'كنتُ لك' قصص أنثوية بلا نسوية

  • 5/25/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تحتوي المجموعة القصصية "كنتُ لك" للكاتبة إيمان عنان على 33 نصًّا، تعرض فيها للعلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة، وتجئ معظمها على لسان الأنثى، وعدد قليل منها بلسان الرجل، وهي علاقة تتراوح بين الواقعية والرومانسية، تغوص فيها الكاتبة في عالم مشاعر المرأة الشرقية عموما، والمصرية على وجه الخصوص، مستفيدة من التقدم التقني ووسائل التواصل الاجتماعي في أكثر من قصة، وموظفة بعض القصائد الشعرية والأغاني العاطفية لأم كلثوم والعندليب الأسمر في بعض القصص كمعادل موضوعي للمشاعر الإنسانية المحلّقة، فهي على سبيل المثال في قصتها الأولى "لا تنتقد خجلي" تستوحي عنوان قصتها من قصيدة للشاعر الكويتية د. سعاد الصباح، بل تستعين بجزء طويل من القصيدة في ثنايا قصتها، الأمر الذي يشكل عبئا على القصة نفسها، وكان من الممكن الاكتفاء بأبيات أو سطور قليلة من القصيدة كدال على الحالة العاطفية التي عليها بطلة القصة. وهذا الأمر ينسحب أيضا على قصة "لا تذكر الحب" التي تستشهد فيه الذات الكاتبة بأغنية "أنت عمري" لأم كلثوم، فتكتب مقطعا كاملا من تلك الأغنية العذبة، وكان يكفي فقط ذكر اسم الأغنية، أو بيتا منها، لتتداعى لذاكرة القارئ الأغنية بكاملها، ذلك أن فن القصة القصيرة هو فن التركيز والتكثيف والإيجاز والإيحاء والاقتصاد في الكلمات. ومما يحسب للكاتبة في تلك المجموعة، نهايات قصصها، فقد جاءت معظمها نهايات مدهشة تشبه الصفعة في قصة "صفعة خذلان" على سبيل المثال، وأيضا في قصة "نهاية" نرى نهاية مفاجئة مدهشة حيث نكتشف أن الزوجة هي التي تموت وليس الزوج المريض الذي توقعنا موته بين لحظة وأخرى، والقارئ المتعمق لتلك القصة ربما يستشف من عبارة "كان يرتب أفكاره في توابيت عقله" إشارة خفية على قدوم الموت، ووقوعه لا محالة. وفي قصة "على قبر أمي" نجد أن القصة تنتهي بالعنوان الذي اختارته الكاتبة لها "على قبر أمي"، فالنهاية لم تكن متوقعة حيث يلجا الأب القاسي الذي استجاب لنزوته وطرد ابنته من بيته، إلى قبر الأم ويموت عليه. في حين أن قصة "تلاق" كانت نهايتها على غير العادة، فقد عاد الحبيب من غربته، ولم يتخلَّ عن محبوبته، عاد بعد سنوات ليلتقي بها في المكان نفسه. إنه وفاء نادر لم نعهده كثيرا في الحياة وفي القصص والروايات، ففي أغلب الأحوال نجد العكس هو ما يحدث. أما قصة "نحو المجهول" فتحتوي على المشاعر المتناقضة بين الحب ومتطلبات الحياة، في إشارة من الذات الكاتبة إلى عدم جدوى الحب في هذا الزمن الذي نعيشه الآن. بينما تجمع قصة "هتك خيط المودة" المتناقضات العاطفية بين الرفض والقبول، والتمرد والإذعان، والهجر والتسامح والغفران. وتتعرض قصة "حلم" للكوابيس والأحلام المفزعة ولنوع من الانفصام والزهايمر والخَرَف وما يصيب بعض الشخصيات غير السوية نفسيا. في قصة "ٍسراب" أعجبني استخدام الفعل "شذَرت" في قول الكاتبة "شذرتُ لثوان" وهو فعل قليل الاستخدام، ويعني التفرق والتشتت، وشذر القوم: ذهبوا مذاهب شتى، وإن كان الاسم: الشذرة، وجمعه: شذرات، هو الأكثر استخداما من الفعل "شذَر". ويتكرر استخدام هذا الاسم في قصة "فلتصفحي" في قول الكاتبة: أمسك ذراعي بقوة وشذَرَ بعينيه. كما استخدمت "شذراتُ نظراتي" في قصة "طيف". وفي قصة "عيد الخلاص" نجد مشاعر متناقضة بين الحزن والفرح والاتزان والهوس، على الرغم من تحقيق مطلب المرأة في الحصول على حريتها، وسعادتها بطلاقها. ويلاحظ أن معظم بطلات القصص بدون أسماء معينة، وإنما تعرض لنا الكاتبة الحالات فقط. غير أننا في قصة "نبض" نجد أن اسم بطلة القصة "نبض" وللاسم هنا دلالته، ولكننا سنكتشف أن القصة في النهاية ما هي إلا حلم تفيق منه البطلة على لا شيء. ويُعد الحلم تقنية من تقنيات القص لا ينجح فيه إلا من يقبض عليه مثلما كان يفعل نجيب محفوظ في "أحلام فترة النقاهة" على سبيل المثال. في قصة "أمي خادمة" نجد تصويرا رائعا للمشاعر الإنسانية المختلطة والمضطربة، وكأننا نشاهد مشهدا سينمائيا، فهي قصة تصويرية، تتصارع فيها الإرادات، خاصة عندما اقتحم الابن البيت الذي تعمل فيه أمه خادمةً لامرأة مسنة كفيفة أصابها الزهايمر. وتعود تلك المرأة المسنّة في قصة "فلتصفحي" حيث ترعاها بطلة القصة، لتؤكد الذات الكاتبة أن لها عالمها الخاص، وشخوصها المختارين بعناية من واقع المجتمع الذي تعايشه وتعرفه وتتعامل معه. وتعتبر قصة "خطيئتي والنساء" من القصص القليلة التي تأتي على لسان الرجل، لذا جاءت قصة تقليدية لا جديد فيها، عادية في السرد والتصوير، ونهاية متوقعة أن تُصاب الزوجة بالإيدز نتيجة عبث زوجها واستهتاره ومضاجعته لكثير من النساء الأجنبيات بحكم عمله في إحدى الشركات السياحية وسفره الكثير في الخارج. أيضا قصة "الشبح الأسود" جاءت على لسان الرجل المغترب الذي يكتب لزوجته رسائل إلكترونية خلال عزلة كورونا للاطمئنان على أسرته، فتعنفه الزوجة خشية أن يكون مصابا بالفيروس فتنتقل العدوى عبر الرسائل الإلكترونية. إنه الجنون الذي أصاب البشر جرّاء استفحال المرض، لنفاجأ في النهاية أن الذي أصيب بالفيروس هم الزوجة وأطفالها، رغم حرصها الشديد. أما قصة "رحيل" فهي قصة حوارية بين اثنين من العاشقين يفترقان عن بعضهما البعض، وكنت أرى أن تسمى "مقبرة العاشقين"، فهو اسم له دلالة في القصة أكثر من "رحيل". أما الواقع الرقمي، أو الواقع الافتراضي، فهو ما يجمع بين الحبيبين في قصة "لقاء في الكنيسة" ويبدو أنه من خلال معرفة اسم الحبيب تكتشف الحبيبة بأنه على غير دينها، فترفض الارتباط به، ولكنه يلتقي – واقعيا (وجها لوجه) - بها في حفل زفافها بالكنيسة على صديق عمره (عادل)، ويتعرفان على بعضهما البعض روحيا، وتتداعى الذكريات الرقمية في الواقع الافتراضي بينهما، ولأول مرة في هذه المجموعة القصصية نجد تأثير الأسماء يلعب دورا في مضمون القصة. بينما وجدنا توظيفا جيدا أيضا لوسائل التواصل الاجتماعي في القصة التي سميت باسمها المجموعة "كنتُ لك" فضلا عن التصوير الفني البديع مثل التنورة العالقة بالأسلاك الشائكة. قصة "المرآة" تعد قصة نفسية عميقة الدلالة، يلعب فيها الزمن دورًا مؤثرًا. الوحدة والخوف والتهيؤات والكوابيس هي عالمها التي أجادت الكاتبة وصفه دون أن تذكر لنا اسم بطلة القصة، ونحن في الحقيقة – كقراء – لا يهمنا الاسم بقدر ما يهمنا تأمل الحالة. ونشاهد أيضا في قصة "حتى لا يتصاعد البركان" أحلاما أخرى وكوابيس وتهيؤات وأفكارا سوداء وقتل ودماء وظلام وظُلمة، ولا منقذ سوى تلاوة آيات قصار من القرآن الكريم، وهو ما لجأت إليه الكاتبة أيضا في قصتها "وغفرتُ لك"، حيث التناص القرآني مع الآية الكريمة "بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ" (التكوير 9). وسنجد أن الكاتبة تستخدم تقنية النهاية المفتوحة على جميع أبواب التأويل. أما عنوان قصة "الحقيقة في هاتف زوجي" فأراه عنوانا ليس قصصيا وغير مناسب لمضمون القصة التي تتحدث عن الوفاء والخيانة، والصداقة والأمانة. ولفتني فيها الخطأ اللغوي في العبارة (ولم أكد أنته) وصحته (ولم أكد أنتهي). كما لفتني تأنيث الكافيه في قولها "إحدى الكافيهات" وصحته "أحد الكافيهات" في قصتها "غمدت سيف الحب" التي أراها أقرب إلى القصة السينمائية الرومانسية، أو أنها ملخص رواية رومانسية تصلح فيلما عاطفيا، وهي تعد أطول نصوص المجموعة حيث بلغ عدد صفحاتها 14 صفحة. في قصة "البرنسيسة" أعجبني تشبيه الجسد الأنثوي بآلة الكمان، ولأول مرة يظهر اسم الإسكندرية صراحة في المجموعة، لكن بدون خصوصية ما، فإذا كتبنا اسم أي مدينة أخرى غير الإسكندرية لما حدث شيء للبناء القصصي أو للوصف، وهذه القصة أقرب أيضا إلى القصة السينمائية مثل سابقتها "غمدتُ سيف الحب"، ونضيف إليهما "ثرثرة وجع" التي لا أراها قصة قصيرة، وإنما مشروع رواية يحتاج إلى العكوف عليه لينضج ويصبح رواية متكاملة. من خلال ما سبق نستطيع أن نقول إن تلك المجموعة القصصية لم تخرج في دوالها، عن العلاقة بين الرجل والمرأة الثابتة والمتطورة، وأنها قصص مكتوبة بروح الأنثى وقلمها وقلبها وقاموسها الأنثوي، ولكنها لا تتعرض لقضايا النسوية، فتطالب مثلا بحقوق المرأة المسلوبة، أو تدافع عن حريتها، أو تعالج لقضايا مثل الختان أو التحرش أو الحجاب أو زواج القاصرات وأطفال الشوارع من البنات، والنتائج المترتبة على الطلاق وغير ذلك من قضايا. وعلى الرغم من ذلك فإن الكاتبة إيمان عنان عرضت لعالم المرأة ومشاعرها ونظراتها ونظرات المجتمع لها من خلال رؤى مجتمعية رومانسية أجادت توظيفها في أغلب الأحوال. يذكر أن الكاتبة إيمان عنان عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، وعضو هيئة تحرير مجلة "ضاد" التي تصدرها النقابة، تعمل بالصحافة، وفازت بأكثر من جائزة أدبية منها جائزة الدكتور حسن البنداري للقصة القصيرة التي ينظمها اتحاد الكتاب، وصدر لها ثلاث روايات من قبل: قدر لا يرد، والعزف على وتر الرحيل، وأتذكرُني؟

مشاركة :