من الحكمة والواقعية الاعتراف التام بأن إجابة هذا السؤال أكبر بكثير من مجرد مقال محدود المساحة والمحاور، إلا أن من الأهمية بمكان، وإن صغر نطاقه، أن تتم الإشارة إلى أهم وأبرز الجوانب المتعلقة بإجابة مثل هذا السؤال المهم، خاصة في ظل الأوضاع المتقلبة بشكل حاد التي تشهدها الاقتصادات والأسواق خلال الفترة الراهنة، والتأكيد أن الإجابة مهما بلغت من الدقة والموثوقية، فإنها لن تصل بالقارئ والمهتم إلى الإلمام التام بكل جوانب الموضوع، وأيضا كما لن تأتي وردية بالكامل فلن تأتي رمادية بالكامل، بل تحاول قدر الإمكان تحديد ما يمكن تحديده من الركائز الصلبة الممكن الوقوف عليها، وصولا إلى أقرب تصور لما يجري من تطورات اقتصادية ومالية على الأرض. كما لا بد من التأكيد أن أي اجتهادات في هذا الشأن من أي باحث أو كاتب، قابلة للصواب والخطأ على حد سواء، خاصة أن ما قد يستند إليه المرء حتى تاريخه من متغيرات وعوامل، سواء محلية أو خارجية، قد يتم الارتكاز عليها لبناء تصور مستقبلي لعام أو عامين مقبلين على أبعد حد، وسرعان ما تتغير 180 درجة دون أي مقدمات، ولهذا شواهده السابقة قريبة العهد، ومنها ما تسببت فيه الجائحة العالمية لكوفيد - 19، التي رسمت عالما مختلفا تماما عما كانت عليه صورته قبل شباط (فبراير) 2020، وقس على ذلك كثيرا من التطورات والمتغيرات التي اكتظ بها المشهد العالمي بعد تلك الجائحة حتى تاريخه، من حروب عسكرية أو تجارية أو حتى عبر الفضاء الإلكتروني، إلى اشتباكات واصطدامات دامية داخلية في عديد من الدول والمجتمعات، وصولا إلى المئات وأكثر من التجاذبات والتقلبات والاصطدامات على كل المستويات على سطح هذه الكرة الأرضية. أدق صورة تخيلية يمكنها وصف حالة الاقتصاد السعودي وسط لجة الاقتصاد العالمي المتعثر والأقرب إلى المرض منه إلى العافية، أنه أشبه بالرجل المتمتع بجزء كبير من الصحة والعافية وسط أجساد اقتحم أغلبها الأمراض والأوبئة، وكما أنه لا يمكن له أن يغادرهم راحلا عنهم بأي حال من الأحوال، فلا يمكن أيضا أن يتهاون تجاه حماية صحته وعافيته وهو يشاهد مصارع القوم حوله، ولأجل ذلك تجده يقوم بتقديم يد العون قدر الإمكان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وصولا إلى محيط أعلى صحة وسلامة هو أول المستفيدين منه، ومنعا لانتشار الوباء والمرض أكثر مما وصل إليه من حوله، وهو نفسه أول من يريد حمايته ومنع وصول الوباء إلى داخل جسده. إنها المهمة الأصعب على الإطلاق على أي رجل حتمت الحياة عليه أن يواجه مثل هذا الواقع. الخلاصة مما سبق أعلاه، أن الاقتصاد السعودي جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، وليس هذا فحسب، بل يتمتع بوزن ثقيل دفع به إلى أن يكون ضمن أكبر 20 اقتصادا حول العالم، فلا يمكن الركون إلى المقولة الواهمة أنه لا علاقة له بما يجري من حوله عالميا، وأنه سيكون في منأى تام عما يجري وسيجري خارج حدوده، وفي الوقت ذاته لا يمكن تجاهل القدر الرفيع الذي يمتلكه من ركائز القوة والمتانة والقدرة، التي يفتقر إليها كثير من الاقتصادات حول العالم. إن ما يمر به العالم من تغيرات جذرية، سبق الحديث عنها قبل عدة أشهر قليلة في أكثر من مقال، تشير إلى تفتت هيكلته التي شكلتها العولمة قبل ثلاثة عقود زمنية مضت، وأنه في طور الاتجاه إلى عالم متعدد الأقطاب حضاريا وفكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلى كل المستويات التي يمكن تصورها، وهو بالتأكيد عكس ما أرادت العولمة أن تسير بالعالم إليه، وأن هذا الطور الزمني للتحول العالمي وتشكله الجديد متعدد الأقطاب سيستغرق أعواما عديدة، إن لم تتجاوز العقد ونيف منذ تصدعت جدران العالم المعاصر نتيجة اصطدامه بالحروب التجارية، ثم الجائحة العالمية لكوفيد - 19 ثم الصدام الدامي بين الشرق والغرب على الأرض الأوكرانية. لقد تسلح الاقتصاد السعودي في وقت مبكر بإصلاحات هيكلية جذرية، تتمثل في كل ما تضمنته رؤية المملكة 2030، التي بدأت قبل منتصف 2016 واستمرت واتسعت دوائرها المباركة حتى تاريخه، وستستمر - بإذن الله تعالى - حتى تصل غاياتها الطموحة في منتهى 2030، ورغم ما لمسه كثيرون في بداياتها من آلام معتاد اقترانها بأي إصلاحات جذرية من هذا الوزن، إلا أن ثمارها سرعان ما تصاعدت عاما بعد عام إلى أن جاء الاختبار الأول والأكبر لمدى صمود الاقتصاد السعودي بهيئته الجديدة أمام الجائحة العالمية لكوفيد - 19، ليخرج منها باقتدار لافت حظي بشهادة الجميع والمجتمع الدولي، وكان في مقدمة الاقتصادات الأسرع تعافيا، بفضل من الله، ثم بفضل الاستعداد الكبير الذي هيأته له رؤيته الاستراتيجية 2030. اليوم، يواجه الاقتصاد العالمي وأسواقه تحديات أكبر مما سبق، وقد تكون الأكبر منذ الكساد الكبير قياسا على ضخامة أحماله وأزماته وتنوعها الراهن، إنما لا بد من التأكيد على ما تتمايز به الاقتصادات حول العالم، سواء على مستوى الإمكانات والقدرات والموارد، أو مستوى التحديات الجسيمة جدا التي تكتظ وتزدحم فوق كاهل عديد من الاقتصادات، ليس الاقتصاد السعودي منها بحمد الله، ومن تلك الركيزة انطلق نحو بناء تصورات الأمواج العاتية التي تعبرها الاقتصادات والأسواق اليوم وغدا، وحاول أن تتصور كيف ستتعامل معها السفن الأكبر والأكثر استعدادا، مقارنة بالسفن الأصغر والأقل استعدادا وقدرة على التعامل مع مثل هذه العواصف الاقتصادية والمالية، وأترك للقارئ الكريم الإجابة.
مشاركة :