يقول تقرير ماكنزي الكثير، ولعل من أهمه أن اقتصادنا سيتضرر إن لم يتخذ مبادرة جوهرية للتحول إلى اقتصاد سوق، وأن سياسات ردة الفعل لن تكون كافية، وأن حتى تجميد الانفاق الحكومي - وليس خفضه - لن يبعد شبح تفاقم البطالة. ويقول إن المملكة تستطيع مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي خلال 15 عاماً عما هو عليه الآن، وتوليد 6 ملايين فرصة عمل كافية لتوظيف المواطنين والمواطنات الداخلين الجدد لسوق العمل السعودية، وأن لذلك شروطا مبدئية، كما أنه يتطلب ضخاً استثمارياً - خلال الفترة - قوامه 250 بالمائة من النمو في المستهدف للناتج المحلي الإجمالي، أي أربعة ترليونات دولار (15 ترليون ريال). وحدد التقرير ثمانية قطاعات غير نفطية لتكون بمثابة محركات النمو والتوظيف والإنتاج، ولتحقيق ذلك فلا بد من تحولات في مجالا هي التوظيف والسياسات المالية والاقتصادية. والأساس لكل ذلك أمران اثنان: الارتقاء بإنتاجية العامل المدنية حتى مقارنته بالاقتصادات الناشئة ضمن مجموعة العشرين، والأمر الثاني أن يواجه التحدي من قبل الأطراف كافة، الحكومة والقطاع الخاص والمواطنين. ويقرر تقرير ماكنزي أن الفرصة مواتية الآن لضخ دينامية جديدة في الاقتصاد من خلال تحول مدفوع بالإنتاجية والاستثمار بما يضمن مستقبل النمو والتوظيف والازدهار لجميع السعوديين، فخلال العشر السنوات (2003-2013) ولد الاقتصاد السعودي 4.4 مليون وظيفة، منها 1.7 مليون وظيفة شغلها سعوديون، وارتفع دخل الفرد 75 بالمائة، وتراكم احتياطي يوازي 100 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقاً لما ورد في التقرير، طور الفريق الذي أعد تقرير ماكنزي نموذجاً ربط بين الاقتصاد وسوق العمل والتعديلات المالية، ووجد أن البطالة ستتصاعد في حال تبني أسلوب ردة العمل. وينطلق التقرير من أن ليس ثمة فرصة لعدم اتخاذ أية مبادرة، وأن برنامج التحول المقترح من قبل ماكنزي يقوم على الارتقاء بالإنتاجية – المتدنية المستوى حالياً - لمضاعفة قيمة الناتج المحلي الإجمالي، عبر ثمانية قطاعات غير نفطية هي: التعدين والبتروكيماويات والتصنيع وتجارة الجملة والتجزئة والسياحة والفندقة. ويرتكز تقرير ماكنزي إلى برنامج لتحويل الاقتصاد السعودي من اقتصاد يعتمد على الحكومة إلى اقتصاد سوق. وهذا يتطلب عدداً من المعطيات منها: 1.توظيف مزيد من السعوديين، 2.عدد وافدين أقل، 3.تنظيم أفضل للأعمال، 4.مزيد من الانفتاح على المنافسة والتجارة والاستثمار، 5.تحسين كفاءة الاستثمار. 6.تنويع مصادر تمويل الخزانة العامة لدعم الاستقرار المالي. ليست القضية أن نتفق أو نختلف مع تقرير ماكنزي، فقضيتنا ليست التقرير بحدِ ذاته بل ما يثيره من أن المملكة بحاجة لبرنامج تحول اقتصادي. هذه هي النقطة: هل نحن بحاجة لذلك البرنامج أم لا؟ علينا تذكر أننا كنا نتحدث في مطلع الألفية، وبعد أن بلغ الدَين العام أشده، عن الخصخصة وعن منظور استراتيجي للاقتصاد السعودي، لكننا لم ننفذ تلك المبادرات تنفيذاً حذافيرياً، وحتى إن لم يكن حذافيرياً فلم نتوقف طويلاً لأننا لم نحقق المستهدف من الخطط التنموية والاستراتيجيات. أدرك أنه ليس وقتاً لشق الثوب على اللبن المسكوب، لكن لنتخيل الوضع لو أننا واصلنا بإصرار تنفيذ بنود استراتيجية الخصخصة وبرنامجها، أو حتى الالتزام بمؤشرات المنظور الاستراتيجي للاقتصاد السعودي 2024، أو حتى التزمنا بقرار السعودة الأشهر، قرار مجلس الوزراء رقم 50؟ ليجيب كل منكم بما يعتقده، لكن ما أسعى لقوله هنا أن الركود والاستمرار في دفع العجلة كالمعتاد لن يذهب بنا بعيداً. كما أن الركون إلى فكرة أن الاستقرار يعني الدعة وعدم إرباك السكون العام، ليس بالضرورة هو الخيار الأحصف؛ والسبب أن ليس هناك من ضمانات من عدم تكالب ثنائية: تراجع الإيرادات وتصاعد البطالة، إلا بمبادأتها بحزمٍ وصرامة، والمبرر لاتخاذ هذه الخطوة هو أن مستقبل الاقتصاد السعودي محاط بتحديات متربصة به؛ فما زال تحدي التنويع الاقتصادي قائماً بعد تسع خطط خمسية، وما زالت عوائد النفط هي عماد الخزانة العامة، وما انفكت سوق العمل من استقدام عمالة وافدة رغم أن البطالة بين المواطنين مرتفعة!. والمبادأة ليست مهمة سهلة، إذ لا بد أن يُرسم مسار التحول بعناية ويُنفذ بتؤدة واقتدار، تعيد تمركز المواطن والمواطنة ليكونا محور الاقتصاد، وآلته الإنتاجية والابداعية والريادية، فقد حل النفط محلهما بالتدريج، ثم وضعهما الاعتماد المتعاظم على العمالة الوافدة - كثيفة العدد رخيصة التكلفة - على هامش المشهد الاقتصادي. فحريٌ بنا أن نستعيد اقتصادنا ثانية من دعة الريع إلى رحاب الإنتاج، فذلك هو تحوطنا الحقيقي لمخاطر راهنة – ولا أقول داهمة - يأتي على رأسها: شقلبات سوق النفط، وارتفاع تكلفة استقدام العمالة، واحتدام التنافسية القائمة على اقتصاد المعرفة والريادة.
مشاركة :