ضمن فعالياته في منبر تراث الأدب الذي افترعه بيت الشعر الخرطوم خلال هذا العام، متناولا فيه عددا من الندوات والمحاضرات حول الأدب العربي القديم مع عدد من المختصين في النقد والبحث في هذا المجال، تناول البيت هذه المرة (القيم الخبرية في شعر أبي الطيب المتنبي) مع الباحث والإعلامي الشاعر أبوذر أحمد محمد، عصر اليوم السبت ٢٨ مايو ٢٠٢٢م، بقاعة الشارقة، بحضور فخيم شمل الأدباء والشعراء والكتاب والباحثين والنقاد، وأساتذة الأدب بالجامعات السودانية، وأهل الإعلام. ابتدر المنبر الدكتور الصديق عمر الصديق مدير بيت الشعر الخرطوم مقدمًا لمحات ووقفات حول شعر المتنبي وحياته وما تناوله النقاد والأدباء الكبار حول مسيرته الأدبية الثرة، وقدم الصديق المتحدث في موضوع منبر التراث المتناول في هذه الجلسة. أبوذر أحمد محمد، إعلامي وباحث معروف في الأدب، تخرج في جامعة أم درمان الأهلية كلية الآداب والعلوم، ونال الماجستير في الإعلام بجامعة الخرطوم، وله مقالات نقدية وبحثية في عدد من الصحف المحلية والمجلات العربية، منها: أخبار الأدب المصرية، السمراء السودانية. وللباحث الإعلامي أبي ذر مقالات وبحوث نشرت على مواقع عالمية ومحلية منها: موقع المشكاة المغربي، الطرابيل، وصيحفة المحرر، كما له مخطوطات شعرية وسردية قيد النشر. قدم أبوذر ورقته تحت عنوان: دَهَى الجزيرةَ خَبَرٌ.. القيم الخبرية في شعر المتنبي (دراسة في الخبر الأدبي ومقارباته الإعلامية القيمية) واستدل في مطلع حديثه بما هو متعارف عليه، وهو: أن أبا الطيب أحمد بن الحسين المتنبي شاعر ملأ الدنيا وشغل الناس ولا يزال انشغال الناس به متجددا، وتدل على ذلك الدراسات السيارة والمقالات التي تولد بين حين وحين في كليات الآداب بالجامعات وفي الدوريات المحكمة والمجلات العامة والمتخصصة، كما انشغل به النقاد من قديم متعصبين له وعليه، ولم يكن هو مبالغا حين صور هذا في شعره، مستشهدا بأبيات من قصيدته (وما الدهر إلا من رواة قصائدي) حيث يقول: “وَمَا أنَا إلاّ سَمْهَرِيٌّ حَمَلْتَهُ فزَيّنَ مَعْرُوضاً وَرَاعَ مُسَدَّدَا وَمَا الدّهْرُ إلاّ مِنْ رُواةِ قَصائِدي إذا قُلتُ شِعراً أصْبَحَ الدّهرُ مُنشِدَا فَسَارَ بهِ مَنْ لا يَسيرُ مُشَمِّراً وَغَنّى بهِ مَنْ لا يُغَنّي مُغَرِّدَا أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعراً فإنّمَا بشِعري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا وَدَعْ كلّ صَوْتٍ غَيرَ صَوْتي فإنّني أنَا الطّائِرُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصّدَى” ويشير أبو ذر إلى أن هذا الانشغال بالمتنبي في زمانه وما تلاه من الأعصر يدل دلالة باهرة على أنه كان ظاهرة شعرية لغوية وإبداعية، وظاهرة عربية رمت بعدا قومياً وصدى عروبيا تفوق كل قادة القومية العربية، ذلك أن المتنبي إنما كان القادة يطلبونه في قصورهم لا ليسامرهم ويتكسب من عطاياهم وإنما لأن مجرد حلوله ببلاطهم وقصورهم يعد في حد ذاته نقلا إعلامياً لأنه كان آلة إعلامية فائقة بعيدة الصدى عميقة الأثر. فَمالي وَلِلدُنيا طِلابي نُجومُها وَمَسعايَ مِنها في شُدوقِ الأَراقِمِ مِنَ الحِلمِ أَن تَستَعمِلَ الجَهلَ دونَهُ إِذا اِتَّسَعَت في الحِلمِ طُرْقُ المَظالِمِ وَأَن تَرِدَ الماءَ الَّذي شَطرُهُ دَمٌ فَتُسقى إِذا لَم يُسقَ مَن لَم يُزاحِمِ وَمَن عَرَفَ الأَيّامَ مَعرِفَتي بِها وَبِالناسِ رَوّى رُمحَهُ غَيرَ راحِمِ وقسم أبو ذر ورقته إلى مبحثين رئيسيين الأول تناول فيه (الخبر بين الإعلام والأدب، والثاني حول (القيم الخبرية)، وقسم القيم الخبرية إلى ثلاثة أقسام أولها الموضوعية وهو ما يتوافر في شعر أبي الطيب، وكذلك الصدقية وقد كان المتنبي صادقًا وحكيمًا فيما يخبر به سواء كان خبرًا عابرًا أو قصة خبرية كاملة أو تقريرًا لحاله، أما الصراع وهو تتفرع منه قيمة الاهتمام الإنساني والأخباري، ويشير الباحث في ورقته: أن المتنبي كانت حياته مملوءة بالصراع لأنه كان مقوالًا كريما بشعره سخيا، فظل أريحيا، ولو كان المتنبي قد قدر الله له أن يطول في عمره لبلغ شاوًا بعيدًا عاليا بأكثر مما وصل إليه. أثرى المتداخلون الحديث بالآراء التي انصبت في موضوع المنبر وأفاضوا عليها حللاً من المواقف والاستشهاد والبراهين، متفقين حول ما جاء به أبوذر في تناوله للقيم الخبرية لدى شعر المتنبي، تاركين الآفاق مشرعة لمزيد من التنقيب حول المبحث، وهناك من خالف الرأي في بعض النقاط، واختتم المنبر بالتعقيب من قبل مقدم الورقة حول ما ورد وأثير من نقاش وأسئلة رفدت مبحثه حول قيم الخبر والدور الإعلامي لدى المتنبي في شعره. 15
مشاركة :