مصطفى إسماعيل دونمز: أجد متعة في قراءة الشعر وترجمة الروايات | ممدوح فراج النابي | صحيفة العرب

  • 5/29/2022
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

تعددت ترجمات مصطفى إسماعيل دونمز من العربية إلى التركية، فقدّم في فترة قصيرة الكثير من الأعمال للقارئ التركي على نحو “أيبولا 76” و”صائد اليرقات” للكاتب السوداني أمير تاج السر، و”ذاكرة الجسد” لأحلام مستغانمي، و”حارث المياه” لهدى بركات و”زايا” لريم الصقر، و”نكات للمسلحين” لمازن معروف، كما يعكف حاليًّا على ترجمة “زمن الخيول البيضاء” لإبراهيم نصرالله، وكتاب “مذكراتي في سجن النساء” لنوال السعداوي، وبصدد ترجمة رواية ثانية لهدى بركات. إضافة إلى ترجماته للوثائق العثمانية إلى اللغة العربية. لا تقتصر ترجمات دونمز على العربية إلى التركية، بل يعمل على العكس أيضًا حيث يترجم من التركية إلى العربية فقدم الكثير من الأعمال المهمة منها “ولاة دمشق في العهد السلجوقي” و”ولاة دمشق في العهد العثماني” لصلاح الدين المنجد، وكتاب “تاريخ الزنكيين” في الموصل وبلاد الشام لمحمد سهيل طقوش (تحت الطبع)، بالإضافة إلى ترجمته لرواية تاريخية وثائقية من التركية إلى العربية وهي قيد الطبع اسمها “عظام في النيل المهدي السوداني وجوردون باشا” للكاتب التركي عمر إيرتور. في الحوار الذي أجرته معه “مجلة الجديد”، أثارت معه الكثير من الإشكاليات الراهنة المتعلّقة بواقع الترجمة وآلياتها، وشيخوخة الترجمة وما يرتبط بها من إعادة ترجمة الأعمال من جديد، وكذلك صعوبة ترجمة المحكيات، وآليات التغلب على هذه الصعوبة، ورؤيته لترجمة الشعر التي مالت إلى مدرسة استحالة ترجمة الشعر على نحو ما صاغه الجاحظ قديمًا في “كتاب الحيوان”، وغيرها من آرائه. ترجمة الروايات [ الجديد: بدايتك في الترجمة تعود إلى مرحلة دراسة الدكتوراه في جامعة مرمرة، كانت مع الوثائق العثمانية كما ذكرت في حوار سابق لك، ثم كانت باكورة أعمالك ترجمة مجموعة “نكات للمسلحين” للكاتب الفلسطيني مازن معروف. ما أسباب التحوّل من الوثائق التي هي حقائق معتمدة على لغة تقريرية، إلى النصوص الأدبية التي هي قائمة على المجاز في الأساس؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: أثناء دراستي للدكتوراه كنتُ أعمل في دار نشر مهتمة بالتاريخ بشكل عام، والتاريخ العثماني والوثائق بشكل خاص، لذلك كان من ضمن عملي ترجمة المخطوطات والوثائق العثمانية، وبسبب انشغالي بدراسة الدكتوراه لم أكن أملك الوقت الكافي للتفرغ للترجمة الأدبية، وبعد حصولي على الدكتوراه وتغيير عملي وجدت فرصتي في الترجمة الأدبية التي أهتم بها أكثر من بقية أنواع الترجمات، مع العلم أنني لم أترك ترجمة الوثائق العثمانية حتى الآن، حيث أنني أشرفت على الكثير من البحوث العلمية والبحثية من عدة دول عربية في مجال الوثائق العثمانية والمخطوطات.طبعاً أنا اهتمامي الأكبر ينصبّ على الروايات حتى كذوق أدبي، وهذا ما جعلني أنتقل من ترجمة القصص القصيرة إلى الروايات فهي تحمل تكاملاً في البعد الأدبي وإبداعاً في التعبير ومساحة أوسع لخيال الكاتب، مع العلم كانت لي تجارب في ترجمة بعض القصص القصيرة العربية إلى اللغة التركية في المجلات الأدبيّة التركيّة. أما بالنسبة إلى كتاب “نكات للمسلحين”، فهو كتاب جميل ويستحق الترجمة إضافة إلى أنه حاصل على جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية في الكويت ودخل في قوائم جوائز أخرى، وفي الحقيقة فإني أستمتع أكثر بالترجمة الأدبية للروايات لأنها تلامس شغفي بالتأليف الأدبي الذي أسعى جاهداً لدخول عالمه من أوسع الأبواب. أما في ما يخص المقارنة بين الترجمة التاريخية للوثائق والترجمة الأدبية، فالأولى تمثل حقائق كانت واقعاً في يوم من الأيام ومتعتي تكمن في إظهار محتويات هذه الوثائق التي غيّبت طويلاً عن العالم العربي، فاليوم من خلال الترجمة ننقلها إلى النور وإلى العالم العربي ليقرأ ويستمتع ويطلع على محتويات هذه الوثائق والمخطوطات القيمة التي تعبر عن الظواهر والأحداث التاريخية والمراسلات بين مركز الدولة والولايات التابعة لها وفرمانات سلطانية وغير ذلك، أما الترجمة الأدبية فهي قريبة من الإبداع مثل التأليف وهنا تكمن جماليتها كما قال جورج غونزاليز مور “المترجم هو شريك المؤلف”. [ الجديد: دعنى أذهب بعيدًا قليلاً، إلى مرحلة البداية والتكوين، متى بدأت علاقتك باللغة العربية تحديدًا؟ وهل كان اختيار اللغة العربية في الدراسة قرارًا داخليًّا أم جاء الأمر بالصدفة، أو فرض عليك ككثير من الطلاب الأتراك الذين يدرسون اللغة العربية في الجامعات؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: بدأت علاقتي باللغة العربية في فترة الدراسة الجامعية وكان اختياري لها نابعاً من داخلي، فأنا أحب اللغة العربية وأستمتع بها، وعلى سبيل المثال كنتُ أحب سماع أغاني أم كلثوم أو ربما كوني من مدينة إسكندرون والتي تحتوي على الكثير من الناس ذوي الأصول العربية وكنتُ أنا ذو الأصول التركية أسمع بعض الجمل منهم وفي الأسواق وكانت تلك الكلمات والجمل تشدني بشكل غريب فوجدت نفسي أميل إلى هذه اللغة الجميلة وأستمتع بدراستها وتعلّم مفرداتها حتى تمرّستُ بها وصولاً إلى قدرتي على ترجمة جواهرها الأدبية الرائعة. [الجديد: بصفتك تشاطرني المهنة، وهي تعليم اللغة العربية هنا (في تركيا) لماذا لا نجد الإقبال من الطلاب على تعلّم اللغة العربية، مقارنة بالطلاب الأجانب (عرب وأفارقة ومن دول آسيوية) في تعلُّم اللُّغة التركيّة؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: باعتقادي ووفق خبرتي الطالب الأجنبي يجد نفسه في بلد ومجتمع يتحدث اللغة التركية فهو بالتالي مضطر إلى تعلم اللغة التركية في أقصر وقت ممكن والمتمثل بمنهاج مركز تومر الذي يوفر تعلم اللغة خلال مدة عام كامل، وطبعاً هو أساساً موجود ضمن المجتمع التركي ويواجه اللغة في السوق وفي الشارع وفي الماركت، وفي وسائل النقل وكل مكان وهذا معروف أنه يقصّر مسافة تعلم اللغة على الطالب، إضافة إلى كون الطالب الأجنبي يأتي إلى تركيا بغرض إتمام دراسته الجامعية وهو ملزم بأن يكون قادراً على التحدث والقراءة والكتابة والاستماع باللغة التركية، كي يتمكن من متابعة دراسته الجامعية في الجامعات التركية. أما الطالب التركي في بعض الكليات المهتمة بتدريس اللغة العربية سواء كمادة أساسية أو كلغة ثانية، فهو ينظر إليها كمادة مهنية يحتاجها في أمور معينة وليس بمهارات اللغة المعروفة وهي الاستماع والكتابة والقراءة والمحادثة، لذلك نجد الطالب التركي لا يضع كل اهتمامه في استيعاب اللغة بشكل جيد، ويهتم بعنصر أو عنصرين من مهارات اللغة فقط، فمثلاً نجده يهتم بالقراءة ولا يهتم بالاستماع أو المحادثة ظناً منه أنه لن يحتاجهما في حياته العملية، وأحياناً تكون الكلية تحمل وجهة النظر نفسها، وهذا بالتأكيد خطأ كبير يقع فيه الطلاب الأتراك ومع الأسف فهم لا يكتشفون هذا الأمر إلا بعد دخولهم سوق العمل.هذا بالإضافة إلى طبيعة مناهج التدريس المتبعة في الجامعات والتي تلعب دوراً في تصعيب الأمر على الطالب وضياعه في التقدم في اللغة، فنجد الطالب لا ينظر إلى اللغة العربية كلغة تواصلية وإنما يعتقد أنه إذا ركّز على القواعد وتشكيل الكلمات والإعراب فإنه سينجح في ممارسة اللغة، لكن الحقيقة أن هذا الأمر خاطئ والأساتذة يلعبون دوراً في هذا الأمر من خلال تركيزهم على القواعد والإعراب وتصحيح أخطاء الطالب أثناء القراءة فيظن الطالب أنه يتوجب عليه القراءة بشكل صحيح أكثر من أن يفهم مضمون ما يقرأه، برأيي يجب أن نجعل الطالب يحب اللغة أولاً، وأن يفكر بأن اللغة للتواصل وليست للتعلم فقط، فالاستمتاع باللغة وكذلك العمل مستقبلاً، سيأتيان من خلال التواصل، وعليه فإنه يجب في المراحل الأولى من تعليم اللغة العربية أن نجعل الطالب يستمتع باللغة ويحبها من خلال التواصل فقط ثم ننتقل إلى مرحلة التركيز على القواعد التفصيلية، فالنحو في أيّ لغة كالملح في الطعام، الطلاب الأتراك يظنون أن القواعد هي الشيء الأساسي ولكن الحقيقة أن القدرة على التواصل حتى بكمية أقل من القواعد أو بأخطاء قواعدية أفضل من أن تكون ملماً بالقواعد وغير قادر على الفهم أو الحوار بهذه اللغة. [الجديد: في رأيك أيهما الأسرع انتشارًا اللغة التركية أم اللُّغة العربيّة؟ وما هي عوامل الانتشار؟ في المقابل ما هي أسباب عدم الذيوع؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: وزارة الثقافة التركية تقدم دعماً للدور التي تترجم وتنشر الأعمال الأدبية التركية الكلاسيكية والمعاصرة، فما بين 2005 و2021 تمت ترجمة 2750 عملا إلى 60 لغة ضمن هذا المشروع في 85 بلدا، حيث بلغ عدد الكتب المترجمة إلى العربية 402 ضمن هذا المشروع، كما دعمت وزارة الشباب والرياضة بعض أعمال الترجمة من التركية إلى العربية وتواجدتُ في هذا المشروع لمراجعة الترجمة لخمسة كتب، كما تتم عملية الترجمة خارج إطار الدعم الحكومي في دور النشر المختلفة. سابقاً لم يكن هناك اهتمام كبير بترجمة الأدب العربي إلى اللغة التركية كما إلى اللغات الأوروبية والإنجليزية أيضاً، والسبب يعود إلى عدم اهتمام دور النشر بهذا الأمر وبالتالي عدم اهتمام الناس أيضاً بالاطلاع على الثقافة العربية من خلال الأدب، لكن هذا الأمر بدأ يتلاشى في السنوات الأخيرة حيث توسع الاهتمام باللغة العربية بشكل خاص في تركيا وبالتالي بالأدب العربي ما أثر على حركة الترجمة من العربية إلى التركية وتطور الأمر فأصبحت هناك لقاءات تباع فيها حقوق التأليف، ففي إسطنبول كل عام تقام مثل هذه اللقاءات وتباع فيها حقوق النشر والتأليف والترجمة لكتب عربية، وهذا يدل على اهتمام الدولة التركية بهذا الأمر والعمل على تطويره والذي جعل دور النشر أيضاً تهتم وتتسابق للترجمة من العربية إلى التركية والعكس من التركية إلى العربية، وفي معارض الكتب أيضاً نجد تواصلا بين الدور من أجل الترجمة. [ الجديد: ترجمت لأسماء عربيّة من بيئات مُختلفة مثل السُّودان (أمير تاج السر) والأردن وفلسطين (إبراهيم نصرالله) ولبنان (هدى بركات) والجزائر (أحلام مستغانمي) وهي بيئات عربيّة لها محكياتها الخاصة، أولاً ما الهمّ المشترك بين هذه البيئات والتي حملتها مضامين الروايات عبر شخصياتها؟ وثانيا: ألم تجد صعوبة في هذا التعدد اللغوي، أقصد اللهجات العامية داخل النصوص؟ وكيف تغلبت على هذا؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: كانت تجربتي في ترجمة روايات مختلفة لكتاب مختلفين من عدة دول عربية ناجحة ومفيدة، ولم أجد صعوبة كبيرة في التعدد اللغوي بينها كونها في أغلبها بالفصحى باستثناء رواية “حارث المياه” للكاتبة هدى بركات، فقد كانت تحتوي على كلمات من الكردية ما جعلني أتعاون مع أكاديمي كردي الأصل، ولديه دراسات أكاديمية بخصوص اللغة الكردية لشرح هذه المفردات لي، كما تواصلت مع الكاتبة هدى بركات وتشاورت معها بخصوصها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى رواية “ذاكرة الجسد” للكاتبة أحلام مستغانمي كانت تحتوي على مفردات من اللهجة الجزائرية فاستعنت أيضاً بالدكتور جمال سَعادنَة من الجزائر وهو رئيس قسم اللغة العربية والأدب العربي في جامعة باتنة الأولى، وتشاورت معه في معاني المفردات المذكورة. وإن كنتُ سأجيب على تساؤلك بخصوص الهمّ المشترك بين هذه البيئات والتي لاحظتها سواء بشكل واضح المعالم أو بين السطور أو ربما ما وراء الكلام كان يدور في إطار الظروف التي تعيشها هذه الدول من الحروب القائمة حالياً كما هو الحال في رواية “حارث المياه” للكاتبة هدى بركات التي تتحدث عن الحرب اللبنانية، وكذلك المجموعة القصصية “نكات للمسلحين” للكاتب مازن معروف التي كانت تدور حول الحرب اللبنانية أيضاَ، أو عن آثار الحروب التي ضربت في تاريخ ومجتمع البلاد التي حلّت بها كرواية “ذاكرة الجسد” للكاتبة أحلام مستغانمي والتي لا تكاد تمر فيها صفحة لا يذكر فيها شيء عن بقايا ومخلفات الحرب الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وكذلك في روايات الكاتب أمير تاج السر التي يسلط فيها الضوء في الكثير من الأحيان على الأوضاع الداخلية غير المستقرة في السودان.[ الجديد: ألم تلاحظ معي أن معظم هذه الأعمال التي ترجمتها، أولاً تنتمي إلى نوع معين هو الرواية، فلم أجد في مشروعك أيّ نص شعري؟ هل هو انسياق للمقولة الشائعة بأن هذا العصر هو زمن الرواية؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: بالنسبة إلى اللغة العربية فأنا أجد متعة قراءة الشعر في لغته الأصلية فالترجمة ليست شعراً بالنهاية، وهناك آراء عن استحالة ترجمة الشعر كما قال الجاحظ في “كتاب الحيوان”، “وفضيلة الشعر مقصورة على العرب، وعلى من تكلّم بلسان العرب، والشعر لا يستطاع أن يترجم، ولا يجوز عليه النقل، ومتى حوّل تقطّع نظمه وبطل وزنه وذهب حسنه وسقط موضع التعجب لا كالكلام المنثور”. وكما يقول دانتي الإيطالي “لا يمكن نقل أيّ شيء تم سبكه شعرياً إلى لغة أخرى دون أن تفسد جماليته وانسجامه”، ويقول أيضًا “يضيع اللمعان الشعري الموجود في النص الأصلي الذاتي في الترجمة”، وهناك آخرون من الأدباء يتفقون مع وجهة النظر هذه، وبالمقابل نجد فئة من الأدباء والمفكرين يقفون ضدّ هذه النظرية كأمثال لامارتين حيث يقول إنه “يستمتع أكثر بقراءة الشعر المترجم لشاعر أجنبي أكثر من النص الأصلي”، ويقول بيراولت “إن تقييم عمل أحد الكُتاب ممكن من خلال ترجمة كتبه وليس من خلال النص الأصلي”. وحسب ما أراه تجاه ترجمة الشعر فأنا لست ضد ذلك أبداً خاصة في ترجمة الشعر الحر أكثر من الشعر العمودي ولكن أي كتاب يترجم ينتظر تبنّي دار نشر له لتقوم بطباعته ونشره وتسويقه، والمشكلة تكمن أن دور النشر غير مهتمة بترجمة الشعر لعدم وجود قارئ للشعر المترجم غالباً ودور النشر في النهاية تتبع ذوق القارئ ورغبته، وهذا الذي يؤثر على حركة ترجمة الشعر ويقف دونها، وأنا شخصياً أجد المتعة بقراءة النص الشعري بلغته العربية. أما في ما يخص موضوع الجوائز فلقد ترجمت رواية “زايا” للكاتبة السعودية ريم الصقر وكان قبولي لترجمة هذا العمل لا يقف على شهرة الكاتبة أو القيمة الأدبية للرواية أو جوائز حصلت عليها، أنا فقط أحببت أن أمثّل صوت كاتبة سعودية غير معروفة في العالم التركي، حتى أنني والدار الناشرة لم نتمكن من الحصول على سيرة ذاتية للكاتبة رغم بحثنا الحثيث قبل طباعة الرواية المترجمة، وبعض القراء كان لهم فعلاً فضول لمعرفة شخصية هذه الكاتبة، لكن الأمر بقي هكذا. عملية اختيار الروايات التي أترجمها هي عملية معقدة بعض الشيء، فبعض الروايات قمت أنا شخصياً بعرض فكرة ترجمتها على بعض الدور وبعضها الآخر الدور هي من قامت بعرضها عليّ، ونحن نختار بناء على دراسة مجموعة من الروايات بشكل تفصيلي من كل الجوانب وأقوم شخصياً بتجهيز تقارير عن هذه الروايات لمناقشتها مع الدار واختيار الأنسب والأقوى للترجمة، والجدير بالذكر أن بعض دور النشر لا شك تضع نصب أعينها بعض الروايات التي حصلت على جوائز بغض النظر عن أعمال الكاتب أو الكاتبة الأخرى التي لم تحصل على جوائز، أما أنا شخصياً فالجائزة ليست معياراً لديّ، أنا دوماً أبحث عن جمالية النص وعمقه الفكري والثقافي والروائي والسردي وأن تكون الرواية تستحق فعلاً الترجمة. امرأة جميلة ووفية [ الجديد: في ترجماتك إلى أيُّهما تَميل من نظريات الترجمة: هل ترجمة الكلمات إلى كلمات، أم تقديم المعنى من خلال كلمات؟ وأيهما في رأيك هو الصّائب؟ مصطفى إسماعيل دونمز: أودّ أن أذكر هنا لمحة عن المترجمين الأتراك المشهورين مثل صباح الدين أيوب أوغلو والمترجمة مينا أورغان، فأثناء عملية الترجمة المشتركة بينهما كان صباح الدين يقول “لا تتركينني لأجعل شكسبيرك الحبيب أجمل”، ومينا تردّ “لا داعي لأن يكون أجمل” فيجيبها صباح الدين “الترجمة مثل امرأة؛ إما أن تكون غير وفيّة وجميلة أو تكون وفيّة وقبيحة”، وتقول مينا “هذه المرأة ستكون وفيّة وجميلة”، وبالتالي أنا أنظر إلى الترجمة الأدبية كفن جميل والمترجم يبدع فيه لذلك أحاول أن أنقل المعاني بدلاً من الكلمات للحفاظ على جمالية النص في اللغة المستهدفة كما قال فولتير “الأمور ليست بألفاظها بل بمقاصدها”. [الجديد: وبمناسبة المعنى، لقد لاحظتُ أنّ مُعظم عَناوين الأعمال التي قُمت بترجمتها التزمتَ فيها بالعنوان الأصليّ (العربي) للعمل، لكن في ترجمتكَ لرواية هدى بركات “حارث المياه” وهي رواية تدور عن الحرب الأهلية اللبنانيّة، وما سببته من آلام نفسيّة وبدنيّة كثيرة وصلتْ إلى شرخ الذات، غيّرتَ العنوان إلى “المنفَى المتوسطيّ” هكذا (AKDENİZ SÜRGÜNÜ) مَن أين استقيتَ فكرة المنفى؟ ولماذا وصفته بأنّه متوسطي؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: عموماً دور النشر تحتفظ بحق التصرف بالترجمة أثناء التدقيق والمراجعة والعنوان يعتبر جزءًا من هذا الأمر، فأنا أترجم العناوين ترجمة حرفية بالبداية ثم أتناقش مع دار النشر إن كانت هناك حاجة إلى التعديل أو لا وفق مفهوم المجتمع التركي، وفي عنوان ترجمة “حارث المياه” كانت فكرة الدار أن يتم تغيير عنوان الرواية إلى عنوان أكثر مناسبة للرواية وفق وجهة نظرها، وعنوان “المنفى المتوسطي” (AKDENİZ SÜRGÜNÜ) كان أساساً من ضمن العناوين التي كنتُ قد اقترحتها على الدار. وبعد موافقة الدار على هذا العنوان تواصلت الدار مع الكاتبة وتم أخذ موافقتها عليه أيضاً، واستوحيت فكرة العنوان من كون هذه القصة متوسطية جغرافياً أي في بلد متوسطي، وكون بطل القصة “نيقولا” وجد نفسه منفياً في مدينته المتوسطية ولا يستطيع الخروج من منفاه رغم كل محاولاته التي باءت بالفشل، وكأن بيروت أيضاً عبر التاريخ تشعرنا أنها بمنفى متوسطي فكتب عليها قدر محتوم بالدمار عبر التاريخ بعد كل ازدهار لا تستطيع الخروج منه. [ الجديد: بمناسبة ترجمة الأعمال الدرامية التركية إلى العربية، هل ترى أن الرقابة تتدخل في المعروض؟ وما رأيك في الصُّورة التي عكستها هذه الأعمال الدراميّة للواقع التركي؟ هل هي إيجابية أم سلبيّة؟ وأيهما يقدِّم الصُّورة الصّحيحة الأعمال الروائيّة أم الدراميّة؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: هذا الأمر يمكن أن يتبيّن بشكل واضح بعد إجراء دراسة على المسلسلات في صورتها الأصليّة وبعد الترجمة أو الدبلجة، لكن وفق الدراسة التي أجريتها في مؤتمر “الترجمة وإشكاليات المثاقفة” فبالتأكيد أن الرقابة تتدخل في المعروض وفق مقاييس الرقابة في كل دولة، فبعض الدول لديها رقابة أخلاقيّة شديدة أكثر من دول أخرى، وبعضها رقابتها سياسية أكثر، وبعضها رقابتها اجتماعية أكثر، فالموضوع نسبي. وبالنسبة إلى الأعمال التركية بشكل خاص وكونها تعرض في القنوات الفضائية العربية بشكل عام بعد ترجمتها ودبلجتها، فهي إذا تتعرض إلى رقابة تناسب المجتمع العربي بشكل عام وفق معايير وضوابط تضعها الجهة المنتجة للنسخة المترجمة بما يوافق إمكانية تسويق هذا العمل في كل الوطن العربي. [ الجديد: بماذا تفسر أن أورهان باموق وأليف شفق من أكثر الأسماء التركيّة متابعة، بل ملاحقة في الترجمة؟ أين القصور هنا، هل في حركة الترجمة؟ أم ثمة عوامل أخرى؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: تماماً كما لعب نجيب محفوظ دوراً في التعريف بالأدب العربي في دول العالم الأخرى بعد حصوله على جائزة نوبل، كذلك الأمر بالنسبة إلى أورهان باموق فبعد حصوله على جائزة نوبل لفت انتباه العالم إلى الأدب التركي المعاصر، فترجمت أعماله إلى الكثير من اللغات ومن بينها اللغة العربية، وبالتالي انتشر في العالم العربي وأصبحت أعماله مطلوبة هناك، وهذا أمر طبيعي ومنطقي كما هو الواقع مع عبدالرزاق جرنة الذي أيضاً حصل على جائزة نوبل عام 2021 وتم شراء حقوق النشر لأعماله كاملة من قبل دار نشر عربية.أما أليف شفق فهي كاتبة ولدت خارج تركيا وتقيم خارجها وبعض أعمالها كتبتها باللغة التركية والبعض الآخر كتبته بالإنجليزية، وهي كاتبة ذات عدة هويات وتنظر إلى تركيا من الخارج، وكونها تؤلف رواياتها باللغة الإنجليزية فهناك نقاد اعتبروا أنها لا تمثل الأدب التركي حتى وإن كانت تركية الأصل، ولكونها تعيش في الخارج وتكتب باللغة الإنجليزية هذا الأمر أعطاها فرصة أكبر لانتشار أعمالها وترجمتها في دول أخرى وبالتأكيد هي حصلت على جوائز للبعض من رواياتها واسمها بات مطلوباً في العالم العربي. [ الجديد: من ناحية أخرى: هل يمكن للمعارك التي يخوضها باموق وأليف دفاعًا عن القوميّة والهويّة التركيّة، أو الانتصار لقضايا المرأة كما في حالة شفق ودعم النسويّة بصفة عامّة، أن تكون سببًا في هذه الشهرة عند العرب؟ أم فعلا هما يستحقان هذه الشهرة؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: أسلوب أورهان باموق في الكتابة ودراسته للمجتمع التركي القديم والحديث محبوب لدى الأتراك والأجانب، أليف شفق أيضاً لديها أسلوبها في الكتابة والتعبير والدفاع عن القضايا التي تؤمن بها لكن ليس بنفس قوة أورهان باموق، فلديها أعمال ناجحة وأعمال غير ناجحة، أما بخصوص دفاعها عن قضايا المرأة في رواياتها قد تلعب دوراً لدى القراء بشكل أو بآخر. [الجديد: أنا بصفتي متابعًا لكتابات كليهما أستطيع أن أقول لك إن القارئ العربي من الممكن أن يتعرف على تركيا الحديثة والقديمة وتطورات الحياة الاجتماعيّة في تركيا العثمانية والحديثة من خلال قراءة أعمالهما (على نحو مواز لمن يقرأ نجيب محفوظ أو عبدالرحمن منيف) سواء اتفقنا في ما يطرحانه من موضوعات إشكاليّة داخل النص متعلّقة بالأرمن أو غيرها من الموضوعات؟ هل تعطني مثالاً على كاتب استطاع أن يقدِّم مقتطعات من الحياة السياسيّة والاجتماعيّة في تركيا غيرهما؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: ممكن أن نذكر بعض أسماء الكتاب الذين درسوا أحداثا سياسية في رواياتهم مثل أورهان كمال وكمال طاهر ويشار كمال وفقير بايبورد ووداد تورك علي ومليح جودت أنداي وأتيلا إلهان. [الجديد: من الأسماء التي ترشحها للمترجم العربي لترجمة أعمالها عن التركية؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: هناك أعمال فكرية وأدبية تستحق الترجمة، وهناك حاجة إلى ترجمة كتب تاريخية عن التاريخ العثماني القديم والتاريخ الحديث نظراً إلى تشوه الصورة الحاصلة في نقل التاريخ العثماني خصوصاً إلى العالم العربي والذي هو بالنهاية يعتبر جزءا من تاريخه هو، ومن الأمثلة التي من الممكن أن أرشحها للمترجم العربي مؤلفات جميل مريج وفريد إيدغو وفاروق دومان وأيفر تونج وسليم إيليري وإحسان أوكتاي أنر وغيرهم. [الجديد: في رأيك ما مدى استقبال الأدب العربي لدى المثقف التركي؟ وما الذي يلفت انتباه المثقف التركي تحديدًا؟ وهل أنت راضٍ عن بعض الترجمات لأعمال عربية ليست بالمستوى؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: لا يمكن أن نقول إن المثقف التركي يعرف الأدب العربي بشكل جيد، لكن من الممكن في الآونة الأخيرة ازداد الاهتمام بسبب زيادة الترجمات من الأدب العربي إلى اللغة التركية ونشوء فضول لدى القراء للأدب العربي. كانت تترجم الأعمال الأدبية العربية من اللغة الإنجليزية عموماً إلى اللغة التركية وهذه كانت إحدى المشاكل الموجودة، لكن في الفترة الأخيرة ازدادت الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة التركية بشكل مباشر دون لغة وسيطة، ومن الممكن أن نقول إن الدور تختار عموماً الأعمال التي حصلت على جوائز أو بجهود الكاتب نفسه الذي يحاول أن يكون معروفاً لدى القراء الأتراك من خلال طلبه لترجمة أعماله. بالنسبة إلى موضوع وجود ترجمة لبعض الأعمال العربية التي ليست بالمستوى فدور النشر تقوم باختيار الأعمال التي حصلت على الجوائز وإذا لم تكن هذه الأعمال بالأصل مترجمة إلى الإنجليزية فلن تكون قادرة على معرفة مضمونها لذلك نجدها تقوم بترجمتها دون دراسة مسبقة فقط لأنها حصلت على الجائزة وهذا الأمر يؤدي إلى بقاء الأعمال التي تستحق فعلاً الترجمة في زاوية مظلمة. [الجديد: في اتصال هاتفي سابق جرى بيننا تحدثنا عن الأعمال الفائزة بالجوائز (العالمية والعربية)، وأعتقد أننا وصلنا إلى قناعة مشتركة بأنها ليست الأجود على الإطلاق، في رأيك كيف تُفسِّر مثلا ترجمة عبدالرزاق قرنح الفائز بنوبل 2021، في تركيا، في حين أنه كان مجهولاً عند العرب الذين ينتمي إليهم؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: عندما تم الإعلان عن فوزه بجائزة نوبل كانت قد تُرجمت له سابقاً خمس روايات إلى اللغة التركية، كما أنه كان يعيش في بريطانيا وألف مؤلفاته باللغة الإنجليزية وكونه قد تمت ترجمة خمس روايات له قبل حصوله على الجائزة فهذا يعتبر اهتماما ونجاحا للدور التركية التي اهتمت بأعماله. فعدم انتشاره في العالم العربي قد يكون السبب كونه يعيش في بريطانيا منذ زمن طويل ومؤلفاته كلها كانت باللغة الإنجليزية وكان لا بد لدار نشر عربية أو مترجم عربي أن يطّلع ويسعى لترجمة أعماله وهذا ما كانت الدور التركية سباقة فيه. على الرغم من كون طبيعة قصصه تتحدث عن الإسلاموفوبيا وتطبيق قصة زليخة ويوسف على شمال أفريقيا فهي تناسب في الحقيقة القراءة في العالم العربي. [الجديد: ذكرت لي أن التقارير التي أعدتها إحدى دور النشر بخصوص ترجمة عمليْن عربييْن (ليس مهمًا ذكر الأسماء، فما يهمنا هو المعايير ليس إلا) وكانا قد توجا بجوائز ذات قيمة عالمية، كانت سلبية تمامًا، إذن ما هي معايير الفوز في ظنك؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: أصلاً الدور تفضل عموماً ترجمة الروايات التي حصلت على جوائز لكن أحياناً بعد ترجمة العمل ونشره في الساحة فإن القراء والناقدين يرون أنه عمل لا يستحق الترجمة، فالدور يجب أن تهتم باختيار الأعمال بشكل دقيق أكثر وليس فقط بالنظر إلى الجوائز التي حصلت عليها الرواية. [الجديد: ما الشيء الذي اكتسبته كمترجم من تنوّع الجغرافيات الذي يتبعه تنوُّع في الثقافات في الأعمال التي قمت بترجمتها؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: بالتأكيد اكتسبت خبرة كبيرة من تنوع الأعمال التي ترجمتها وخاصة أنها تنتمي إلى العديد من الكتاب والعديد من الثقافات الأمر الذي فتح لي أبواب التعرف على الثقافة العربية والعالم العربي من عدة أوجه باختلاف الثقافات وتشابهها، وأتمنى أن أستمر بترجمة أعمال لكتاب عرب من ثقافات عربية أخرى لم أترجم لها بعد، الترجمة كانت كالمرآة التي عكست لي الواقع العربي بمختلف ألوانه. [ الجديد: في النهاية ما العمل الذي تعكف عليه الآن؟ ● مصطفى إسماعيل دونمز: حالياً أنا بصدد ترجمة رواية “زمن الخيول البيضاء” للكاتب إبراهيم نصرالله، وأيضاً ترجمة “مذكراتي في سجن النساء” لنوال السعداوي، وهناك ثلاثة كتب قمتُ بمراجعة ترجمتها من التركية إلى العربية وستنشر قريباً، كما أقوم بدراسة ثلاث روايات وتجهيز تقرير حول إمكانية ترجمتها من العربية إلى التركية لدور النشر والتي قد تكون مشروعاً قادماً بإذن الله. ينشر بالاتفاق مع مجلة "الجديد" الثقافية اللندنية

مشاركة :