض منتجو أفلام في مهرجان كان السينمائي فرنسا على مواجهة ماضيها الاستعماري، مستندين إلى قدرة النجوم على التأثير واستعداد الدولة الأوروبية المتزايد لمواجهة الظلم المُرتكب بشكل ملحوظ في أفريقيا. وترك استعمار الجزائر وأهوال حرب التحرير الجزائرية (1954 – 1962) آثاراً عميقة على الشعبين الجزائري والفرنسي، وشكّل ذلك باستمرار سببا لتدهور في العلاقات بين البلدين، لكن الموضوع نادراً ما خضع للنقاش العلني في فرنسا خلال العقود الماضية. ورغم اعتراف الرئيس إيمانويل ماكرون بارتكاب جرائم من بينها مجزرة نفذتها الشرطة في حق الجزائريين في باريس عام 1961 ووصفها ماكرون بأنها “لا تُغتفر”، إلّا أنّ حكومته استبعدت “تقديم اعتذار” عن ماضي فرنسا الاستعماري. ويقول المخرج الفرنسي فيليب فوكون على هامش مهرجان كان السينمائي “يمكنكم القول إنّي مهووس بموضوع الحرب الجزائرية”. ويتناول فيلمه “لي أركي” (الحركيون) الذي عرض في المهرجان الخميس ضمن مسابقة “أسبوع المخرجين” قصة جزائريين قاتلوا إلى جانب القوات الفرنسية ضد جبهة التحرير، لكن تمّ التخلي عنهم عندما انسحبت فرنسا من الجزائر وواجهوا انتقام الجزائريين المنتصرين. ويحمّل الفيلم مسؤولية هذه “الخيانة الإجرامية” والمذابح اللاحقة بالحركيين للرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول. ويضيف فوكون المولود في الجزائر “من الضروري أن نسترجع هذه الواقعة وننظر إلى الحقيقة مباشرة” رغم أنّ “التعقيدات” التاريخية تجعل الأحكام السهلة مستحيلة. ويطرح المخرج رؤيته للموضوع بطريقة قد تلقى انتقادات من المتلقي، أو قد تنسجم مع فهمه للإشكالية المعروضة من خلال الفيلم، لكن ما يلح عليه المهتمون بالشأن السينمائي في مثل هذه الحالات هو الجانب الفني في العمل وإن كان صاحبه قد تناوله باحترافية عالية. وحذر زميله المخرج ماتيو فادوبييه من الاستنتاجات السهلة في شأن تجنيد فرنسا لجنود سنغاليين خلال الحرب العالمية الأولى، وهو موضوع يتطرّق إليه فيلمه “تيرايور” (الأب والجندي). ويؤدي النجم الفرنسي عمر سي الذي حصد إعجاباً عالمياً بعد دوريه في فيلم “أنتاتشبل” ومسلسل نتفليكس الشهير “لوبن”، دور البطولة في القصة التي تتحدث عن أب وابنه أُجبرا على المحاربة إلى جانب فرنسا. ويقول فادوبييه إنّ “فكرتي تتمثل في التشكيك بتفاصيل ما حصل”، مضيفاً “في معرض تساؤلنا عن علاقة فرنسا التاريخية بمستعمراتها السابقة، ماذا لدينا لنقول عن ذلك اليوم؟ هل نعرف ماذا فعلنا حتى؟”. وفيما يرفض أي مقاربة “سياسية أمامية”، يقول “إذا أنكرنا الحقائق لن نتمكّن أبداً من المضي قدماً، فينبغي علينا إذاً أن نسرد الوقائع، وعلى الجميع أن يعرفها”. ومع ذلك، لا يتمثل الهدف “في تذنيب الأشخاص، بل في الاعتراف بالتاريخ المؤلم والتحرّر”. وفي العرض الافتتاحي للفيلم، قال سي المولود في فرنسا لأبوين مهاجرين متحدرين من غرب أفريقيا في كلمة “لدينا القصة نفسها، لكن ليست لدينا الذكريات ذاتها”. وسيشهد الأسبوع الثاني من مهرجان كان السينمائي عرض فيلم “نو فرانجان” (إخواننا) للمخرج الفرنسي رشيد بوشارب الذي أثار عام 2006 جدلاً وطنياً بعمله “دايز أوف غلوري”، وهو فيلم يتحدث عن المساعدة التي وفرها جنود من دول شمال أفريقيا للقوات الفرنسية الحرة خلال الحرب العالمية الثانية. ويتحدث فيلم بوشارب الأخير عن قصة مالك أوسكين، وهو طالب قُتل عام 1986 وأصبح بمثابة رمز لدى الأقليات الفرنسية. وفي ليلة السادس من ديسمبر 1986 تعرض الشاب الفرنسي – الجزائري البالغ 22 عاماً إلى ضرب مبرح على يد ضابطي شرطة أدى إلى مقتله، وذلك على هامش مظاهرة احتجاجية طلابية في باريس لم يكن مشاركاً فيها. وأصبح مقتل الشاب بمثابة نقطة تحول، إذ أدى إلى أسابيع من الاضطرابات فضلاً عن إدانة غير مسبوقة للضابطين المسؤولين عن مقتله.
مشاركة :