الدواء الفائض عن الحاجة

  • 6/3/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تخيل وأنت في إحدى الصيدليات العامة، في انتظر دورك لصرف الدواء الذي جئت من أجله، وفجأة ودون أي مقدمات تذكر، وفي موقف إنساني وتصرف فردي، يدل على قدر من الإيثار، تفاجأ برجل أمامك مسن، بل طاعن في السن، (وفي تقديري أنه قد بلغ الثمانين من العمر أو جاوز ذلك)، يحاول جاهداً أن يهديك كيسا بلاستيكياً قد ملأه بأصناف متعددة من الأدوية وأنواع أخرى من العلاجات الزائدة عن حاجته حسب وصفه، حملها معه من منزله، طالباً منك أن تأخذها وتتبرع بها نيابة عنه على من تعرف ومن لا تعرف ممن هم في حاجة لها أو ممن يصعب عليهم الحصول عليها لقلة ذات اليد، عوضاً من الصيدلي الذي رفض وأعتذر بداية الأمر عن أخذها، وهو في حالة من الذهول لتصرف هذا العجوز، هذا الموقف وإن كنت أراه ظاهرة صحية بكل المقايس والأعراف، غير أن فيه من الغرابة ما يجعل المرء يصدم في بادئ الأمر، ذكرني هذا الموقف بموقف آخر لا يقل إنسانيةً وإيثاراً عنه، ففي إحدى المجموعات (قروب) الخاصة بتطبيق الواتساب يتواجد عضو نشط من ضمن باقي الأعضاء النشطين الذين يتفاعلون على الدوام مع كل ما يطرح في هذه المجموعة، حمل هذا العضو على عاتقه مبادرة شخصية وهي جمع الأدوية والعلاجات الفائضة عن حاجة واستخدام أعضاء المجموعة، ظل هذا العضو على سبيل التحفيز يلفت انتباهنا باستمرار كأعضاء، لاستغلال تلك الأدوية بدلاً من إلقائها في مرمى النفايات، حتى ينتفع بها مستفيدون آخرون، هم في أمس الحاجة إليها، هذا العضو (أبو محمد) لم يكل أو يمل وهو يبدي استعداده التام في التعامل مع هذه المهمة الإنسانية بشفافية عالية، إلى أن يتم إيصال الأدوية للمرضى المحتاجين لها أو إلى الأسر أصحاب العوز والحاجة، ممن لم تسعفهم ظروفهم الخاصة لشرائها، سيما أن بعض من هذه الأدوية باهظة الثمن، بالغة التكاليف مرتفعة القيمة، ضرورية الاستخدام.  علمت لاحقا، بأن هذه المبادرة ليست فردية التصرف، بل جماعية الأداء يشرف عليها أكثر من فرد، وقد كرسوا جزءا من وقتهم وجهدهم لوجه الله تعالى، لا لشيء آخر، فيهم الطبيب والصيدلي اللذان يعتنيان عناية بالغة بصلاحية الأدوية وسلامتها من أي عيوب قد تلحق بها، القائمون على هذه المبادرة يستحقون منا الشكر والتقدير بلا شك فلهم مني شخصياً وافر العرفان وعظيم الامتنان. بالمناسبة والشيء بالشيء يذكر، في سنوات ماضيات كانت هناك جهة ما، تقوم بهذا الدور بصورة منهجية من خلال صناديق زجاجية وضعت بالقرب من مخارج المراكز الصحية المتواجدة في الأحياء السكنية، وقد كتب عليها إن لم تخني الذاكرة (لجمع فائض الأدوية) لا أدري على وجه التحديد ما الجهة التي كانت تتبناها، وزارة الصحة أم جهة أخرى لها علاقة بهذا الشأن، جمعية خيرية مثلاً، على كلٍ فإن هذه الصناديق لم تعد متواجدة الآن، لقد اختفت ولا أعلم ما سبب اختفائها، مع أن وجودها كان له أهمية كبرى من عدة وجوه، فهي أولاً تحد من الهدر في المخزون الدوائي، وتساهم في سلامة البيئة إذا ما ألقيت تلك الأدوية في الشوارع وعلى قارعة الطرقات، وقبل ذلك كله وهو المهم فإن هذه الأدوية الفائضة لها استفادة كبيرة من خلال تدويرها وإعادة استخدامها لصالح المحتاجين لها.

مشاركة :