يشكل قرار رفع الدعم عن المواد الأساسية في تونس، والذي يعد من أبرز مطالب المانحين الدوليين وخاصة صندوق النقد الدولي لتنفيذ برنامج إصلاح، خطوة موجعة لخلق توازنات مالية في البلاد، وسط رفض شعبي كبير للإجراء في ظلّ تراجع المقدرة الشرائية وتفاقم صعوبات الوضع المعيشي. وعبر 86 في المئة من التونسيين المستجوبين من قبل مؤسسة ”وان تو وان” للبحوث والاستطلاعات عن رفضهم لرفع الدعم عن المواد الأساسية حتى وإن أدى ذلك إلى تفاقم العجز، وفي الوقت ذاته صرح 59 في المئة بأنهم مع توجه تونس للاقتراض من الخارج في حين أن 29 في المئة دعوا إلى المزيد من فرض الضرائب، حسب تصريح مدير عام “وان تو وان” للبحوث والاستطلاعات يوسف المؤدب خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء الحادي والثلاثين من ماي 2022. وأكد المؤدب خلال مؤتمر صحافي أن نتائج استطلاع للرأي بعنوان “نظرة التونسيين للوضع الاقتصادي لبلادهم” بينت أن “61 في المئة من المستجوبين يؤكدون أن الوضع اليوم أسوأ بكثير من الـ12 شهرا السابقة وأن 44 في المئة يرون أن الوضع سيتحسن و31 في المئة يعتبرون أن الوضع سيكون أسوا بكثير”. عمار ضيّة: لو يرفع الدعم نهائيا سيكون خطوة لتجويع المجتمع التونسي وأضاف أن الـ31 في المئة متشائمون من الوضع الاقتصادي ويوجد أغلبهم في مناطق الجنوب والوسط الشرقي. وفي ما يتعلق بإجابات المستجوبين حول بقائهم دون الضروريات الحياتية ومنها الماء الصالح للشرب أو الغذاء أو الوقود أو الرعاية الطبية، صرّح 21 في المئة من التونسيين، أي خمسهم، أنهم ظلوا دون دخل و18 في المئة دائما وأغلب الوقت ظلوا دون رعاية صحية و20 في المئة حرموا في الكثير من المرات من الرعاية الصحية خلال عام مضى. وأفاد 47 في المئة من المستجوبين أن وضعهم المعيشي سيء أو سيء جدا بفارق 7 نقاط مقارنة بسنة 2020. وعبّرت المنظمات التي تعنى بالدفاع عن المستهلكين وقدرتهم الشرائية، عن رفضها لرفع الدعم، معتبرة أن المشكلة تتعلق أساسا بكيفية إسناد الدعم لمستحقيه، فضلا عن تقديم تصورات لرفع تدريجي للدعم تأخذ بعين الاعتبار الوضعيات الاجتماعية للمستهلكين. وقال رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك عمّار ضيّة “نحن واعون بمحدودية دخل بعض الفئات الاجتماعية، ونرفض رفع الدعم كليّا، لكننا نمتلك تصوّرا لهذه المشكلة يتمثل في طريقة معينة لإسناد الدعم لمستحقّيه”. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “المشكلة في إعادة النظر وتوزيع الدعم، وقدمنا دراسة مكتوبة فيها تصوّرنا الذي يراعي وضعيات العائلات التونسية، حيث أن هناك من يستحق رفع الدعم بنسبة 100 في المئة، وهناك من يستحق بنسبة 60 في المئة، وهناك من لا يستحق تماما، حتى نحقّق عدالة اجتماعية بين الفئات”. وأكّد ضيّة على “ضرورة القيام بدراسة اجتماعية في هذا الغرض، ويمكن الجلوس إلى طاولة الحوار وتحديد هذه المسائل، خصوصا في ظلّ وجود أكثر من 4 ملايين فقير يستحقون الدعم”، لافتا “لو يرفع الدعم نهائيا سيكون خطوة لتجويع المجتمع التونسي”. وأردف “هناك حلول أخرى، وفي الحدّ الأدنى الدعم لا يشمل كل الفئات، فضلا عن وجود خيارات أخرى، وأهمها مقاومة الفساد بجدية، وعندما تأخذ الدولة الضرائب من المتهربين، يمكن إصلاح المنظومة الاقتصادية”. وتؤكد تقارير محلية استنادا على بيانات المعهد الوطني للاستهلاك أن 80 في المئة من مخصصات الدعم لا تذهب إلى مستحقيها، وهذه النسبة المرتفعة تجعل فاعلية هذه المنظومة محدودة وتزيد من الشكوك حولها. نصرالدين النصيبي: الحكومة لا يمكنها رفع الدعم رغم شروط صندوق النقد الدولي والأسبوع الماضي، أكّد وزير التشغيل والتكوين المهني والمتحدث باسم الحكومة، نصرالدين النصيبي، أنّ “الحكومة لا يمكنها رفع الدعم رغم اشتراط صندوق النقد الدولي هذه النقطة”. وأشار النصيبي في تصريح لإذاعة محلية أنّ “كافة المؤسسات العمومية تواجه صعوبات كبيرة طيلة العشرية الفارطة وتحتاج إلى ضخ تمويلات لإنقاذها، فضلا عن توقّف قطاع الإنتاج بسبب الاحتجاجات والتعطيلات”، موضّحا أنّ “الحكومة قدّمت خطّة برنامجها لصندوق النقد الدولي وبإمكانها إرجاع الاقتصاد التونسي إلى سالف نشاطه”. وبيّن النصيبي أنّ “خبراء صندوق النقد الدولي أقرّوا بأنّ خطّة الحكومة التونسية جيّدة وقابلة للتطبيق إلاّ أنّهم اشترطوا التخفيض في كتلة الأجور ورفع الدعم وهذه المطالب لن توافق عليها الحكومة”. ويؤكّد خبراء الاقتصاد أن الحديث عن رفع الدعم لم يكن وليد اللحظة، كما أن طرح هذه المسألة الآن ليس مناسبا في ظل تراجع القيمة الشرائية للتونسيين، وارتفاع نسب الفقر والبطالة. وأفاد أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أن “مسألة رفع الدعم نتحدث عنها منذ سنة 2012 في تونس، فتلكأنا وأصبحت العملية صعبة جدا، لأن المنظومة الاقتصادية المتكاملة تقوم على رفع تدريجي للدعم”. وأضاف لـ”العرب” أنه “مع مرور الزمن، تراجعت المقدرة الشرائية للتونسيين، والطبقة المتوسطة اضمحلّت، ويلزمنا مبلغ مالي كبير جدا للتعويض للطبقة المستهدفة، ويفوق المستوى الموجود في ميزانية الدولة”. وتابع الشكندالي “منظومة الدعم في تونس أرساها الوزير السابق الهادي نويرة لأن نسبة البطالة كانت ضعيفة ويمكن تشغيل العاطلين في الاستثمارات التي كانت أيضا كلفتها ضعيفة، لكن الآن نسبة البطالة مرتفعة خصوصا من أصحاب الشهائد العليا، وهو ما يفرض تغيير المنوال برمته”، مشيرا إلى أن “الإصلاحات المتعلقة برفع الدعم، تستخدم عندما تكون المقدرة الشرائية عالية والأجور مرتفعة، وفكرة إصلاح منظومة الدعم ليست في وقتها الآن، في ظل زيادات بالجملة، على غرار الزيادة في أقساط القروض والزيادة في سعر استهلاك الكهرباء”. وقال “من حق المواطنين أن يرفضوا رفع منظومة الدعم في هذا التوقيت، وهناك مخاوف كبيرة من إمكانية تكرار السيناريو اللبناني في تونس، خصوصا في ظل عدم الاهتمام الكافي بالمنظومة الاقتصادية من قبل السلطة التنفيذية”. رضا الشكندالي: رفع الدعم يتم عندما تكون المقدرة الشرائية عالية والأجور مرتفعة وفي وقت سابق، أكد تقرير للمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية (ITCEQ) أنّ إصلاح منظومة الدعم يعتبر جزءا من سياق وطني يتسم بتشديد قيود الميزانية من ناحية والبحث عن كفاءة أكبر لنظام الدعم كوسيلة لمكافحة الفقر من ناحية أخرى. ولاحظ التقرير، أنه من الضروري أيضًا النظر في تأثير الإصلاح على الأداء الاقتصادي للبلاد، والذي يمثل شرطًا لا غنى عنه للقدرة على الحفاظ على المكاسب الاجتماعية المستهدفة على المدى الطويل، وبالإضافة إلى ضمان وصول الفئات الاجتماعية ذات الدخل المنخفض إلى المواد الغذائية الأساسية، يمكن أيضًا اعتبار الإعانات الغذائية وسيلة لخفض التكاليف في العديد من قطاعات الصناعات الغذائية أو حتى كدعم مباشر لأسعار المنتجين لاسيما في قطاع إنتاج القمح. وأكد المعهد على أن الاستهداف من خلال التوزيع المباشر للدخل على الفئات المحتاجة يمكن أن يؤدي إلى آثار تعويضية تتلاشى بمرور الوقت، ويصدق هذا بشكل خاص إذا استأنفت أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية مسارها التصاعدي واستمرت إلى الحد الذي يتيح إمكانية إجراء تنقيحات للتحويلات التعويضية. وأشار إلى أنه إذا لم يكن الوصول السهل والرخيص إلى الخدمات الأساسية متاحًا، فإن المراجعة التصاعدية للدعم ستكون حتمية، وبالتالي، توجد طريقة أخرى لاستمرار إصلاح الاستهداف وهي اختيار الاستهداف بالاستثمارات بدلاً من توزيع الدخل. ويتعلق ذلك بشكل أساسي بالاستثمارات الهادفة إلى تحسين جودة وكفاءة الخدمات العامة الأساسية مثل النقل العمومي والصحة والتعليم. وكشفت وزارة المالية عن تفاصيل خطة إصلاحية للسنوات الثلاث المقبلة تتمحور حول أربع أولويات عاجلة تتمثل في مراجعة فاتورة الأجور المرتفعة ونظام الدعم الحكومي وإعادة هيكلة القطاع العام والشركات المملوكة للدولة ونظام الضرائب. وبحسب وثيقة رسمية نشرتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية فإن الهدف من الخطة يتمثل في “التحكم بشكل مستعجل في التوازنات الكبرى ودفع النمو وإعداد الأرضية للانتعاش الاقتصادي”. واعتبرت الوثيقة أن إصلاح نظام الدعم لا يكون إلا عبر إعادة صياغة سياسات الدعم وآليات التعويض عبر المرور من دعم الأسعار إلى الدعم المباشر “مما يمكّن من توفير اعتمادات إضافية موجه للاستثمار العام”. واتجهت تونس إلى التقليص في دعم المحروقات، وقد انطلقت في التخفيض بمستوى حجم الدعم السنوي الموجه إلى المحروقات. وسيستهدف برنامج دعم الوقود بلوغ الأسعار الحقيقية بحلول العام 2026 مع اتخاذ إجراءات موازية لحماية الفئات الفقيرة وتطوير قطاع الطاقة عبر مواصلة تطبيق التعديل الآلي للأسعار بالنسبة إلى المشتقات النفطية. الحديث عن رفع الدعم لم يكن وليد اللحظة، كما أن طرح هذه المسألة الآن ليس مناسبا في ظل تراجع القيمة الشرائية للتونسيين، وارتفاع نسب الفقر والبطالة وتتضمن الخطوة رفعا تدريجيا لدعم الوقود بتعديل جزئي للأسعار في مرحلة أولى ثم رفع الدعم كليا مع تخصيص تحويلات مباشرة لفائدة المستحقين، إضافة إلى إرساء التعديل الآلي للأسعار بصفة دورية ومحددة حسب الاستهلاك بالنسبة إلى الكهرباء والغاز. أما بالنسبة إلى دعم السلع الأساسية فتقترح الخطة اعتماد نظام جديد يرتكز على دعم الأجور والتحويلات النقدية المباشرة للمستحقين وفق مسار يمتد إلى 2026. وخلال العشرية الأخيرة التهم بند الدعم نحو 1.24 مليار دولار في المتوسط منها 880 مليون دولار لدعم السلع الأساسية و220 مليون دولار لدعم النقل و150 مليون دولار لدعم الوقود من موازنة سنوية تتأرجح بين 12 و15 مليار دولار. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :