الشاعر الجاهلي أول من أسس البنية الدرامية مستندا على الفطرة

  • 6/8/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يكشف كتاب “النزعة الدرامية في المعلقات العشر” للباحث العماني أحمد بن سعيد الأزكي عن الحضور المكثف للدراما في عالم المعلقات العشر، إذ يمكن لمن يسبر أغوار تلك المعلقات استخلاص النزعة الدرامية من بين مفرداتها، بل إنها قد تصلح أن تكون نصوصا حوارية (سيناريوهات) مكتملة العناصر إلى حد ما. ويقارب الباحث في كتابه، الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، موضوع هذه النزعة في المعلقات، محاولا الإجابة عن أسئلة من قبيل: ما درجة حضور الدراما في المعلقات العشر؟ وهل اشتملت المعلقات على كل عناصر البناء الدرامي؟ وما المصادر التي استلهم منها شعراء المعلقات مشاهدهم الدرامية؟ وما درجة حضور تلك المشاهد في معلقاتهم وما آليات توظيفها؟ وما القصص والصور التي شكلت الأحداث الدرامية؟ وما تقنيات توظيف عناصر البناء الدرامي في المعلقات؟ وكيف تبدو الحبكة الدرامية فيها؟ وهل يمكن أن تشكل المعلقة رؤية بصرية للأحداث التي يعرضها الشاعر مع توظيف فكر المتلقي وخياله؟ وكيف تمكن الشعراء الجاهليون الوصول إلى ذلك البناء الدرامي؛ أكان ذلك بوعي منهم أم من دون وعي؟ يستكشف الكتاب عناصر الدراما في الشعر الجاهلي وأبعادها من خلال تحليل النصوص وسبر أغوارها وتفكيك القصص والصور وفي محاولته الإجابة على مثل هذه التساؤلات، يقف الأزكي في كتابه على الصور المشهدية التي وظف فيها الشاعر الجاهلي الكثير من عناصر البناء الدرامي، ويبين كيف كان الشاعر يبني تلك المشاهد مستفيدا من بيئته التي تمثل مسرح الأحداث والشخصيات التي تسهم في دفع الحدث نحو التصاعد حتى الوصول إلى الذروة، مستعملا في ذلك عددا من المكملات الدرامية، كالحيوان والسلاح والأطلال. وجاء منهج البحث في الكتاب وصفيا تحليليا، حيث يصف الباحث النزعة الدرامية في المعلقات، ويستكشف عناصرها وأبعادها من خلال تحليل النصوص وسبر أغوارها، كما يرصد مصادر الدراما وحضور القصص الدرامية والصور البصرية في المعلقات، ويحلل نصوصها من الاستهلال إلى الخاتمة، حتى يميط اللثام عن عناصر البناء الدرامي فيها من سرد، وشخصيات، وحوار درامي، ومكملات درامية، وصراع بنوعيه الداخلي والخارجي، وحبكة درامية ومكان وزمان واسترجاع. وكل ذلك بالإفادة من نظرية التلقي في تناول تلك النصوص وتأويل المواقف الدرامية وتفسيرها. وفي الفصل الأول “الدراما بين الفن والأدب” يقف الأزكي على مفهوم الدراما والعلاقة بينها وبين الأدب، مستعرضا عناصر البناء الدرامي، ومستنبطا مصادر الدراما في المعلقات. ليبين لاحقا “القصص الدرامية والصور البصرية في المعلقات”، متوقفا عند الاستهلال بين الدراما والشعر، ثم يستعرض الشخصيات الدرامية الرئيسة، ويتناول الحوار الدرامي وكيفية توظيفه في المعلقات، كما يتناول مكملات الشخصية الدرامية وتوظيفها، مثل الحيوان والأطلال والسلاح، وكيفية توظيف الشاعر لتلك المكملات الدرامية في معلقته. وجاء الفصل الثالث بعنوان “الصراع الدرامي”، وتناول فيه الأزكي الصراع الدرامي الداخلي، والصراع الدرامي الخارجي، والدراما الظاهرة والمخبوءة في المعلقات، والحبكة الدرامية والزمان والمكان، وموضوعة “الاسترجاع”. ويخلص الباحث إلى أن العرب في العصر الجاهلي لم يعرفوا مصطلح الدراما، ولم يظهر هذا المصطلح في أي نص من نصوص المعلقات العشر، لكن الشاعر الجاهلي استطاع بفطرته توظيف عناصر البناء الدرامي في نصه الشعري. ويؤكد أن الدراما في المعلقات العشر ظاهرة أدبية وفنية في آن، وأن المعلقات تقبل التحويل من النص المقروء إلى الصورة المرئية، لذلك تعد من المصادر المهمة للأعمال الفنية التاريخية، وذلك لانطوائها على الكثير من مظاهر الحياة في العصر الجاهلي، وعلى مشاهد بصرية سينمائية أو تلفزيونية. ويشير الباحث إلى أن المقدمة الطللية تشتمل على عدد من العناصر الدرامية، منها الدراما المخبوءة، والاسترجاع، والشخصيات غير البارزة، والصراع النفسي الداخلي، والصراع الخارجي، والزمان والمكان غير الظاهرين، وهذه الدراما المخبوءة تتجلى في بعض المعلقات، من خلال الإشارة إليها بفعل يدعو إلى الاسترجاع بشكل غير مباشر، وتكمن في تلك الإشارة عناصر البناء الدرامي الخفية، كما هو الشأن في معلقة طرفة بن العبد، فضمن الفعل يجور ثمة دراما مخبوءة في قوله: “عدوليه أو من سفين ابن يامن/ يجور بها الملاح طورا ويهتدي”. وكذلك الحال عند لبيد بن ربيعة، فاستعماله الفعل تذكر ينطوي هو الآخر على دراما مخبوءة، إذْ يقول: بل ما تذكر من نوار وقد نأت/ وتقطعت أسبابها ورمامها. ويشير الأزكي إلى حضور المرأة القوي في حياة الشاعر على وجه الخصوص، وحضورها في المجتمع الجاهلي على وجه العموم، لذلك استهل أغلب الشعراء معلقاتهم بها، فهي عنصر فاعل من عناصر الدراما في أغلب المعلقات.

مشاركة :