من الواضح أن اقتناع القائمين على التنظيم بفكرة مفادها أن العملات المشفرة هي في الأساس أصول يمكن الاستثمار فيها، وأي قيمة للمعاملات ليست مهمة تجعلهم أكثر اهتماما بحماية المستثمر المحلي والاستقرار المالي. لكن النظرية الاقتصادية أثبتت منذ فترة طويلة أن قيمة أي نقود تعتمد في النهاية على استخداماتها الأساسية المحتملة. قد يكون أكبر المستثمرين في العملات المشفرة في الاقتصادات المتقدمة، لكن الاستخدامات والأضرار كانت متركزة في الأساس في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية إلى الآن. حتى إن المرء قد يزعم أن الاستثمار في بعض الأدوات المشفرة التي تنتجها اقتصادات متقدمة لا يختلف بنحو أو آخر عن الاستثمار في الألماس الذي يستخدم لتمويل الصراعات. على الأرجح ستجد حكومات الاقتصادات المتقدمة أن المشكلات التي تثيرها العملات المشفرة تعود تبعاتها في النهاية لتؤثر في منتجها الأصلي. وعندما يحدث ذلك، ستضطر هذه الحكومات إلى فرض حظر واسع القاعدة على العملات الرقمية التي لا تسمح بتتبع هويات مستخدميها بسهولة "ما لم يجردها التقدم التكنولوجي في نهاية المطاف من كل بقايا إخفاء الهوية، وفي هذه الحالة ستنهار أسعار العملات المشفرة من تلقاء ذاتها". من المؤكد أن الحظر يجب أن يمتد إلى المؤسسات المالية والشركات، ومن المرجح أن يشمل أيضا فرض بعض القيود على الأفراد. مثل هذه الخطوة من شأنها أن تقلل بشكل حاد أسعار العملات المشفرة اليوم من خلال تقليص السيولة. بطبيعة الحال، ستكون القيود أكثر فاعلية كلما ازداد عدد الدول التي تطبقها، لكن التنفيذ على مستوى العالم ليس مطلوبا لإحداث أثر محلي كبير. ترى هل يمكن تنفيذ نسخة ما من هذا الحظر؟ كما أوضحت الصين، من السهل نسبيا إغلاق بورصات العملات المشفرة التي تستخدمها الأغلبية العظمى من الناس في تداول العملات الرقمية. لكن من الأصعب منع المعاملات على سلسلة الكتل، حيث يكون من الصعب تحديد الأفراد الأساسيين. من عجيب المفارقات هنا أن الحظر الفاعل على العملات المشفرة في القرن الـ21 ربما يتطلب أيضا التخلص التدريجي من الأداة القديمة المتمثلة في العملة الورقية أو على الأقل تقليص حجم التعامل فيها، لأن الأموال النقدية هي الطريقة الأكثر ملاءمة على الإطلاق للسماح للأشخاص بتمرير أموالهم إلى محافظهم الرقمية دون أن يكتشفوا بسهولة. على سبيل التوضيح، أنا لا أقترح تقييد جميع تطبيقات سلسلة الكتل. على سبيل المثال، لا يزال من الممكن أن تزدهر العملات المشفرة المربوطة بعملة أخرى أو سلعة أساسية، وتخضع للتنظيم وتدعمها الميزانية العمومية لبنك مركزي، لكن يجب أن تكون هناك آلية قانونية مباشرة لتتبع هوية المستخدم إذا لزم الأمر. لكن متى قد تفرض حقا ضوابط تنظيمية أكثر صرامة على العملات المشفرة، إن حدث ذلك على الإطلاق؟ في غياب أزمة، قد يستغرق الأمر عدة عقود من الزمن، خاصة مع حرص كبار اللاعبين في مجال العملات المشفرة على ضخ مبالغ ضخمة في ممارسة الضغوط، كما فعل القطاع المالي في الفترة التي سبقت اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008. لكن الأمر لن يستغرق كل هذا الوقت على الأرجح. فمن المؤسف أن أزمة العملات المشفرة من المرجح أن تأتي عاجلا وليس آجلا. خاص بـ "الاقتصادية" بروجيكت سنديكيت، 2022.
مشاركة :