استشهاد قائد القوة الإماراتية في اليمن، العقيد سلطان بن هويدن الكتبي، ورفيق دربه قائد القوات الخاصة السعودية هناك، العقيد ركن عبد الله بن سهيان الخالدي، يحمل في طياته أسمى آيات الفخر والاعتزاز بشجاعة فرساننا الأشاوس، الذي وحدتهم معركة الدفاع عن العقيدة والعرض والوطن، وشاء الله تعالى أن توحدهم الشهادة في سبيله سبحانه. وإضافة لما تحمله هذه الشهادة من فخر وخصوصية، فإنها تحمل العديد من المعاني والرسائل المضمنة الموجهة إلينا نحن ممن كان هذان الأسدان يدافعان عنا، ويحميان حياضنا، بفضل الله تعالى ونصره. فالواقع الميداني الذي كان يعمل فيه البطلان الشهيدان، رحمهما الله تعالى، كان واقعاً متشابكاً، بحيث كان كلاهما يعملان ضمن واجب قتالي واحد، مع بقية قوات التحالف العربي، ودون تمييز أو افتراق، ولعل هذا ما يحمل الرد الأقوى على كل الذين يحاولون التشكيك في علاقة القوات السعودية والإماراتية بعضها ببعض في الميدان، أو التلميح لوجود أجندات متعارضة بين البلدين. كما أن شراسة العدو في الغدر، والبعد عن الأساليب المتعارف عليها في القتال بين الجيوش (على افتراض أن مليشيات علي عفاش، يصح فيها وصف الجيش)، إلى استهداف المعسكرات خارج نطاق المواجهات العسكرية التقليدية، وبكل ما يحمله ذلك من غدر وخسة، فإنما يؤشر بشكل واضح، على اشتداد الخناق على العدو المشترك من عفاشيين وحوثيين، بحيث أصبحوا يتصرفون اليوم كالقط المحاصر في زاوية، وهم يدركون أن تحرير تعز أصبح مسألة وقت لا أكثر، فأرادوا أن يثبتوا وجودهم، ويرفعوا ما بقي من معنويات صدئة لدى مرتزقتهم. ولعل شهداءنا الأبطال، وهم في عليين، بإذن الله، يرقبون سلوك هذا العدو المنحرف، ويسخرون منه، لأنه إن ظن أن المعركة تنتهي باستشهاد بطل، فإنما ينسى أن أمهاتنا ولاّدة، ونحن قوم لم يتحدث الشاعر عن سوانا، حين قال: إذا مات منّا سيدٌ قام سيّدٌ قؤولٌ لما قال الكرام فعولُ فإذا كان العدو الغادر يتوهم أنه حقق إنجازاً باغتيال اثنين من خيرة أبطالنا، بالغدر والتقية والخيانة، وليس بالمواجهة كما يفعل الرجال، فإنني أذكر هذا العدو المتوهم، من جديد، أن الرحم التي أنجبت سلطان وعبد الله، لم تعقر ولن تعقر بإذن الله، فقد أنجبت معهما كواكب من الفرسان الأشاوس الأشداء، الذي سيذيقونكم، بإذن الله، نار الجحيم تصلونها في الدنيا، وتكون بعون الله مأواكم في الآخرة وبئس المصير. ولقد كان سلطان وعبد الله، تغمدهما المولى بواسع لطفه ورحمته، في رفقة دربهما وصداقتهما الحياتية والميدانية، يجسدان أجمل تجسيد عمق التلاحم السعودي الإماراتي، وما يعبر عنه من تآخٍ عميق متصل بين القيادتين والشعبين والحكومتين والبلدين. ولعل الله سبحانه وتعالى، أراد أن يعلمنا درساً لا يصح أن ننساه عن وحدة المصير والهدف المشترك بين الدولتين الشقيقتين، حين اختار سبحانه لشهيدينا البطلين، أن يستشهدا معاً، وكم هي بليغة هذه الرسالة، لمن يحب البلدين، ويتمنى الخير للشعبين، فلا أجمل ولا أبقى من وحدة وتآخٍ يرسخه الدم الطاهر الزكي النقي، المسفوح غالياً في سبيل الله، ثم الوطن. لقد سطّر سلطان بن هويدن، وعبد الله بن سهيان، في حياتهما القصيرة، ملاحم من أنبل ملاحم الرجولة والبطولة والعز، في الدفاع عن دينهما الحنيف، وعن بلدهما الواحد، وشعبهما المتوحد، لذلك، كان طبيعياً أن يتوحد الشعب الواحد في البلدين الشقيقين، ويقف وقفة واحدة في وداعهما، حتى ليحتار المرء، من منهما الإماراتي ومن منهما السعودي، فقد ودعهما شعب واحد، وبلد واحد، وموقف وطني وسياسي واحد. ويكفيهما، هما ومن معهما من شهداء اليمن والتحالف العربي، شهادة ربنا عز وجل فيهم، في الآية 169 من سورة آل عمران (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، صدق الله العظيم، وهل بعد قول الله تعالى من قول. أما هذا الوطن المتباهي بأبطاله وآساده، فهو اليوم يزداد، بفضل الله، عزاً على عز، وهو يرى شبابه يبذلون النفس والدم دفاعاً عن عقيدته وحماه ومصالحه الاستراتيجية، وهو يراهم يتلاحمون يداً بيد مع أشقائهم في السعودية، لصد الغازي الدخيل، ومعاقبة الخائن الذليل، ومنع الفتنة، وحماية الأمنين الداخلي والخارجي من تداعيات سقوط اليمن في مستنقع الفوضى والانقلابات والاحتراب الدموي. إن هذا الوطن، هو الذي تقدمنا جميعاً بالأمس في جنازة كل شهيد، وفي تكريم أسر الشهداء، وفي وداع سلطان وعبد الله إلى مثواهما الأخير، وهو الذي يتقدمنا اليوم في تربية أبنائنا على تعلم دروس الشهادة والتضحية ومعانيها، وغرس قيمها في أجيال المستقبل، لكي تواصل، بإذن الله، حماية هذا الوطن الباسل، وهذه الأرض الطهور، وهذه الدولة التي نحيا فيها وتحيا فينا. فلله درك، ثم لله درك يا وطن: من أي معدن أصيل صيغت سبائك أبنائك الشجعان، ومن أي حجر كريم انقدحت شرارة البطولة في أنفسهم الأبية، ومن أي نبت طاهر غرست في قلوبهم جراءة الأسود، وشجاعة الشهداء، وطباع أهل الجنة. لله درك يا وطن، ولله دركم يا أبناءه الشهداء.
مشاركة :