أثبتت الأحداث الاقتصادية الكبرى التي مرت على العالم منذ انهيار شركة أنرون مطلع هذا القرن، وتبعها انهيار المؤسسات المصرفية في نهاية العقد الأول، وما يحدث اليوم من تراجع في الأسواق المالية، أن تدفق المعلومات الصحيحة، وغير المضللة هو الركن الأساس، لكن ضمان صحة ودقة وشفافية هذه المعلومات مرتبط بسلامة نظم الحوكمة في الشركات، وكلما تراخت الشركات في تطبيق الحوكمة كانت عرضة للإفلاس والتعثر. وعلى هذا الصعيد جاء بيان وزارة التجارة تعزيزا لمبادئ الحوكمة والشفافية في عموم الشركات العاملة في المملكة، وهذا الاهتمام من الوزارة بحوكمة الشركات ليس جديدا، فالوزارة كانت قد أنشأت إدارة عامة للحوكمة والتزام الشركات، ويهدف هذا التوجه إلى التأكد من مدى التزام الشركات بالأنظمة واللوائح ذات الصلة. ولأن الشركات تعمل تحت إشراف جهتين مستقلتين هما وزارة التجارة بالنسبة إلى الشركات غير المدرجة في السوق المالية، وهيئة السوق المالية بالنسبة إلى الشركات المدرجة في السوق، فقد أصدرت وزارة التجارة لائحة لحوكمة الشركات غير المدرجة في السوق المالية، عرفت فيها حوكمة الشركات بأنها قواعد ومعايير لقيادة الشركة وتوجيهها، تشتمل على إجراءات لتنظيم العلاقة بين مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين والمساهمين وأصحاب المصالح، وتسهيل عملية اتخاذ القرار، وإضفاء طابع الشفافية والمصداقية عليها، بغرض حماية حقوق المساهمين، وأصحاب المصالح، وتحقيق العدالة والتنافسية والشفافية في بيئة الأعمال. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الفرق بين هذه اللائحة التي أصدرتها وزارة التجارة، وتلك التي أصدرتها هيئة السوق المالية، يكمن في مدى الإلزام بما فيها من معايير، حيث إن قواعد الحوكمة ملزمة للشركات المساهمة المدرجة، لكنها استرشادية للشركات المساهمة غير المدرجة باستثناء الأحكام التي ينص نظام أو لائحة أخرى على أنها إلزامية. وتضمنت لائحة الحوكمة في وزارة التجارة ثمانية عناصر رئيسة، ومنها حقوق المساهمين، مجلس الإدارة، لجان المجلس، الرقابة الداخلية، مراجع الحسابات، أصحاب المصلحة، المعايير المهنية والأخلاقية، والإفصاح والشفافية، فيما تضمن نظام الشركات عددا من هذه العناصر، ومن ذلك المادة (26) التي نصت على أن للشريك غير المدير أو من يفوضه، الحق في أن يطلع في مركز الشركة على سير أعمالها، ويفحص دفاترها ومستنداتها ويوجه النصح لمديرها، وكل اتفاق على غير ذلك يعد باطلا. لذلك، فأي نص في أي شركة يمنع الشريك من معرفة وضع الشركة يعد باطلا، ولهذا أكد بيان وزارة التجارة ضرورة الالتزام بنظام الشركات وعدم الإخلال بواجباتها تجاه الشركاء والمساهمين ونشر قوائمها المالية، إضافة إلى تمكين المساهمين والشركاء من الاطلاع على الوثائق اللازمة. هذا معنى حقوق المساهمين الذي نصت عليه قواعد الحوكمة، في المادة (4) حيث ألزمت مجلس الإدارة بالعمل على حماية حقوق المساهمين بما يضمن العدالة والمساواة بينهم وبين الشركة في سياساتها الداخلية والإجراءات اللازمة لضمان ممارسة جميع المساهمين لحقوقهم. وبينما لم ينص نظام الشركات بوضوح على أدوات الإفصاح في الشركات غير المساهمة، فقد بينت المادتان (5 و6) من اللائحة وبالتفصيل ما يجب على مجلس الإدارة توفيره من معلومات وأن تكون كاملة وصحيحة وغير مضللة لتمكين المساهمين من ممارسة حقوقهم على أكمل وجه، وتضمن عدم التمييز بينهم في توفير المعلومات، وهذه المعلومات إذا قدمت في الوقت والوسيلة المناسبة ستعزز قدرة المساهمين على اتخاذ قرارات رشيدة بشأن توزيع الموارد والاستثمار، ومساءلة الإدارة، وهو ما يدعم البيئة الاستثمارية المحفزة والفاعلة والجاذبة، ويعزز نمو الاقتصاد المحلي. من المهم التأكيد أن نظام الشركات ولائحة الحوكمة يمثلان معا منظومة متكاملة لتعزيز مفاهيم الرقابة في الشركات، فقد نصت المادة (104) بشكل مجمل على دور لجنة المراجعة، وكفاية نظام الرقابة الداخلية، بينما جاءت لائحة الحوكمة بتفصيل هذا المجمل، حيث ألزمت مجلس الإدارة باعتماد نظام رقابة داخلية للشركة وإدارة المخاطر واتباع معايير واضحة للمسؤولية في جميع المستويات التنفيذية في الشركة، وتعاملات الأطراف ذات العلاقة، وتتولى إدارة المراجعة الداخلية تقييم نظام الرقابة الداخلية والتحقق من مدى التزام الشركة وعامليها بالأنظمة واللوائح والتعليمات السارية وسياسات الشركة وإجراءاتها. وتأتي العلاقة مع أصحاب المصالح من أهم قضايا الحوكمة التي يفشل كثير من الشركات في إدارتها، وقد أولتها لائحة الحوكمة رعاية كافية في نصوصها، ومن ذلك كيفية تسوية الشكاوى أو الخلافات التي قد تنشأ بين الشركة وأصحاب المصالح، وبناء علاقات جيدة مع العملاء والموردين، والحفاظ على سرية المعلومات المتعلقة بهم، ويجب على مجلس الإدارة وضع إجراءات مراقبة تطبيق هذه القواعد والالتزام بها، ومن ذلك معاملة العاملين في الشركة وفقا لمبادئ العدالة والمساواة وعدم التمييز، وهو ما يعزز الجهود التي تبذلها وزارة الموارد البشرية فيما لو تم الالتزام بهذه القواعد. كما يعزز ذلك جهود الدولة في تنمية الشراكة مع القطاع الخاص، نظرا إلى أن الجهات الحكومية تعد اليوم من أهم أصحاب المصلحة المؤثرين. تحقيق التوازن بين حقوق أصحاب المصلحة وحقوق المساهمين يأتي من خلال ضمان عدم وجود أي بيانات كاذبة أو مضللة في التقارير أو القوائم المالية، وهنا يأتي دور المراجع الخارجي كأحد العناصر الأساسية التي أكدها نظام الشركات، وكذلك قواعد الحوكمة، فمهنة المراجعة الخارجية تعد حجر الزاوية في بنية الحوكمة، وهذا يتطلب من المراجعين القيام بواجباتهم بدقة واستقلالية، ومهنية عالية.
مشاركة :