بكل هدوء واطمئنان يتنقل المهندس حسن مرعي في أرجاء مزرعة الأبقار التي يمتلكها في بلدة "عربصاليم" بجنوب لبنان بعدما نجح في تأمين حاجتها من التيار الكهربائي عبر تدوير مخلفات أبقاره من الروث. ويشعر مرعي بالسعادة بإنجاز هذا المشروع الحيوي الذي أنقذ مزرعته من الهلاك بعدما كادت أزمة الكهرباء وارتفاع أسعار مادة الديزل وفواتير المولدات تطيح بها لتحرمه من مورد رزقه الوحيد. وقال مرعي لوكالة أنباء ((شينخوا)) بينما كان يتفحص إحدى معدات توليد الطاقة الكهربائية، إن "كل شيء يسهل أمام إرادة الصمود والتحدي فتوجهت بعزم إلى كسر العوائق عبر مشروع محلي لإنتاج الكهرباء وغاز الميثان من مخلفات أبقاري للوصول إلى حل جذري لهذه الأزمة المستعصية". وأضاف أنه تمكن من خلال بحوث مكثفة وتجارب علمية وعدة محاولات، من الوصول إلى استخراج ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان من بقايا البقر عبر تقنية "بيوغاز". وأوضح أن "هذه التقنية تقوم على تجميع مخلفات الأبقار وتخمير المياه المنبعثة منها والتي تنتج غازا يجري تحويله إلى طاقة كهربائية، بحيث أمنت حاجتي للكهرباء وبوفر يقدر بنحو أربعة آلاف دولار أمريكي شهريا". وتعتمد عملية تحويل روث البقر إلى غاز بشكل أساسي على "حاضنات هاضمة" تضخ فيها مخلفات الأبقار الصلبة واليابسة على درجة حرارة بين 36 إلى 39 درجة مئوية للحفاظ على البكتيريا اللازمة لعملية التخمير، بحسب مرعي. وتتفاعل هذه العملية مع خلاط يتم تحريكه باستمرار لمدة 21 يوما لإنتاج الغاز الذي يصبح مستمرا بلا توقف ليشتق منه عدة أنواع: الميثان، ثاني أكسيد الكربون، النيتروجين وغاز الكبريت. وفي أعقاب ذلك يعمل فلتر خاص على فصل غاز الميثان عن باقي الغازات الضارة التي يتم تنقيتها، ومن ثم يوجه الميثان إلى المحول لإنتاج الكهرباء والحرارة التي تستخدم للهاضم. وأشار مرعي إلى أن الطن الواحد من رو ث الأبقار يولد 15 كيلووات من الكهرباء في الساعة، لافتا إلى أن ذلك ارتد إيجابا على عمل المزرعة عبر تخفيف كلفة أعباء منتجاتها والذي انعكس انخفاضا بأسعار الحليب ومشتقاته الأخرى لما فيها خدمة للمستهلك اللبناني. وأكد أن المزرعة باتت تحظى بتيار كهربائي على مدار الساعة يستخدم في الإنارة ومعدات حلب الأبقار التي تعمل على الطاقة الكهربائية إضافة لغلي الحليب وتحضير منتجاته من ألبان وأجبان إضافة لتسخين المياه والطهي. ورأى المهندس مرعي أن هذا التوجه المنخفض الكلفة يمكن أن يكون الحل الشامل لأزمة الكهرباء في لبنان بحيث يتيح لكل بلدة توليد الكهرباء الذاتية من مخلفات الحيوانات ومن النفايات البيتية المتراكمة في المكبات العشوائية التي تلوث البيئة وتهدد صحة المواطن. واعتبر أن من شأن مثل هذا المشروع تخفيض فاتورة الكهرباء والمساهمة في معالجة الأزمة المعيشية التي يتخبط ويرزح تحتها المواطن. وتابع "هذا المشروع صديق للبيئة من خلال تخفيف أثر الغازات الضارة المنبعثة من روث الأبقار عدا الروائح والحشرات والتخلص من النفايات المنتشرة في الطرقات". وقال إن ناتج الروث المخمر يصلح استعماله كسماد غني للمزروعات إذ أن كل كيلوجرام مجفف يمكن استخدامه كسماد عضوي، وهذا بحد ذاته عامل مشجع لتنفيذ مشاريع زراعية جديدة ودعم المزارع بحيث لا يضطر عندها لاستيراد سماد بالعملة الصعبة. وحسب وزارة الطاقة اللبنانية، فإن لبنان يحتاج إلى نحو 3200 ميجاوات لتأمين الكهرباء 24 ساعة في اليوم، إلا أنه يعجز عن تحقيق ذلك منذ عقود. وأمام هذا الوضع، يجري تقنين التيار في معظم المناطق اللبنانية ما بين الـ 19 إلى 22 ساعة في اليوم فيما اتجه كثير من المواطنين إلى الاشتراك بمولدات الطاقة الخاصة، حيث تبلغ تكلفة كيلووات واحد 13 ألف ليرة لبنانية. وزار العديد من أصحاب مزارع الأبقار بجنوب لبنان مزرعة المهندس حسن مرعي وجالوا في أرجاء المشروع الكهربائي واستمعوا إلى شرح عن مواصفاته وقدرته الانتاجية. وأشاد عمار جوني صاحب مزرعة أبقار بوادي الليطاني بهذا "الانجاز المهم"، وقال لـ ((شينخوا)) "سنعمل جاهدين لتزويد مزارعنا بمثل هذا المشروع والذي أدخل الاطمئنان لنفوسنا بأن مزارعنا باتت بأمان وأمامها مستقبل زاهر في ظل هذا الانجاز الذي سيمكننا من تجاوز أكبر عقبة تواجه هذا القطاع". من جهته قال رئيس "التعاونية الانمائية لتجمع مزارع الدجاج" شرق لبنان شامل الحمرا لـ ((شينخوا)) إن المطلوب هو تعميم هذا المشروع وبشكل واسع على كافة مزارع الحيوانات والطيور لما له من إيجابيات بيئية فضلا عن توفيره في النفقات وصولا إلى تخفيض أسعار منتجاتها بشكل عام ليستفيد منها المستهلك. ودعا مدير مكتب الزراعة بشرق جنوب لبنان إسماعيل أمين أصحاب المزارع للاقتداء بهذا التوجه والعمل على تزويد مزارعهم بهذه الطاقة البديلة، معتبرا أنها "أفضل الممكن" لتأمين التيار الكهربائي لمزارعهم بأقل كلفة ممكنة. ويعيش لبنان على وقع أزمات متشابكة أدت لانهيار عملته الوطنية وتجاوز معدل الفقر نسبة 82 % مع تفاقم البطالة والتضخم وتآكل المداخيل والمدخرات وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار مع نقص في الوقود والأدوية وحليب الأطفال.
مشاركة :