بعد العدوان الأمريكي على العراق عام 2003 حاولت الإدارة الأمريكية إعادة بناء النظام الجديد الذي ينسجم مع توجهاتها ليكون تابعا لها وتستطيع أن تتلاعب بأوراقه في أي وقت. ونذكر في هذا السياق أن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما قد أشاد بما سماه في حينه التجربة الديمقراطية العراقية التي اعتبرها آنذاك نموذجا للديمقراطية البرلمانية الذي حدث بعد ذلك وإلى تاريخه أن العراق يسير في اتجاه الفوضى العارمة وعدم نجاح هذه التجربة التي تحولت إلى زعامات طائفية وذلك لأسباب عديدة أهمها أن الولايات المتحدة الأمريكية قد دمرت البنية الأساسية للنظام العراقي ولم تكتف بذلك بل دمرت الدولة العراقية وجيشها والمجتمع العراقي والأجهزة الإدارية التي تنظم حياة الناس وفي المقابل فتح الأمريكان الباب على مصراعيه على الصراعات الطائفية والمناطقية وتحول النظام السياسي العراقي إلى نظام طائفي قائم على المحاصصة بين مكونات الشعب العراقي وحتى داخل الطائفة الواحدة حدثت انقسامات متعددة فأشعلت الصراع الذي يدور في أغلب الأحيان حول تقاسم الثروة والنفوذ بين الطوائف والقبائل. لاشك أن الذي يقف وراء هذا الفشل هو «لبننة» العراق إن صح التعبير أي تحويل النظام السياسي إلى كانتونات يتبع كل كانتون منها فريقا طائفيا أو دينيا أو عرقيا وكل هذه الكانتونات لها امتدادات إقليمية وربما ارتباطات دولية تتحكم في قراراتها ومسيرتها السياسية وموافقها. ولعل ما حدث مؤخرا في العراق من استقالة جميع نواب الكتلة الصدرية في العراق ووضع هذه الاستقالة تحت تصرف زعيمهم مقتدى الصدر الذي شجعهم بدوره على الاستقالة وذلك كنتيجة حتمية للفشل في التوصل إلى توافق حول تشكيل الحكومة العراقية بعد عدة أشهر من المحاولات لإيجاد حل يرضي الجميع. ولا شك أن توقيع نواب الكتلة الصدرية جميعهم من دون استثناء قد أكد حالة الإحباط القائمة وقوة الضغوطات التي تمارسها إيران على المكون الشيعي في العراق ومحاولاتها المستمرة منذ أكثر من 6 أشهر لفرض وجود جماعتها المختلفة في بعض القوى الحزبية الشيعية المعروفة بتبعيتها الكاملة لإيران مدعومة بالمليشيات العسكرية التي تهدد كل يوم باستخدام القوة لفرض أجندتها الإيرانية. لقد حاولت الكتلة الصدرية الاتجاه بالتجربة البرلمانية العراقية نحو تشكيل حكومة أغلبية وطنية ولكن الجماعات الطائفية التابعة لإيران أفشلت هذا المسعى بالرغم من أن مقتدى الصدر قد حاز على الكتلة النيابية الأكبر في البرلمان مما يؤهله لتشكيل حكومة أغلبية حرص أن تكون بعيدة عن التبعية للخارج وخاصة لإيران وذلك من خلال شعاره المعروف «حكومة وحدة وطنية لا شرقية ولا غربية» إلا أن ما حدث في نهاية المطاف هو استمرار الضغط الإيراني والأحزاب التابعة لها لإفشال أي مسعى لتشكيل مثل هذه الحكومة الوطنية والعمل على إفشال هذا الاتجاه لأن نجاحه في نهاية المطاف سوف يؤدي تدريجيا إلى وحدة وطنية سياسية بعيدا عن المحاصصة السياسية. إن التيار الصدري الذي حاول على ما يبدو وبكل صدق أن يبذل جهدا لتشكيل حكومة وحدة وطنية وإقناع الشارع العراقي والرأي العام العراقي بهذا التوجه الوطني الوحدوي ولكن رغم الدعم الذي تلقته الكتلة الصدرية من قبل أغلب القوى الشعبية في العراق خاصة من الشباب الثائر على المنظومة السياسية الفاشلة التي أقامها الأمريكان فإن هذه الاستقالة من شأنها أن تعيد خلط الأوراق مجددا والعودة إلى ما قبل الانتخابات وكل الاحتمالات ستكون مفتوحه ويخشى أن يزيد ذلك الأزمة التي يعاني منها العراق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. خلاصة القول فإن ما حدث بغض النظر عن التطورات اللاحقة يؤكد أن إيران لا تزال مؤثرة جدا في المشهد العراقي السياسي وإنها لن تترك هذا البلد العربي الشقيق في حاله لأنها تسعى بكل قوة إلى استمرار تبعيته لسياساتها الخرقاء حيث تعتبر إيران أن العراق غنيمة لها وأن المطلوب أن يكون العراق باستمرار حديقة خلفية لها لكن شعب العراق لن يرضى بذلك مهما كانت قوة الأحزاب التابعة لإيران.
مشاركة :