في الوقت الذي تغرق فيه الولايات المتحدة بشكل أعمق فيما يتملكها من جنون ارتياب معاد للصين، قد تسلك أستراليا مسارا مختلفا يخدم مصلحتها الوطنية على أفضل وجه. فالحكومة الأمريكية، التي لا تزال في قبضة عقلية الحرب الباردة، لا تستخدم ما يسمى بالإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ سوى كأداة لاحتواء الصين، وليس لإفادة المنطقة، وهو ما يمكن رؤيته من خلال اختيارها لـ”الشركاء” ومشروع القواعد وعملية المصادقة. ومن خلال رعاية “حلفائها” واستخدامهم، بما في ذلك أستراليا، كبيادق، تلعب الحكومة الأمريكية لعبة سياسات القوة دون أي اعتبار لمصالحهم. كان هذا واضحا تماما عندما استحوذت الولايات المتحدة على السوق التي خسرتها أستراليا في الصين دون تردد. تحتاج أستراليا إلى أن تكون رؤيتها واضحة بما فيه الكفاية لإدراك حقيقة أن مصالحها الوطنية لا تتماشى دائما مع مصالح الولايات المتحدة، وأنه من الضرورة بمكان اتخاذ خيار أفضل مع انتهاج سياسة خارجية مستقلة لصالح شعبها. من معاناتهما المشتركة في التاريخ إلى كونهما شريكتين تجاريتين حاليا، حافظت الصين وأستراليا لفترة طويلة على علاقات جيدة عادت على الجانبين بفوائد ملموسة. في الحرب العالمية الثانية، وقعت الصين وأستراليا ضحية للفاشيين اليابانيين، وقاتلتا جنبا إلى جنب ضد العدوان الياباني. وشهد معسكر اعتقال أقامه اليابانيون في شنيانغ بمقاطعة لياونينغ بشمال شرق الصين، والجاري الحفاظ عليه حتى يومنا هذا، معاناة بعض الجنود الأستراليين. يصادف هذا العام الذكرى الـ50 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وأستراليا. وقد قال رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ في وقت سابق من هذا الأسبوع إن التنمية السليمة والمستقرة للعلاقات الصينية الأسترالية تتوافق مع المصالح الأساسية والتطلعات المشتركة لشعبيهما وتصب أيضا في صالح تحقيق السلام والاستقرار والتنمية والرخاء في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وذكر السفير الصيني لدى أستراليا شياو تشيان أن الصين ظلت لسنوات أكبر شريك تجاري وأكبر سوق للصادرات وأكبر مصدر للواردات وأكبر مصدر لإيرادات السياحة وأكبر مصدر للطلاب الدوليين بالنسبة لأستراليا. وانخرطت الدولتان في تعاون وتبادلات في العديد من المجالات المختلفة، التي ازدهرت في نصف القرن الماضي. فقد قفز حجم التبادل التجاري بينهما من أقل من 100 مليون دولار أمريكي في بداية علاقاتهما الدبلوماسية في عام 1972، إلى 230 مليار دولار في عام 2021. ويتوافد عشرات الآلاف من الطلاب الصينيين على أستراليا كل عام ويعيش 1.2 مليون صيني مغترب في هذا البلد. كما إن العديد من الأستراليين لديهم تطلعات للحفاظ على علاقة سليمة وصحية مع الصين. بعد تفشي جائحة كوفيد-19، اشترت مؤسسة ((ميندرو فاونديشن)) الخيرية الأسترالية أكثر من 90 طنا من الإمدادات الطبية المهمة من الصين، بما في ذلك كمامات ومعاطف طبية وأجهزة تنفس صناعي من الفئة المستخدمة في وحدات العناية المركزة. “نحن نتلقى دعما كبيرا من الصين”، هكذا قال أندرو فورست، مؤسس المؤسسة، مضيفا “عندما كنا في أمس الحاجة إلى إجراء اختبارات الكشف عن كوفيد-19 وكانت اللقاحات مجرد خيال بعيد المنال، جاءت الصين لمساعدتنا”. ومن جانبه، قال راعي الفنون والدبلوماسي السابق كاريلو غانتنر “لقد خرجت العلاقات عن مسارها فقط في فترة زمنية قصيرة جدا”، مضيفا “آمل أن تتمكن من العودة إلى المسار الصحيح بسرعة أيضا”. وأعربت العديد من منشورات الرأي العام والافتتاحيات على الإنترنت من كلا الجانبين عن تطلعات مماثلة على مدى السنوات الماضية عندما تراجعت العلاقات الصينية الأسترالية، داعية إلى بذل جهود منسقة للتحرك نحو انفراجة. إن الذكرى السنوية الـ50 لإقامة العلاقات الدبلوماسية تتيح فرصة نادرة للحكومة الفيدرالية الأسترالية الجديدة لاستعراض الإنجازات التي تحققت في العلاقات الثنائية، والسماح للتجربة الجيدة بإعادة هذه العلاقات مرة أخرى إلى مسار من النمو الصحي والمستقر على المدى الطويل. كان رئيس الوزراء الأسترالي الأسبق غوف ويتلام قد قال خلال زيارته لبكين في عام 1973 إن “الصين جارتنا القريبة. والتعاون والارتباط الوثيق بين شعبينا أمر طبيعي ومفيد”. “نعتقد أن هناك فوائد كبيرة ستعود على الجميع عند تنحية حالة الجمود والعداء التي سادت حقبة الحرب الباردة جانبا واغتنام الفرص الكامنة في الإطار الأكثر انفتاحا للعلاقات التي تتطور الآن في العالم، لبناء هيكل من التعاون القائم على الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة”. ولا يزال صدى كلماته يتردد حتى اليوم.
مشاركة :