ثقافة السلاح في أمريكا بين الحق الدستوري والهوس المرضي

  • 6/14/2022
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

خانتني‭ ‬اللغة‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬صميم‭ ‬مشاعرنا‭ ‬عند‭ ‬سماعنا‭ ‬خبر‭ ‬المذبحة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬19‭ ‬طفلاً‭ ‬واثنان‭ ‬من‭ ‬المدرسين‭ ‬في‭ ‬تكساس‭ ‬قبل‭ ‬أسبوعين‭ ‬من‭ ‬الآن‭. ‬كانت‭ ‬صدمة‭ ‬كبيرة‭ ‬امتزجت‭ ‬بمشاعر‭ ‬الخوف،‭ ‬وحتى‭ ‬الغثيان،‭ ‬ثم‭ ‬الاشمئزاز‭ ‬من‭ ‬إدراك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكابوس‭ ‬يتكرر‭ ‬مرات‭ ‬عديدة–‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬ ‮ ‬في‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬امتلأت‭ ‬الصحف‭ ‬بالرسوم‭ ‬البيانية‭ ‬والمخططات‭ ‬التي‭ ‬توضح‭ ‬عدد‭ ‬عمليات‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الجماعية،‭ ‬والمذابح‭ ‬المدرسية،‭ ‬والقتل‭ ‬بالأسلحة‭ ‬النارية،‭ ‬وعدد‭ ‬البنادق‭ ‬التي‭ ‬يملكها‭ ‬مدنيون‭ (‬أكثر‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬مليون‭ ‬قطعة‭ ‬سلاح‭). ‬خلاصة‭ ‬القول‭: ‬‮«‬نحن‭ ‬نمتلك‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬ولدينا‭ ‬معدل‭ ‬قتل‭ ‬أعلى‭ ‬للفرد‭ ‬وأحداث‭ ‬سببية‭ ‬جماعية‭ ‬سنويًا‭ - ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭- ‬من‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭.‬ ‮ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬الإساءات‭ ‬التي‭ ‬نتحملها،‭ ‬فإننا‭ ‬نعلم‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬أنفسنا‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬فعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬لقد‭ ‬استسلمنا‭ ‬وسلمنا‭ ‬أمرنا‭ ‬للحياة‭ ‬الممتزجة‭ ‬بمشاعر‭ ‬الخوف‭ ‬الدفينة،‭ ‬مدركين‭ ‬أن‭ ‬الكابوس‭ ‬سيعود‭ ‬حتما‭ ‬يوما‭ ‬ما‭.‬ نحن‭ ‬بلد‭ ‬عليل‭.... ‬مناقشاتنا‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬عنف‭ ‬السلاح‭ ‬وهي‭ ‬أحاديث‭ ‬مشوشة‭ ‬ومثيرة‭ ‬للشفقة‭. ‬يرفض‭ ‬الجمهوريون‭ ‬وبعض‭ ‬الديمقراطيين،‭ ‬الذين‭ ‬يخشون‭ ‬مواجهة‭ ‬لوبي‭ ‬السلاح،‭ ‬التصرف،‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬الحق‭ ‬غير‭ ‬المقيد‭ ‬في‭ ‬امتلاك‭ ‬الأسلحة‭ ‬أمر‭ ‬مقدس‭. ‬وهم‭ ‬يجادلون‭ ‬بأن‭ ‬الحل‭ ‬لعنف‭ ‬السلاح‭ ‬هو‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭.‬ في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬تمرير‭ ‬التشريع‭ ‬الذي‭ ‬يحظر‭ ‬الأسلحة‭ ‬الهجومية‭ ‬أو‭ ‬يضع‭ ‬قيودًا‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬الأسلحة‭ ‬بشكل‭ ‬روتيني‭. ‬فالديموقراطيون‭ ‬إما‭ ‬استسلموا‭ ‬أو‭ ‬اقتصروا‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬مقترحات‭ ‬ضعيفة‭. ‬النتيجة‭: ‬كل‭ ‬مأساة‭ ‬جديدة‭ ‬تولد‭ ‬رعبًا‭ ‬لم‭ ‬يدم‭ ‬طويلًا،‭ ‬وبعض‭ ‬الاتهامات،‭ ‬ومحاولة‭ ‬فاترة‭ ‬خجولة‭ ‬على‭ ‬مضض‭ ‬لتمرير‭ ‬بعض‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المحدودة‭ ‬لينتهي‭ ‬الأمر‭ ‬برمته‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أتون‭ ‬الفشل‭ ‬الذريع‭. ‬ لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬أو‭ ‬التشريعات،‭ ‬واقع‭ ‬يتجاوز‭ ‬تعقيد‭ ‬أسلحتنا‭ ‬أو‭ ‬عددها‭ ‬الهائل‭. ‬فالمشكلة‭ ‬الجذرية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬‮«‬ثقافتنا‭ ‬المريضة‮»‬‭. ‬ لقد‭ ‬تربي‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬عشت‭ ‬معه‭ ‬وهو‭ ‬يتلهى‭ ‬بلعبة‭ ‬‮«‬رعاة‭ ‬البقر‭ ‬والهنود‭ ‬الحمر‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الشرطة‭ ‬واللصوص‮»‬‭. ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدينا‭ ‬مسدسات‭ ‬أو‭ ‬بنادق‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬لعب‭ ‬أطفال‭ ‬فقد‭ ‬ارتجلنا‭ ‬بإصبع‭ ‬مدبب،‭ ‬وزناد‭ ‬الإبهام‭ ‬ورحنا‭ ‬نطلق‭ ‬الرصاص‭ ‬‮«‬بم‭..‬بم‭..‬بم‭!‬‮»‬‭.‬ يروي‭ ‬أحفادي‭ ‬حكايات‭ ‬خيالية‭ ‬عن‭ ‬أبطال‭ ‬المستقبل‭ ‬الخياليين‭.. ‬أبطال‭ ‬يمتلكون‭ ‬أسلحة‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية،‭ ‬لكنهم‭ ‬سيفعلون‭ ‬ذلا،‭ ‬عند‭ ‬الحاجة،‭ ‬بالعصي‭ ‬أو‭ ‬الأصابع‭ ‬التي‭ ‬يتصورونها‭ ‬في‭ ‬خيالهم‭ ‬كأسلحة‭ ‬فتاكة‭ ‬تمتلك‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬القوى‭ ‬التدميرية‭. ‬تعتمد‭ ‬ألعاب‭ ‬الفيديو‭ ‬والأفلام‭ ‬التي‭ ‬يشاهدونها‭ ‬ويلعبونها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬القتل‭ - ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬أمرًا‭ ‬طبيعيًا‭.‬ نحن‭ ‬نتغذى،‭ ‬من‭ ‬المهد‭ ‬إلى‭ ‬اللحد،‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬غذائي‭ ‬ثابت‭ ‬أساسه‭ ‬البنادق‭ ‬والعنف‭. ‬من‭ ‬الرسوم‭ ‬الكاريكاتورية‭ ‬وألعاب‭ ‬الفيديو‭ ‬إلى‭ ‬عروض‭ ‬الشرطيين‭ ‬و«الرصاصة‭ ‬والدماء‮»‬‭ ‬لكوينتين‭ ‬تارانتينو‭.. ‬البنادق‭ ‬والقتل‭ ‬متأصلة‭ ‬في‭ ‬‮«‬ثقافتنا‭ ‬العميقة‮»‬‭. ‬وعلى‭ ‬غرار‭ ‬‮«‬أمي‭ ‬وفطيرة‭ ‬التفاح‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬ثقافة‭ ‬البنادق‭ ‬جزءا‭ ‬منا‭ ‬كأمة‭.‬ يحدق‭ ‬بارت،‭ ‬بطل‭ ‬الفيلم‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬Gun‭ ‬Crazy‭ ‬بلهفة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬نافذة‭ ‬المتجر‭ ‬وهو‭ ‬يمني‭ ‬النفس‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬مسدس‭ ‬بعينه‭ ‬يحشوه‭ ‬بالرصاص‭. ‬لم‭ ‬يقو‭ ‬على‭ ‬مقاومة‭ ‬تلك‭ ‬الرغبة‭ ‬الجامحة‭ ‬فحطم‭ ‬الزجاج‭ ‬وحاول‭ ‬سرقة‭ ‬السلاح‭ ‬ليتم‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭.‬ عندما‭ ‬وقف‭ ‬بارت‭ ‬أمام‭ ‬القاضٍي‭ ‬يوم‭ ‬محاكمته‭ ‬على‭ ‬الجرم‭ ‬الذي‭ ‬ارتكبه‭ ‬انبرى‭ ‬بطل‭ ‬الفيلم‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬يحاول‭ ‬شرح‭ ‬هوسه‭ ‬بالأسلحة‭ ‬النارية‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: ‬‮«‬أشعر‭ ‬بالرضا‭ ‬عندما‭ ‬أطلق‭ ‬النار‭ ‬عليهم‭. ‬أشعر‭ ‬بشعور‭ ‬مروع‭ ‬في‭ ‬الداخل،‭ ‬وكأنني‭ ‬شخص‭ ‬ما‮»‬‭.‬ إن‭ ‬شعور‭ ‬بارت،‭ ‬بطل‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬الكلاسيكي،‭ ‬مرضي‭ ‬وهو‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬وفاته‭. ‬عندما‭ ‬أرى‭ ‬وجوه‭ ‬المتحمسين‭ ‬للأسلحة‭ ‬النارية‭ ‬يصطفون‭ ‬لجعل‭ ‬ما‭ ‬يخشون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬آخر‭ ‬عملية‭ ‬شراء‭ ‬لهم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬‮«‬يأخذ‭ ‬الديمقراطيون‭ ‬أسلحتنا‭ ‬بعيدًا‮»‬،‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬بارت‭. ‬عندما‭ ‬أشاهدهم‭ ‬وهم‭ ‬يحتضنون‭ ‬أسلحتهم‭ ‬الهجومية‭ ‬بشكل‭ ‬حسي،‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬بارت،‭ ‬وهو‭ ‬يعلم‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬جيد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬امتلاك‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬السلاح‭.‬ يحول‭ ‬هذا‭ ‬الهوس‭ ‬المرضي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬فرض‭ ‬أي‭ ‬ضوابط‭ ‬معقولة‭ ‬على‭ ‬ملكية‭ ‬السلاح‭. ‬فطريقة‭ ‬عمل‭ ‬لوبي‭ ‬السلاح‭ ‬بسيطة‭ ‬ومباشرة‭.... ‬لا‭ ‬مناقشة،‭ ‬لا‭ ‬حل‭ ‬وسط،‭ ‬لا‭ ‬تنازلات‭. ‬إنهم‭ ‬يخفون‭ ‬دعوتهم‭ ‬القاتلة‭ ‬بالدستور،‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬بقاء‭ ‬حريات‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬تأجيج‭ ‬مشاعر‭ ‬أتباعهم‭. ‬الذين‭ ‬يحتشدون‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬الدستوري‭.‬ ‮ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬لدينا‭ ‬ثقافة‭ ‬‮«‬جنون‭ ‬السلاح‮»‬‭. ‬فهم‭ ‬مدججون‭ ‬بالسلاح‭ ‬وهم‭ ‬مقتنعون‭ ‬بأنهم‭ ‬هم‭ ‬الوطنيون‭ ‬الحقيقيون‭ ‬الذين‭ ‬يدافعون‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬ضد‭ ‬الاستبداد،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مشاعر‭ ‬الاستياء‭ ‬والضغوط‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬حزب‭ ‬الشاي‭ ‬والترامبية‭ (‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬النداء‭ ‬غير‭ ‬اللطيف‭ ‬للعرق‭).. ‬سنظل‭ ‬نشرب‭ ‬حتى‭ ‬الثمالة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المزيج‭ ‬الخطير‭ ‬والمتقلب‭.‬ ‮ ‬سيكون‭ ‬لدينا‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬النقاشات‭ ‬الغاضبة‭. ‬قد‭ ‬نقوم‭ ‬بتمرير‭ ‬بعض‭ ‬التشريعات‭ ‬الضعيفة،‭ ‬ثم‭ ‬سيتشتت‭ ‬انتباهنا‭ ‬إلى‭ ‬تكرار‭ ‬المأساة‭ ‬ونرتكب‭ ‬مجزرة‭ ‬أخرى‭ ‬قادمةـ‭ ‬تتلوها‭ ‬مجزرة‭ ‬أخرى‭. ‬ستظل‭ ‬المأساة‭ ‬تتكرر‭ ‬والمجازر‭ ‬تتلاحق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نقرر‭ ‬أن‭ ‬نفتح‭ ‬نقاشا‭ ‬مطولًا‭ ‬وجادًا‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني‭ ‬حول‭ ‬علاقتنا‭ ‬العاطفية‭ ‬المريضة‭ ‬بالبنادق‭ ‬ونبدأ‭ ‬في‭ ‬تطهير‭ ‬أنفسنا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬المرضية‭. ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نفعل‭ ‬ذلك‭ ‬فإننا‭ ‬سنظل‭ ‬نلتف‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬القضية‭ ‬تقتلنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬شيئا‭.‬ { رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

مشاركة :