الخداع والكذب محور 'رسائل من المرأة مجهولة'

  • 6/15/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تتساءل رواية الشاعر والروائي والمسرحي والسيناريست اللاتفي زيجموندز سكوينش "رسائل من امرأة مجهولة" عن مخاوف البشر من أن يكونوا صادقين مع الآخرين ومع أنفسهم، ومدى التضليل الذي يمكن مواجهته في الواقع حتى من أقرب الأصدقاء، بطلنا هو ألكسندر درايسكا، المعروف باسم ساندريس. لقد أنهى في وقت ما من ستينيات القرن العشرين خدمته العسكرية، هو الابن الوحيد لوالده الذي يكبرأمه بعشرين عامًا. كانت علاقته مع والده جيدة دائما، لكن للأسف يتوفي وتتزوج الأم مرة أخرى بعد ستة أشهر من وفاته، لذا فهو ليس حريصا على العودة إليها والإقامة معها بـ "ريجا". ساندريس بطل الرواية التي ترجمها محمد عبد العزيز ودرت عن دار العربي شاعر محتمل وقد نشر قصائد في مجلة "ليسيما" إحدى المجلات الأدبية. نتيجة لذلك تلقى رسالة من إحدى المعجبات، امرأة تدعى ماريكا. منذ ذلك الوقت تبادل معها مجموعة كاملة من الرسائل. خطة ساندريس هي الذهاب إلى ماريكا حيث تعيش، وبالفعل يذهب إليها ويفاجأها بزيارته. إنه يعلم أنها تتقاسم شقة مع ثلاث نساء أخريات، لكنه الآن يفكر في الأمر، مندهش لأنها لم تذكر المبنى أو الطابق الذي تعيش فيه. عند وصوله إلى المبنى، رأى امرأة تنتظر في الجوار. سنتعلم لاحقًا أنها ليبا. أخبرته أنه لا يوجد أحد في المنزل وأن الجو حار، ربما ذهبوا جميعًا للسباحة. يجرب الباب ويسمع شخصًا ما. تفتحه امرأة. إنها ماريكا، كما يتعرف عليها من صورتها التي أرسلتها، وتعترف بأنها ماريكا. لسوء الحظ، لم تسمع به من قبل، وتنفي الكتابة إليه أو تلقي رسائل منه. عند هذه النقطة يظهر فاريس تينيسون صديق ماريكا ورئيسها في العمل. تتم دعوة ساندريس وشرح الموقف له. في هذه الأثناء يحضر رفقاء السكن الثلاثة الآخرون - بيروتا وكوني وكاميتا. يرحبون به، ربما لأن هناك خمس وثمانين امرأة مقابل كل خمسة عشر رجلاً في المدينة، وتعمل النساء بشكل أساسي في مصنع النسيج الضخم. يشجعونه على البقاء في راندافا لكنه يرفض، رغم أنه يشعر بقدر أقل من الإذلال عندما تحدثت معه ماريكا لأول مرة. نظرًا لعدم وجود قطار يقررساندريس للبقاء في المدينة، وإيجاد مكان للسكن. وأثناء تناوله الطعام بأحد مطاعم راندافا، يتعرف على روبرتس آبارجودز، وهو صديق قديم لوالده، وبدوره قدمه آبارجودز إلى صديقه جاتيش، وكلا الصديقين يلعب دورًا جزئيًا بسبب مشاحناتهما الفكرية المسلية، جزئيًا لأنهما يستمران في الظهور في أماكن غريبة طوال الرواية وجزئيًا لأن جاتيش هو صهر ماريكا. نتبع ساندريس وهو يشق طريقه حول مدينة راندافا. يقابل العديد من النساء ويذهب لحضور رقصة دعته كاميتا إليها للاحتفال بعيد ميلادها. لقد حصل على أدلة على أن كل شخص قد يكون كاتب الرسائل إليه، لكن الشكوك تعاوده، ومن ثم يحاول معرفة من كتب الرسائل حقًا ولماذا تنكرت ماريكا لها؟. إنه مثل الكثير من الأبطال ساذج. هو نفسه يعترف بأنه لم يكن قادرا بشكل عام على اتخاذ قرار مستقل في حياته، حيث كان في البداية تحت حكم والديه ثم تحت حكم الجيش. يضطر أن يعترف لنفسه أنه طوال حياته كان يتظاهر بأنه أفضل مما كان عليه في الواقع. لقد كان دائمًا جبانًا نوعًا ما، ولم يكن يعمل بجد في المدرسة، ولم يكن مستعدًا أبدًا لبدء شيء مهم وإنهائه، ولا يعرف أبدًا الكلمات الصحيحة لقولها في المحادثات، ويتجنب دائمًا أي اتصال غير مريح وغير سار. لم يكن مستعدًا أبدًا للقتال من أجل حماية حقوقه، وعندما يتعلق الأمر بالفتيات، كان دائمًا مهتمًا بهن ومنجذبًا لهن ولكنه خائف جدًا من إظهار ذلك. مثلا، بدلاً من الذهاب في موعد غرامي مع فتاة كان يحبها في المدرسة الإعدادية، اختار أن يقف عليها ويسخر منها لاحقًا. لذا هو هنا في راندافا ضائع، لم يفهم العادات المحلية تمامًا، يتعلم المزيد عن النساء. يتعلم أيضًا منآبارجودز وجاتيش، اللذين يخرجان باستمرار بملاحظات حكيمة وفي بعض الأحيان غامضة.الآن هو مدعو للقيام بذلك. وهذه الفترة الزمنية القصيرة نسبيًا التي يعيشها في راندافا تشكل بدايةللتعرف على نفسه. ومع ذلك، فإننا نتعلم تدريجياً مع تطور الأحداث أن الموضوع الرئيسي للرواية هو الكذب والخداع. يقول جاتيش، إن هناك سببًا وجيهًا للتساؤل حول من منا على حق، أو على حق أكثر مما نعرف، وهكذا من الواضح أن هناك كذبًا بشأن كاتب الرسائل، ليس فقط من فعل ذلك، وإلى أي مدى تعرف النساء الأخريات المحيطات بماريكا مدى تورطهن في الخداع. لكن كاتب الرسائل ليس هو المصدر الوحيد للكذب والخداع. مقتطف من الرواية تعرف عليها بمجرد أن رآها في ضوء الشفق المتسلل من الردهة الأمامية. كان تشابهها مع الصورة مذهلًا: الأنف المستقيم، والجبهة المرتفعة إلى حد ما، والفك ذو الزاوية الحادة.فقط لون شعرها ليس كما توقعه؛ توقعه أن يكون أي لون، باستثناء ذلك اللون النحاسي الذهبي الباهت. كانت ترتدي رداء حمام قصير، وتنظر إليه بفضول تشوبه لمحة من الشك، بينما هي تدفع إحدى قدميها داخل أحد نعليها،  لم تكن قد ارتدته بعد في غمرة عجلتها. ألم تخمِّن "ماريكا" من هو بعد حقًا؟ مع كل لحظة تمر عليه واقفًا هناك، بدا أن قيمة "ماريكا" تزداد، بينما بدا أن وزنه هو ينخفض. وسرعان ما تلاشت شجاعته الملتهبة. اسمحي لي أن أقدم نفسي: "ساندريس درايسكا"، عريف سابق من القوات الخاصة. الآن كان من المفترض أن يتغير كل شيء في لحظة. بل ربما يصل الأمر بها أن تقع بين ذراعيه بقوة غير متوقعة. هذا يمكن أن يحدث حقًا. - "ساندريس"! إنه أنت! هذا جنون! رباه! يا لي من حمقاء لأنني لم أتعرف عليك بمفردي! في أعتى أحلامي لم أستطع تخيل أنك سترتدي سترة. أوه، وكيف أبدو أنا! سأكون معك في ثوانٍ! انتظر لحظة! لكن لا تنتظر بالخارج. تفضل بالدخول! "ساندريس"، أيها الوغد، لماذا لم تنبئني بقدومك؟ هذا ليس عدلًا. لقد أتيت على حين غرة. انظر كيف يدق قلبي كأنما هو بسباق. ماذا تريد؟ - لقد أتيت. - من الصعب إنكار أنك فعلت. وهل سيكون هذا كل ما لديك من أخبار؟ هناك خطأ ما بالموضوع، نوعٌ ما من سوء التفاهم. لكنهما كانتا متشابهتين بشكل غريب – ربما تم تضليله بسبب الصورة المظلمة التي تمت معالجتها. ربما "ماريكا" لديها أخت، ربما أخت توأم. - أود أن أرى "ماريكا فيتينا". - تفضل املأ عينيك مني، لكن أسرع من فضلك، فيجب أن أذهب إلى العمل. هكذا ردت عليه بملل.. لا يمكن أن يكون ذلك مزحة. كانت تقول ذلك بكل جدية. - أنتِ "ماريكا فيتينا"؟ - هل عليَّ أن أظهر لك أوراقي؟ هل أنت مع الشرطة؟ - لا، أخبرتكِ بالفعل.. أنا من الجيش. - هذا مثير للاهتمام للغاية. - والشيء الأكثر إثارة للاهتمام هو أن المفترض أننا نعرف بعضنا البعض. أرسلتِ لي تسعًا وأربعين رسالة، وتلقيتِ مني العدد نفسه في المقابل. - رسائل؟ أي رسائل؟ - حسنًا.. في رأيي، كانت رسائل طبيعية تمامًا. - حسنًا، إلى أين أرسلت لك هذه الرسائل "الطبيعية تمامًا"، إذا جاز لي أن أسأل؟ - إلى وحدة الجيش التي أنتمي إليها. من الردهة الأمامية، ظهر شاب طويل القامة، عريض الكتفين ونحيف الخصر، وهو يرتدي قميصه، يشبهه إلى حد ما في المظهر، بل إنهما كان لديهما شيء مشترك في وجهيهما وحركاتهما. سأل الشاب، وهو على الأغلب لا يشعر بالراحة: - ماذا يحدث هنا؟ - تعال إلى هنا يا "فاريس"، استمع إلى هذا الخيال الذي لا يمكن تصوره. - ربما يجب عليكِ دعوة هذا الشخص للداخل. سيستغرق الأمر بعض الوقت لمعرفة حقيقته، على ما أعتقد. قالها الشاب وهو ينظر نحوهما بابتسامة خبيثة ويغمز بعينيه. تراجعت الفتاة على الفور من عند العتبة؛ يبدو أن هذه الحركة كانت مقصودة كدعوة للدخول. أدخل الشاب يديه في جيبي سرواله الواسع الأسود، وتركهما يمران،مؤكدًا بكل تصرفاته أنه مجرد متفرج، لا نية لديه للتدخل في محادثتهما. كانت هناك بالغرفة أربعة أسِرة بالفعل. وقد تمت تغطية واحد منهم ببطانية منقوشة قذرة. رفرفت الستائر باهظة الثمن عند النافذة المفتوحة، بينما أطل جهاز راديو- جرامافون من أحدث طراز بخجلمن بين الحقائب المكدسة خلف خزانة ذات ثلاثة أبواب. قالت "ماريكا": - تفضل بالجلوس. بقي الجميع واقفًا، فأكملت: - إذًا، فقد كتبت لك تسعًا وأربعين رسالة. لم يعد غاضبًا بعد الآن، فقط مستمتع، وبشدة. بالنظر لكيف راقت ملامح وجهها سريعًا، فواضح أن البرودة القاسية التي قابلته بها لا تعكس بأي حال من الأحوال طبيعتها الحقيقية. - نُشِرت أشعاري في مجلة "ليسيما" الأدبية. بعد ذلك بدأتِ في الكتابة إليَّ. تلقيت رسالتك الأخيرة منذ أسبوعين. - وهل يمكنك أن تريني هذه الرسائل؟ - للأسف لا. تركتهم في "ريجا"؛ فهي كومة كبيرة جدًا لحملها معي في كل مكان. لكن يمكنني أن أريكِ الصورة التي كانت مع الرسالة الثالثة. فتح محفظته، شاعرًا بنظرة "ماريكا" على أصابعه، وحاول عمدًا أن يضفي على حركاته أناقة ولا مبالاة. اتضح أن المحادثة سخيفة بشكل لا يُصدق، بل ومهينة إلى حد ما. تحولت إلى نوع من التمرين في صنع الأعذار: لم تُصدَّق حكايته، لكنه اعترض، وبعناد استمر، وحاول إثبات ما كان يقوله. - ها هي!  نظرت "ماريكا" أولًا إلى أحد جوانب الصورة، ثم نظرت إلى الجانب الآخر، وهزت كتفيها. - الأمر مثير للاهتمام بالفعل. حسنًا، ماذا لديك لتقوله يا "فاريس"؟ لم تعد وجنتا الشاب المتوردتان اللامعتان زاهيتين كما كانتا بالسابق. قالت الفتاة: - صورة جميلة. حدسي يخبرني أنني رأيتها من قبل.. - إذًا، فهي صورتك؟ - أضمن ذلك. لكني لم أرسلها لك. أنا لم أرسل لك أي شيء. لا بد أنها مزحة غبية من أحدهم. - من المحتمل جدًا. أنا فقط أشك في أن يكتب أحدهم – أو إحداهن - تسعًا وأربعين رسالة على سبيل المزاح. - لغز محيِّر. ما رأيك يا "فاريس"؟ سحب الرجل نفسًا طويلًا وعميقًا من سيجارته، قبل أن يرفع رأسه سائلًا إياه: - معذرة، ولكن متى تلقيت هذه الصورة؟ - منذ حوالي سنة. لا، لم يمضِ كل هذا الوقت. كانت القصيدة قد نُشِرت في فبراير من العام الماضي. في الشتاء، على أي حال. قال الشاب: - منذ فترة طويلة إذًا.. حصلت على صورة مثلها بعد ذلك بفترة طويلة. ألقت "ماريكا" على "فاريس" نظرة سريعة خاطفة، تقريبًا مثل صفعة على الوجه. دمدمت: - لا تكن أحمق.. سمعته بنفسك. وصلته الرسالة الأخيرة قبل أسبوعين. - حسنًا، إذًا شخص ما يكتبها. - ويستقبل رسائل باسمي؟ لماذا؟ "ماريكا" ودودة بشكل متزايد، بينما استمر "تينيسون" بالقيام بدوره في إبقاء المحادثة دائرة، في حين صار هو المتشكك الحذر.

مشاركة :