تهرّأ بيت المتنبي «عيدٌ بأيّةِ حالٍ عدتَ يا عيدُ..» لكثرة ما استخدمه كتّاب الأعياد، والغالبية منهم تكسر وزن أبي الطيب عندما يستبدلون «بأيّ».. بـ«بأيّةِ».. وهذا من ناحية عروضية لا أكثر، لكن من ناحية استعادية لهذا البيت الذي أصبح هو الأكثر شهرة في شعر المتنبي مع أنه الأكثر ضعفاً بين قصائده الحكمية الكبريائية.. فإن الحال أصبحت مجموعة أحوال. لأمر ما في بطن الشاعر.. هرب المتنبي من مصر بعدما اختلف مع كافور الاخشيدي، وأخذ كعادته يهجو منْ لا يعطيه، وما كان صاحب «الليل والخيل والبيداء تعرفني..» يقنع بالمال والخيل والذهب كأعطيات؛ بل كان يريد إمارة حتى لو على ظهر حصان يتنقل بها من مصر إلى الشام إلى العراق وحتى شيراز ذهاباً وإياباً وعلى خصره سيفه، وفي خرج متاعه ثمة كتاب دائماً وهو من أجمل ما قال: «.. أعزُّ مكانٍ في الدنّا سرج سابحٍ.. وخير جليسٍ في الزمان كتاب..».. ويا ليت من يستعيدون المتنبي يوم العيد أن يتركوا الحال والأحوال ويذهبوا إلى الكتاب، ففي الكتب نجد كل الحلول.في الأعياد.. عند المتنبي الكثير مما يليق به غير هذا البيت الضعيف الذي يبدو أنه قاله على عجل وهو يغادر مصر، فهو قال: «.. إن القتيل مضرجاً بدمائه.. مثل القتيل مضرجاً بدموعه..»، وفي زمن الاستعادات فما أكثر الدماء، وما أكثر الدموع على خريطة سير المتنبي القديمة والجديدة من مصر إلى الشام إلى العراق غير أن الطرق التي لم يسلكها المتنبي آنذاك كانت نحو طرابلس، وغزة، وجنين، وصنعاء، وتلك الأطراف المدنية التي لم يدخلها حصان الشاعر مثل القلمون والرقة والموصل ودير الزور، وبالقرب من بيروت، ثم كان على الشاعر أن يوجه رَسَنَ أو لجام حصانه مرة ثانية إلى القدس أو نابلس أو الخليل، ثم كان عليه أن يحث الخطى إلى تونس الخضراء، أو إلى القيروان؛ حيث ترك هناك قصيدة كتب بيتها الأول.. «.. إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر..» وأوصى أن يكملهاأبوالقاسم الشابي... «.. عيدٌ بأية حال عُدّتَ يا عيدُ..».. ما أخف، وما أسرع، وما أسوأ شعراً كهذا اليوم كان في حدّ ذاته قضية شخص واحد مغبون مخذول، مباع ومطرود.. بل، ومُهان..لكن المحزن هنا والحارق للقلب.. أن ذلك الشخص الواحد هو بعد مئات السنوات شعب بأكمله.. بل، شعوب. يوسف أبولوزy.abulouz@gmail.com
مشاركة :