أعاد "البرنامج الوطني للإصلاحات الكبرى" الذي أعلنت عنه الحكومة التونسية أمس الثلاثاء، ملف مراجعة دعم المواد الأساسية في البلاد إلى الواجهة من جديد، وسط تساؤلات ومخاوف من تداعياتها على استقرار البلاد. وأعلنت الحكومة التونسية أمس خلال مؤتمر صحفي بحضور عدد من الوزراء عن حزمة إصلاحات كبرى تحت عنوان "البرنامج الوطني للإصلاحات الكبرى" يشمل العديد من القطاعات، وخاصة منها ملف دعم المواد الأساسية، وذلك لإرساء مخطط تنموي للفترة 2023-2025 بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي في البلاد. وكان لافتا في هذا البرنامج تضمنه سلسلة من الإجراءات التي تتعلق بمنظومة دعم المواد الأساسية للتخفيف من عبء هذا الدعم، الذي يكلف ميزانية الدولة التونسية 4.200 مليار دينار (1.4 مليار دولار) خلال العام الماضي. وقالت وزيرة التجارة التونسية فضيلة الرابحي، خلال المؤتمر الصحفي أمس إن الحكومة "لن تتخل عن منظومة الدعم بشكل عام"، واصفة الإجراءات الحكومية بـ "العادلة" لأنها تستهدف تقديم الدعم إلى مستحقيه. واعتبرت أن برنامج الإجراءات الجديدة "يهدف إلى الحد من تهريب المواد المدعمة وتبذيرها"، لافتة إلى أن 87% من تكلفة الدعم موجهة للحبوب والزيوت النباتية. وأوضحت الرابحي أنه سيتم توجيه الدعم إلى مستحقيه عبر تمكين المواطنين من تحويلات مالية بداية من العام المقبل حتى يتم بشكل تدريجي بلوغ مستوى الأسعار الحقيقية بحلول 2026. ورغم إجماع خبراء الاقتصاد والفاعلين السياسيين على ضرورة مراجعة ملف دعم المواد الأساسية بطريقة علمية وناجعة للتخفيف من عبء تكلفة هذا الدعم على الموازنة العامة للبلاد، لا يُخفي غالبيتهم خشيتهم من أن يتسبب البرنامج الحكومي في اندلاع أزمات اجتماعية. وقال وزير التجارة التونسي السابق محمد مسيليني، إن ملف دعم المواد الاستهلاكية والطاقة "مطروح على طاولة المفاوضات مع الأطراف الاجتماعية وأيضا الجهات المانحة منذ سنة 1985 مع برنامج الإصلاح الهيكلي، وكان الشعار المطروح دائما هو توجيه الدعم لمستحقيه". وأوضح مسيليني لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن الحكومات التونسية المتعاقبة لم تتمكن من الذهاب بعيدا في حل هذا الملف، وذلك لأسباب عديدة يطول شرحها أهمها غياب الإرادة السياسية والخوف من ردود الفعل الاجتماعية. وأكد أن الميزانية المرصودة سنويا لدعم المواد الأساسية تشكل عبئا على ميزانية الدولة، لكن العودة لطرح هذا الملف من جديد في غياب معطيات دقيقة عن المجتمع والمستهلك "يجعل ما أعلنته الحكومة الحالية لا يتعدى الشعار الجميل الذي لا يختلف حوله اثنان"، على حد قوله. وأعرب مسيليني عن اعتقاده بأن الإجراءات التي أعلنتها الحكومة بخصوص هذا الملف "صعبة التطبيق، وتطبيقها العشوائي دون تشريك الأطراف الاجتماعية سيؤدي بالضرورة إلى تشنج اجتماعي كبير في البلاد". فيما أكد وزير الشؤون الاجتماعية التونسي مالك الزاهي، أن الإصلاحات التي أقرتها الحكومة "لن تكون على حساب ضعفاء الحال والفئات الهشة والفقيرة والطبقة المتوسطة". واعتبر الخبير الاقتصادي التونسي عمر العودي، أن برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي أعلنته الحكومة "ليس مفاجئا، وهو معروف منذ العام 2016، وهو بذلك يندرج ضمن مسار المفاوضات الأولية والتقنية مع صندوق النقد الدولي". وقال العودي ل(شينخوا) إن إصلاح منظومة الدعم "تبقى من أهم الإصلاحات الواجب تنفيذها، وهي في نفس الوقت من أصعبها لأنها تكتسي صبغة اجتماعية وتأثيرها سيكون مباشرا على الوطن والمواطن". ورأى أن القيام بهذه الإصلاحات في وقت قصير "يعتبر مستحيلا في ظل الظروف الاقتصادية العالمية وارتفاع مجمل أسعار المواد الأساسية، ذلك أن التطورات الأخيرة في أسعار المحروقات والمواد الأساسية في العالم سوف تجعل مدة تنفيذ هذه الإصلاحات تطول أكثر". من جهته، لم يتردد رئيس تحرير صحيفة (الأنوار) التونسية الإعلامي نجم الدين العكاري، في القول إن توجيه الدعم لمستحقيه هو قرار اقتصادي وسياسي مهم لأنه يساهم في خفض فاتورة الدعم التي أصبحت تُثقل ميزانية الدولة التي تعاني من اختلالات متعددة. لكنه حذر في المقابل، من أن تطبيق الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة بخصوص ملف دعم المواد الأساسية " قد يعرف صعوبات، وقد يتسبب في احتجاجات اجتماعية، خاصة وأن الحكومة لم توضح بدقة طريقة توجيه الدعم إلى مستحقيه في ظل تراجع المقدرة الشرائية لأغلب التونسيين". وتوقعت وزيرة المالية التونسية سهام البوغديري نمصية، ارتفاع تكلفة الدعم الحكومي إلى خمسة مليارات دينار (1.66 مليار دولار) خلال العام الجاري، الأمر الذي بات "يتطلب مراجعة هذه المنظومة وترشيد الدعم نحو مستحقيه". واعتبرت نمصية أن المواطن لا يستفيد من نفقات الدعم بل تذهب إلى المحتكرين والمهربين، ما أسهم في تعميق الأزمة الاقتصادية المستمرة في البلاد منذ سنوات.
مشاركة :