يتشكل التصور لدى الأطفال ويرسخ في الذاكرة من الفعل ورد الفعل، ووفقاً لتجسيد رغبة الوالدين في صلاح ونجاح ابنائهم، ومن منطلق حرصهم ومحبتهم لهم وخوفهم عليهم وهذا شعور فطري، النزعة العدائية لاتولد مع الإنسان بقدر ما تنمو وتتضخم طبقاً للوسائل الداعمة لها بهذا الخصوص اي انها اكتساب وفق البيئة المحيطة، وقد يتم ذلك بإيعاز من الأب او الأم وعن غير قصد بالتأكيد لرغبتهم كذلك بأن يكون ابنهم او ابنتهم اقوياء، غير ان تفسير القوة بتمجيد ضرب ابن الحي وطرحه ارضاً يسهم في تعزيز العنف والعنف المضاد، العنف ايا كان نوعه مرفوض تماما لأنه يخالف الفطرة السوية والمنطق السليم بهذا الصدد، في حين تحدث في بعض الأحيان وبكل اسف ممارسات تغذي ركيزة العنف بالإشادة والتباهي به وبالتالي فإن ذلك لن يلبث ان يجلب المشاكل المتتالية، لأن من يشيد في استمرار الظلم ولا يبرح متشدقاً بقوله لطفله "بعدي ذيب" “سنايدي“ وغيرها من عبارات التأجيج لاعتدائه على الآخرين فلا تستغرب ان يستمرئ الولد هذا السلوك العدائي لتجد ذئباً يمشي في الشارع وليس إنساناً سويا عاقلاً، في اتكاء بائس على إشادات خرقاء لن تبرح ان تجر عليه وعلى اسرته المصائب تلو المصائب حينما يكبر، ومن حين لحين في قسم الشرطة ليخلص ابنه من حقوق الناس، فيما كان الأجدر به انقاذ ابنه او ابنته في بداية الأمر، فلو مارس نبذ القسوة والعنف وتمرير العدل والإنصاف والتسامح من البداية ومن واقع التربية الصحيحة والتنشئة السليمة ومخافة الله قبل كل شيء لما وقع في المشاكل، فضلاً عن الاضرار التي قد تلحق بفلذة كبده لأنه اذا استمرأ هذا السلوك قد يقع في قبضة ذئب اخر اشد منه بأساً، التربية والتعليم وانتشارهما حدا كثيراً من هذه التجاوزات وصححا كثيراً من المفاهيم الخاطئة، إلا أن النبرة الذئبية لا تزال تلقي بظلالها الكئيبة لتفرز لنا ذئاباً صغاراً في عنهجية تصقلها القسوة والشراسة، ومفضيا ذلك الى نشوء نزعة عدائية لا تستجيب للمنطق بقدر ما تكون الاصفاد وبكل اسف نهاية حزينة لمسلسل درامي اخرجه وانتجه الأب او الأم عن حسن نية وسوء تقدير، وبطولة الذئب الذي دفع ثمناً لم يكن بحال من الأحوال سوى استحقاق لسوء التربية، الأب في هذه الحالة يتحمل الجزء الأكبر لأنه هو من ساهم في صياغة هذا النموذج غير المشرف ولأن الوضع سيكون اشد وطأة، حينما يتجاوز نطاق ابن الحارة الى المجتمع برمته، وفي السياق ذاته فإن هناك وبكل أسف أمثالاً تحرض على السلوك غير السوي وتجهز على القيم، على سبيل ذلك المثل القائل "جلد مهوب جلدك جره على الشوك" يا ساتر إذا كان ديننا الحنيف يحثنا على الرفق بالحيوان وعدم إيذائه واماطة الأذي عن الطريق صدقة، فهل تبلغ الصفاقة وقلة الأدب بجر الجلد على الشوك لمجرد انه غير جلدك، وان كان من أطلق هذا المثل هو من يستحق الجلد لكي يعلم ان من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة وان كان قطعاً من فصيلة الذئاب تلك، الطفل او الطفلة كالأرض الخصبة تزرع فيها ما تزرع وستؤتي أكلها، فإذا ارتسخت نبرة القسوة وغرست بذور العنف منذ الصغر فمن الصعوبة بمكان احتواء هذا الحصاد إلا بقصه، ولا يلبث أن تنبت له أغصان جديدة وهكذا دواليك لأن الجذور التي تنبت هذا الحصاد لم تقتلع حيث انها راسخة في العمق، فيما كان الأجدر هو عدم إتاحة الفرصة لهذه الجذور أن تنبت اصلا ولأن اقتلاعها امر تشوبه الصعوبة إلى حد ما، إذ إن محور الارتكاز في هذه الإفرازات غير السارة بطبيعة الحال هو الطفل، فهو الأرض الخصبة وأنت المزارع فإن شئت زرعت الرفق والرحمة والتسامح لتجد ما تتمنى، بل لتؤدي الأمانة الملقاة على عاتقك على أكمل وجه، وإن شئت زرعت البغض والكراهية والحقد والعنف وهو كذلك لأن الحصاد سيكون مراً علقماً، ولن تلبث أن تكتوي بناره فضلاً عن الإخلال بالأمانة الملقاة على عاتقك بهذا الصدد، قال الشاعر: ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ العبارات القاسية والأمثال الضارة يجب استبعادها من المشهد او بالأحرى الأذهان واستبدالها بعبارات الرفق والتسامح وحسن الخلق وقبول التنوع، وكذلك اهمية تنقيح التراث فما كل موروث يوافق الصواب، خلاصة القول ان تجفيف منابع العنف واستبدال القسوة بالسماحة والرفق واللين من شأنه بلا ريب تكريس التواد والتراحم والتعاطف وهذه الصفات حث عليها ديننا الكريم، اذ ان المسؤولية مشتركة بهذا الصدد بين الإعلام والمدرسة والمنزل، ويتم تحقيق هذا الهدف بالتعاون والتكاتف وتظافر الجهود ومواجهة التحديات لاسيما ما يقذفه الفضاء من مواد مخلة لاتخلوا من مظاهر العنف والقسوة، ويجب ان لا ننسى بأن هؤلاء الصغار أمانة في أعناقنا وان نزرع في عقول الأطفال ما يطيب حصاده وبالله التوفيق. حمد عبدالرحمن المانع
مشاركة :