لطالما ألهمت واحة سيوة القابعة في صحراء مصر الغربية، العديد من الفنانين والأدباء، لما تحويه من تراث ثقافي مميز يمتزج مع أماكن ذات طبيعة بكر، أبدع في وصفها الروائي المصري بهاء طاهر في رواية «واحة الغروب». وهي الرواية التي شحذت خيال التشكيلي المصري محمد عبد الجليل، وحفّزت ذائقته الفنية، فانطلق مشدوهاً ناحيتها، قاطعاً ما يقرب من 560 كيلومتراً باتجاه شمال غرب القاهرة، متلمساً البُعد الجمالي والفني للواحة. وفي «سيوة»؛ دخل التشكيلي في حوار مع الطبيعة، ما أثرى وجدانه، بعدها ترجم هذا الحوار بفرشاته وألوانه على اللوحات، التي يضمها معرضه الحالي «أچبِن نيسيوان»، أو «البيت السيوي»، الذي تستضيفه قاعة صلاح طاهر، بدار الأوبرا المصرية، حتى ١٨ يونيو (حزيران) الجاري. وفي حديث له مع لـ«الشرق الأوسط»، يقول صاحب المعرض: «اخترت للمعرض عنوان (أچبِن نيسيوان) وهو مصطلح باللغة الأمازيغية يعني البيت السيوي، وهو ما يوضح فكرة المعرض التي تدور عن العمارة البيئية، ويعكس تأثري بها، فمنذ صغري وأنا متأثر بأشكال العمارة والمباني المعمارية القائمة على الخامات البيئية، وقد وجدت ضالتي في سيوة، التي يعتمد أهلها في البناء على الطين ومادة الـ(كرشيف) المستخلصة من أرض الواحة، وعناصر من البيئة المحيطة مثل الملح الصخري والرمل وشجر الزيتون وجذوع النخل، حتى مع دخول المباني الخرسانية كان هناك حفاظ على الشكل التقليدي للمنزل». ومن بين أكثر النماذج المعمارية التي نقلتها فرشاة الفنان قلعة «شالي»، تلك القلعة القديمة في قلب سيوة، التي تعد من أشهر المزارات الأثرية بالواحة، وهي نموذج حي للطراز المعماري البيئي، وكذلك فندق جعفر أو «أدرير أميلال»، وهو فندق رملي تم بناؤه أيضاً بالمواد الأصلية المحلية وباستخدام تقنيات البناء التقليدية. من عبقرية العمارة والبيئة انتقل عبد الجليل، أو «جاليليو»، إلى مشاهدات حية مختلفة تميز واحة سيوة، محاولاً أن يضع رؤية تشكيلية تعكس الملامح الثقافية والعادات الاجتماعية لها، وذلك بعد أن لمسها عن قرب. يقول: «جذبني الملبس التقليدي لأهل الواحة، خصوصاً ملابس الفتيات والسيدات، التي تتميز بألوانها الزاهية ومحافظتها على التراث، كما أعجبتني بعض العادات والتقاليد، منها أن الفتاة قبل الزواج تكون لديها مساحة من الحرية في أن تكشف وجهها أو تغطيه، أما بعد الزواج فتلتزم بتغطيته عند الخروج من المنزل، كما ترتدي المتزوجات نفس الملبس، وهو ما يصعب على الزوج معرفة زوجته خارج المنزل». كما توجد ملامح أخرى قرأ عنها الفنان في رواية «واحة الغروب» وحاول نقلها مثل العادات القديمة، خصوصاً المرتبطة بالأعراس، على سبيل المثال حرص صديقات العروس والنساء على توصيلها وزفّها إلى العين التي تغتسل فيها، فيما يمتنع الرجال عن الخروج تماماً، حيث يحتفلون مع الزوج بعيداً. إضافة إلى ذلك عبّر الفنان أيضاً عن «عيد الصلح» الذي تشهده الواحة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، لتسوية الخصومات وفض المنازعات بين أهالي الواحة، والذي يتزامن مع توقيت موسم حصاد التمر والزيتون، لذا يطلق عليه أيضاً «عيد الحصاد». كما تناول «جاليليو» في لوحاته، الطقوس المعيشية في الاعتماد على التمر والزيتون والاستثمار فيهما بشكل موسع، ومن ثم سلط الضوء على بحيرات الملح التي تشتهر بها الواحة، حيث يتم استخلاص ملح الطعام منها، وكذلك الكتل الصخرية التي تستخدم في صناعة العديد من المنتجات. وأيضاً البحيرات الكبريتية أو عيون المياه التي تتسم بطبيعتها العلاجية للعديد من الأمراض. يذكر أن الفنان لجأ في رسم لوحاته الـ55 إلى الألوان الزيتية فقط، بهدف المحافظة على الحالة التي يعبّر عنها، معتمداً على الألوان الساخنة التي تعبر عن الشمس الساطعة، واللون الأصفر الأوكر للتعبير عن البيئة الرملية. ويؤكد عبد الجليل أن لوحات المعرض عملت على إلقاء الضوء سياحياً على سيوة، لافتاً إلى أنه مع افتتاح المعرض وتناقل اللوحات على مجموعات موقع «فيسبوك» وردته العديد من التساؤلات من أفراد وفنانين عرب وأجانب، يسألونه عن الواحة، وكيفية زيارتها، الأمر الذي أسعده بشدة، ويؤكد أهمية دور الفن التشكيلي، وسيدفعه للعودة مجدداً لنقل جوانب أخرى من «واحة الغروب».
مشاركة :