استقالة الكتلة الصدرية يفتح باب العراق على المجهول

  • 6/13/2022
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد‭ ‬العدوان‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬حاولت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬توجهاتها‭ ‬ليكون‭ ‬تابعا‭ ‬لها‭ ‬وتستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتلاعب‭ ‬بأوراقه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭. ‬ونذكر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬قد‭ ‬أشاد‭ ‬بما‭ ‬سماه‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬التجربة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬اعتبرها‭ ‬آنذاك‭ ‬نموذجا‭ ‬للديمقراطية‭ ‬البرلمانية‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وإلى‭ ‬تاريخه‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الفوضى‭ ‬العارمة‭ ‬وعدم‭ ‬نجاح‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬زعامات‭ ‬طائفية‭ ‬وذلك‭ ‬لأسباب‭ ‬عديدة‭ ‬أهمها‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قد‭ ‬دمرت‭ ‬البنية‭ ‬الأساسية‭ ‬للنظام‭ ‬العراقي‭ ‬ولم‭ ‬تكتف‭ ‬بذلك‭ ‬بل‭ ‬دمرت‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬وجيشها‭ ‬والمجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬والأجهزة‭ ‬الإدارية‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬فتح‭ ‬الأمريكان‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬على‭ ‬الصراعات‭ ‬الطائفية‭ ‬والمناطقية‭ ‬وتحول‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬العراقي‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬طائفي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬المحاصصة‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬وحتى‭ ‬داخل‭ ‬الطائفة‭ ‬الواحدة‭ ‬حدثت‭ ‬انقسامات‭ ‬متعددة‭ ‬فأشعلت‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬حول‭ ‬تقاسم‭ ‬الثروة‭ ‬والنفوذ‭ ‬بين‭ ‬الطوائف‭ ‬والقبائل‭.‬ لاشك‭ ‬أن‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬هو‭ ‬‮«‬لبننة‮»‬‭ ‬العراق‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير‭ ‬أي‭ ‬تحويل‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬إلى‭ ‬كانتونات‭ ‬يتبع‭ ‬كل‭ ‬كانتون‭ ‬منها‭ ‬فريقا‭ ‬طائفيا‭ ‬أو‭ ‬دينيا‭ ‬أو‭ ‬عرقيا‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الكانتونات‭ ‬لها‭ ‬امتدادات‭ ‬إقليمية‭ ‬وربما‭ ‬ارتباطات‭ ‬دولية‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬قراراتها‭ ‬ومسيرتها‭ ‬السياسية‭ ‬وموافقها‭.‬ ولعل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬استقالة‭ ‬جميع‭ ‬نواب‭ ‬الكتلة‭ ‬الصدرية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ووضع‭ ‬هذه‭ ‬الاستقالة‭ ‬تحت‭ ‬تصرف‭ ‬زعيمهم‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬الذي‭ ‬شجعهم‭ ‬بدوره‭ ‬على‭ ‬الاستقالة‭ ‬وذلك‭ ‬كنتيجة‭ ‬حتمية‭ ‬للفشل‭ ‬في‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬توافق‭ ‬حول‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬بعد‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬المحاولات‭ ‬لإيجاد‭ ‬حل‭ ‬يرضي‭ ‬الجميع‭.‬ ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬توقيع‭ ‬نواب‭ ‬الكتلة‭ ‬الصدرية‭ ‬جميعهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬قد‭ ‬أكد‭ ‬حالة‭ ‬الإحباط‭ ‬القائمة‭ ‬وقوة‭ ‬الضغوطات‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬المكون‭ ‬الشيعي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ومحاولاتها‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬أشهر‭ ‬لفرض‭ ‬وجود‭ ‬جماعتها‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الحزبية‭ ‬الشيعية‭ ‬المعروفة‭ ‬بتبعيتها‭ ‬الكاملة‭ ‬لإيران‭ ‬مدعومة‭ ‬بالمليشيات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬لفرض‭ ‬أجندتها‭ ‬الإيرانية‭.‬ لقد‭ ‬حاولت‭ ‬الكتلة‭ ‬الصدرية‭ ‬الاتجاه‭ ‬بالتجربة‭ ‬البرلمانية‭ ‬العراقية‭ ‬نحو‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬أغلبية‭ ‬وطنية‭ ‬ولكن‭ ‬الجماعات‭ ‬الطائفية‭ ‬التابعة‭ ‬لإيران‭ ‬أفشلت‭ ‬هذا‭ ‬المسعى‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬قد‭ ‬حاز‭ ‬على‭ ‬الكتلة‭ ‬النيابية‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬مما‭ ‬يؤهله‭ ‬لتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬أغلبية‭ ‬حرص‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التبعية‭ ‬للخارج‭ ‬وخاصة‭ ‬لإيران‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شعاره‭ ‬المعروف‭ ‬‮«‬حكومة‭ ‬وحدة‭ ‬وطنية‭ ‬لا‭ ‬شرقية‭ ‬ولا‭ ‬غربية‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬هو‭ ‬استمرار‭ ‬الضغط‭ ‬الإيراني‭ ‬والأحزاب‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬لإفشال‭ ‬أي‭ ‬مسعى‭ ‬لتشكيل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬الوطنية‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إفشال‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬لأن‭ ‬نجاحه‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬سوف‭ ‬يؤدي‭ ‬تدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬وحدة‭ ‬وطنية‭ ‬سياسية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المحاصصة‭ ‬السياسية‭.‬ إن‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬وبكل‭ ‬صدق‭ ‬أن‭ ‬يبذل‭ ‬جهدا‭ ‬لتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬وحدة‭ ‬وطنية‭ ‬وإقناع‭ ‬الشارع‭ ‬العراقي‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭ ‬العراقي‭ ‬بهذا‭ ‬التوجه‭ ‬الوطني‭ ‬الوحدوي‭ ‬ولكن‭ ‬رغم‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬تلقته‭ ‬الكتلة‭ ‬الصدرية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أغلب‭ ‬القوى‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الثائر‭ ‬على‭ ‬المنظومة‭ ‬السياسية‭ ‬الفاشلة‭ ‬التي‭ ‬أقامها‭ ‬الأمريكان‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الاستقالة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬خلط‭ ‬الأوراق‭ ‬مجددا‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الانتخابات‭ ‬وكل‭ ‬الاحتمالات‭ ‬ستكون‭ ‬مفتوحه‭ ‬ويخشى‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬ذلك‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬العراق‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬واجتماعيا‭.‬ خلاصة‭ ‬القول‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬التطورات‭ ‬اللاحقة‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مؤثرة‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العراقي‭ ‬السياسي‭ ‬وإنها‭ ‬لن‭ ‬تترك‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬الشقيق‭ ‬في‭ ‬حاله‭ ‬لأنها‭ ‬تسعى‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬تبعيته‭ ‬لسياساتها‭ ‬الخرقاء‭ ‬حيث‭ ‬تعتبر‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬غنيمة‭ ‬لها‭ ‬وأن‭ ‬المطلوب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العراق‭ ‬باستمرار‭ ‬حديقة‭ ‬خلفية‭ ‬لها‭ ‬لكن‭ ‬شعب‭ ‬العراق‭ ‬لن‭ ‬يرضى‭ ‬بذلك‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قوة‭ ‬الأحزاب‭ ‬التابعة‭ ‬لإيران‭. ‬

مشاركة :