كان طه حسين وريادته الفكرية وأعماله الأدبية موضوع ندوة فكرية عنوانها: «طه حسين عميداً للأدب العربي»، وقد أُقيمت أول أمس في المنصة الرئيسية في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وشارك فيها كل من الأدباء والأساتذة: معالي محمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، د. حسين حمودة، أستاذ النقد الأدبي الحديث في قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة القاهرة، د. معجب الزهراني، مدير معهد العالم العربي بباريس، الطيب ولد العروسي، مدير كرسي معهد العالم العربي بباريس، د. أيمن بكر، أستاذ الأدب العربي والنقد في جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا بالكويت. وفي مستهل الندوة، ألقى معالي محمد المر كلمة رحب فيها بالأساتذة المشاركين، وأضاف قائلاً: طه حسين عبارة عن نهضة الأمة المصرية في نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وعبقرية شخص تغلب على إعاقته بإبداعه الفكري والأدبي. وحول احتفال أبوظبي بقادة الفكر العربي بمعرض الكتاب 2022، أوضح أنها سُنة حسنة تدل على فهم معنى التربية الثقافية والتنمية الحضارية، قائلاً: باسترجاع سير هؤلاء العلماء والعظماء نستطيع أن نبني نهضة الأمم العربية على أسس قوية، ونربط المعاصرة بالأصالة الموجودة في تاريخنا، ونتخذ من هذه الشخصيات قدوة للأجيال الصاعدة. وبدوره قدم د. حمودة مداخلة جاء فيها: لم يكن طه حسين بعيداً أبداً عن روح الإبداع المتجددة والمجدّدة، سواء في كتاباته النقدية وغير النقدية، أو في أعماله الروائية، مثل «شجرة البؤس» و«دعاء الكروان» و«أديب»، أو في أعماله التي ابتعثت أنواعاً أدبية قديمة مهجورة، وأضفت عليها أبعاداً جديدة، مثل «جنة الشوك»، أو في أعماله التي خاضت مغامرات خاصة مثل «الأيام» و«المعذبون في الأرض» و«جنة الحيوان». وفي كل هذه الأعمال، يمكن الوقوف على ملامح مميزة، تتأسس على روح إبداعية مغامرة، حرّة، ظلت تسعى دائماً إلى استكشاف مساحات للتعبير الأدبي لم تكن مأهولة في زمنها، وفي كل هذه الأعمال أيضاً يمكن ملاحظة معالم ستتنامى وتتناسل ويكون لها حضور كبير مشهود في مسيرة الكتابة الأدبية العربية التالية، عند عددٍ كبيرٍ من الكُتاب والكاتبات. وتابع د. حمودة مقدماً لمحات موجزة من روايات طه حسين، وبعض كتاباته المتنوعة. ونكتفي هنا بلمحة من رواية «أديب» ففيها تتقاطع تجربة الراوي وعالمه مع عالم طه حسين نفسه، مما يجعل الرواية تنهل من منابع «الرواية السيرذاتية». والرواية من جهة أخرى تهتم أيضاً بقضية مهمة: علاقة الشرق والغرب، وتختار تجسيد هذه العلاقة خلال تجربة حب تجمع بين رجل شرقي وامرأة غربية، وهي بهذا الاهتمام تمثل حلقة مبكرة في سلسلة ستشهد حلقات أخرى، في روايات لاحقة توقفت عند القضية وعند طريقة تجسيدها نفسها. أما كتاب «الأيام»، فهو سرد الذات عن الذات، عن عالمها المحدد، ولكنه أيضاً سرد عن العالم الجماعي الذي أحاط بهذه الذات، في الريف الجنوبي الفقير بمصر، بكل مواضعاته وأعرافه وتقاليده وثقافته الشعبية، وبكل قيمه وأحلامه. وقدم د. الزهراني مداخلة بعنوان: «طه حسين ونموذج المثقف الإشكالي»، مبيناً أنه اختار هذا المصطلح الأدبي لأن هذا الأديب الرائد كان متقدماً على عصره، وأثار في المجتمع العربي، سواء الأكاديمي أو المثقف آراء ومواقف متناقضة ما بين مؤيد لأفكاره أو مخالف له، ولاسيما في دعوته إلى إعادة النظر في تاريخ الأدب العربي التي كانت محكومة بمسلّمات تقارب التقديس، وأوضح أن جوهر تفكير طه حسين كان متأثراً بعصر التنوير وخاصة الفرنسي. أما ولد العروسي، فقد أشار إلى المراجع الفرنسية وكيف قدمت طه حسين، ثم تحدث عن معجم الأعلام بالفرنسية «لا روس» الذي اشتغل فيه أكثر من 40 شخصية ثقافية، وبيع منه عند إعادة طباعته ما لا يقل عن 20 مليـون نسخة. ملامح التجربة المعرفية قدم د. أيمن بكر مداخلة بعنوان: «ملامح التجربة المعرفية عند طه حسين»، يقول فيها: «طه حسين نموذج للمعرفة يجب أن يحتذى به، المعرفة للمعرفة، وهي القيمة التي أعلنها في بيان إنشاء جامعة القاهرة، مؤكداً أن الجامعة مكان للمعرفة من أجل المعرفة، العلم من أجل العلم، وهي تجربة معرفية نموذج لهذا النمط من الوعي الذي أصبح الآن في السوق الرأسمالية غائباً؛ لأن كثيرين يتعلمون لغير المعرفة وما ترقيه في النفس والعقل والوعي. نحن الآن في سوق مفتوحة والمعرفة أصبحت فيها سلعة، والتوجه إليها لم يعد خالصاً لوجه المعرفة، وإنما أصبح سُلماً لشيء آخر. إن طه حسين يقدم نموذجاً، إن تبنيناه، معارف حقيقية وعارفين حقيقيين، وأنا أميز بين المعرفة وحامل المعرفة. طه حسين عارف، وما نشاهده من خريجي الجامعة وحتى حملة الدكتوراه هم حملة معرفة وليسوا عارفين».
مشاركة :