يكافح سكان الهند موجات حرارة غير مسبوقة، أثرت بشكل كبير على حياتهم اليومية ونشاطاتهم الاقتصادية، خاصة تلك المرتبطة بالقطاع الفلاحي. ومع غروب الشمس الحارقة عن عربة بيع الغلال، يتجّه محمد إكرار للتخلص من الكميات المتبقية من ثمار المانجو والبطيخ المتعفنة بسبب موجة الحر التي ضربت الهند الشهر الجاري. ولا يملك الشاب البالغ من العمر ثمانية وثلاثين عاما آلة تبريد، ما يعرض بضاعته للتلف سريعا. وبحلول نهاية اليوم، عادة ما تكون أيّ بقايا من الغلال غير صالحة سوى لإطعام الأبقار التي تجوب الشوارع. ◙ بيانات حكومية في الهند تظهر وفاة 25 شخصا على الأقل بسبب ضربة الشمس منذ أواخر مارس، وهي أعلى حصيلة خلال السنوات الخمس الماضية وقال إكرار إنه خسر ما يصل إلى 3000 روبية (39 دولارا) في أسبوع، أي ما يقرب من نصف متوسط دخله الأسبوعي. وكان يتجوّل في طقس بلغت حرارته 44 درجة مئوية. واعتبر هذا الكفاح ضروريا حتى يتمكن من شراء ثلاجة يوما ما. وأدت الأمطار الغزيرة والعواصف الرعدية في منطقة نيودلهي في وقت مبكر الاثنين الماضي إلى انخفاض درجات الحرارة الحارقة إلى حوالي 20 درجة مئوية، لكن من المقرر أن ترتفع درجات الحرارة مرة أخرى إلى حوالي 40 درجة مئوية في وقت لاحق من الأسبوع، وفقا لمكتب الأرصاد الهندية. وتسببت عاصفة يوم الاثنين في انقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء كبيرة من العاصمة نيودلهي وهي مشكلة اعتاد إكرار عليها. ويعاني الشاب وعائلته من انقطاع لساعات طويلة في التيار الكهربائي، مما يجعل مروحة السقف عديمة الفائدة في منزلهم المكون من غرفة واحدة في نويدا التابعة لنيودلهي. ويضطر كرار إلى إرسال أبنائه الثلاثة إلى مدرسة مزودة بمبردات هواء “للراحة” من الحر. ويقول الشاب “أتعرق طوال اليوم، لا توجد وسيلة لأبرّد جسمي كما أريد. لم أشعر بأيّ شيء كهذا منذ أن انتقلت إلى هنا قبل ثماني سنوات”. ويجسّد إكرار مثالا سريعا عن التهديد الذي يواجهه سكان الهند من عدم الوصول إلى التبريد في ظل انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع. ووفقا لتقرير صدر الأسبوع الماضي، عن منظمة الطاقة المستدامة للجميع التي تدعمها الأمم المتحدة، فإن نحو 323 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد معرضون إلى خطر كبير جراء الحرارة الشديدة ونقص معدات التبريد. وتصدّرت الهند قائمة البلدان المهددة بالوفيات الفورية من ارتفاع درجة الحرارة وانعدام الأمن الغذائي، جراء التغير المناخي. وارتفعت درجات الحرارة في نيودلهي إلى ما فوق 49 درجة مئوية في بعض المناطق في منتصف مايو الماضي بعد أن سجلت الهند في مارس موجة حر غير مسبوقة منذ 122 عاما. ويأمل سكان الهند في أن تنحسر درجات الحرارة مع وصول الأمطار الموسمية في يونيو. وسجّل الطلب على الكهرباء في الهند رقما قياسيا مع ارتفاع استخدام مكيفات الهواء وهو ما تسبب في أسوأ أزمة طاقة منذ أكثر من ست سنوات. ◙ الهند سجلت في مارس موجة حر غير مسبوقة منذ 122 عاما ◙ الهند سجلت في مارس موجة حر غير مسبوقة منذ 122 عاما ورجح بريان دين، رئيس كفاءة الطاقة والتبريد في منظمة الطاقة المستدامة للجميع، أن يزيد الضغط على أنظمة الكهرباء في السنوات المقبلة بسبب ارتفاع الطلب على التبريد، مما سيؤدي إلى زيادة محتملة في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وصرّح دين أن هذا يؤدي بدوره إلى تفاقم مخاطر موجات الحرارة الأطول والأكثر حدّة. وحثّ السلطات على التنفيذ السريع لخطة عمل التبريد في الهند، التي انطلقت في العام 2019، والتي تهدف إلى خفض الطلب على التبريد بنسبة تصل إلى 25 في المئة بحلول سنة 2038 من خلال تدابير تشمل تطوير تقنية تبريد جديدة وتصميم مبان ذات تدفق هواء طبيعي. وربط العلماء البداية المبكرة لصيف شديد بتغير المناخ، وقالوا إن أكثر من مليار شخص في الهند وباكستان المجاورة معرضون بطريقة ما إلى خطر الحرارة الشديدة. ووجدت منظمة الطاقة المستدامة للجميع أن كراتشي التي تعدّ أكبر مدن باكستان والعديد من المدن الأخرى بما في ذلك مومباي ودكا في جنوب آسيا هي من بين أكثر المدن المعرضة إلى خطر عدم كفاية التبريد. وقال فرحان أنور، مستشار التخطيط الحضري في كراتشي، إن فقراء المدينة كانوا الضحايا الرئيسيين للحرارة الشديدة، والتي من المحتمل أن تكون ناجمة عمّا يسمى بـ”تأثير جزيرة الحرارة الحضرية” حيث تؤدي المباني الخرسانية إلى ارتفاع درجات الحرارة. وذكر أن التكثيف غير المخطط له، وخيارات التنقل المكثف للسيارات، والتقليل السريع للغطاء الأخضر هي عوامل تثير القلق في الاتجاهات الحضرية، داعيا إلى اتخاذ إجراءات لتعزيز المساحات الخضراء. تظهر بيانات حكومية في الهند وفاة 25 شخصا على الأقل بسبب ضربة الشمس منذ أواخر مارس، وهي أعلى حصيلة خلال السنوات الخمس الماضية. ◙ 323 مليون شخص معرضون إلى خطر كبير جراء الحرارة الشديدة في الهند وقال ديليب مافالانكار رئيس المعهد الهندي للصحة العامة إن الرقم الرسمي يخفي أهوالا أكبر. وشدد على أن الحرارة هي قاتل غير مرئي إلى حد كبير يصعب تحديده سببا للوفاة، خاصة أنه غالبا ما يصيب كبار السن والمرضى ويمكن أن يكون ناجما عن التعرض غير المباشر مثل العيش في منازل صغيرة وسيئة التهوية. وقال إن حالات التعرض غير المباشر هذه تشكل تسعة من كل 10 وفيات بسبب الحر، ومن المحتمل أن تحتسب الهند حوالي 10 في المئة فقط من الإجمالي الحقيقي. وساعد مافالانكار في تنفيذ أول خطة عمل لمواجهة الحرارة في جنوب آسيا في أحمد أباد في غوجارات سنة 2013، بعد أن شهدت المدينة أكثر من 1300 حالة وفاة في موجة الحر خلال 2010. ونسب الفضل إلى الخطة في إنقاذ ما يصل إلى 1200 شخص من الموت كل صيف. وتقرر توسيع هذه الخطة لتشمل رسائل نصية للإنذار المبكر إلى الهواتف فيما يقرب من عشرين ولاية معرضة إلى موجات الحر وأكثر من 130 مدينة ومنطقة. كما توجه الخطة الناس إلى السعي للحصول على فترة راحة من موجات الحر في “مراكز التبريد” مثل المباني العامة المكيفة والمتاجر والمراكز التجارية والمعابد والحدائق العامة. ودعا كل من مافالانكار وبريان دين إلى توسيع نطاق استخدام “الأسطح الباردة” مع الأسطح العاكسة لتقليل درجات الحرارة في المساكن منخفضة الدخل وحتى العشوائية. وقال مافالانكار إن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لمساعدة الفقراء والضعفاء على البقاء في عالم أكثر سخونة، مثل بناء منازل مقاومة للحرارة إلى إنشاء المزيد من المساحات الخضراء. وحذّر من أن “درجات الحرارة قد ترتفع بمقدار ثلاث إلى خمس درجات في الصيف المقبل”. وأكّد “علينا الاستعداد من الآن”.
مشاركة :