الشعر مغامرة جمالية وليس طلبية من مطعم بقلم: زكي الصدير

  • 11/1/2017
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

الشعر مغامرة جمالية وليس طلبية من مطعمثمة جيل شبابي في سلطنة عُمان يشتغل على نصه الأدبي ويجرّب تفاصيله التي قد تنجح وقد لا تنجح. هذا الجيل له نصه ورأيه وأسئلته وتصوّره لكلّ ما يجري حوله من قضايا صغيرة أو كبيرة، حيث يحاول أن يصنع فرقاً عبر الكتابة. “العرب” توقفت في حوار مع الشاعرة بدرية الملاك، وهي أحد الأصوات الشعرية العمانية الشابة للحديث حول التجربة وحول بعض الهموم الثقافية الأخرى.العرب زكي الصدير [نُشر في 2017/11/01، العدد: 10799، ص(15)]المرأة الكاتبة لها هواجسها الخاصة (لوحة للفنان عصام معروف) عن دار مسارات للنشر والتوزيع في الكويت صدرت عام 2016 مجموعة “رباعيات” للشاعرة العمانية الشابة بدرية الملاك (مواليد 1992)عادّةً إياها الموطن الأول والدهشة الأولى لها. حيث اعتبرتها مثل أوّل طفل، أو مثل أوّل خطوة جنونية وبسيطة وعفوية. وتعكف الشاعرة حالياً على عمل روائي سينشر قريباً مستعينة فيه بقضايا تشغل اهتمامها، وبالبيئة التي تعيش فيها وتتعايش معها، على أمل أن تخرج الرواية -حسب قولها- بالشكل المتصور لها. الخاص والعام ضمن سياق تأمل الملاك أن يكون بينها رابط؛ حملت مجموعة “رباعيات” أربع قضايا بحثت عنها منذ الصغر، وتخلّت عن الكثير كي تجدها، فجاءت في أربعة فصول وهي”الحب والذات والحياة والوطن”، حيث كل فصل يمثل نقطة بداية للآخر. تقول الملاك لـ”العرب” متحدثة عن المجموعة “أمضيت في ديوان “رباعيات” سنتين، أنحته بكل تفاصيله، رغم كل العثرات والصعاب. لوهلة صادقة مع ذاتي وجدتني عاجزة عن وضع هذا الديوان في متناول يد أيّ إنسان. بالنسبة إليّ كانت ترمز دلالات ‘الحب والذات والحياة والوطن’ لأمرين، أحدهما خاص والآخر عام؛ الخاص يتمثل في رؤيتي لتلك الأقانيم الأربعة. فالحب هو ديوان لمن اختاره قلبي، والحياة هي طفلتي الأولى لبدايات كل شيء جميل، والذات هي أنا وكل ما يعتريني من وجود وبعثرة ويقين وعبثية وظلمة ونور، وأخيراً الوطن كأنه طفلي الذي حيث يكون أكون فيه مطمئنة. أما الأمر الآخر هي تلك الفصول الأربعة (فلسفة الحياة) التي لا بد أن يمر بها أيّ إنسان وقد لا يجدها في بداياته ويظل يبحث كثيرا حتى يجدها. ولهذا تلك القضايا الأربع هي بمثابة السبب الذي يجعلنا نجاهد في الحياة لنجد لاحقا السعادة المتمثلة فيها”. يعتري ضيفتنا قلق خاص إزاء رأيها في المشهد الثقافي العماني، ويعود ذلك لكونها ما زالت تمسك بخيوطه الأولى باحثة عن المعرفة والجديد في كل شيء، لهذا فهي تخشى من الطبقة المثقفة أن تضع لها سؤالا يتعلق بكاتب أو شاعر مشهور وتكون لا تعلم عنه شيئا. تقول “أنا لا أرى أنني أملك تصوراً متكاملاً مبنيا على خبرات طويلة في هذه الساحة؛ فجيل التسعينات من القرن العشرين متمرد يحب الاختلاف ولا يحب بالضرورة الرجوع والاهتمام بتاريخ معين. بالنسبة إليّ ما زلت في بدايات كل شيء. هو عموما ليس أمرا مقلقا لكن أفضّل دائما تجنب الحديث أو الخوض فيه وهذا يشكل أرقا لشاعرة تنتمي لجيلي التسعيني من القرن الماضي”.الرومانسية تمثل المنفذ للشاعرة المتمردة على الأفكار المسبقة في حق المرأة قضايا الكتابة ترفض الشاعرة الملاك الرأي القائل إن معظم الشاعرات العربيات يجنحن إلى النص الرومانسي/العاطفي، وترى أنه “كثيراً ما يتم حصر الشاعرة العربية تحديداً تحت إطار الوجود الرومانسي، وهي ملاحظة منصفة إن صدقنا القول لعدة أسباب أهمها وجود تمركز ذكوري على القضايا الأخرى، ولكون هذه القضايا عند المجتمعات الشرقية من العيب والمحرّمات -أحيانا- أن تتحدث فيها الشاعرات؛ لكون أن التصور العام عن المرأة العربية أنها ‘عاطفية، ناقصة، خجولة’. ولذا كانت الرومانسية المنفذ والمنقذ لهذه الشاعرة للتنفس قليلاً. ومن هنا نرفع القبعة لأولئك النسوة المتمردات على الطرح الذي تجرأ على تلك الأفكار المجحفة في حق الشاعرات؛ فالشعر هو متنفس ورسالة، وليس محض دعاية رومانسية”. وعن سؤال يدور حول غياب القضايا القومية والوطنية الكبرى عن النص الجديد واهتمامه بشكل مباشر بكل ما هو مشخصن ضمن تجربة الشاعر أو الشاعرة في حدودهما اليومية، تجيب الملاك “حقيقة إن الحكم على مثل هكذا وضع يتطلب دراسات ومعاينات مبنية على ما يسمّى وقائع مؤكدة، حيث أنني حسبما أرى هناك من يتبنّى القضايا الكبيرة قومية كانت أو وطنية وذلك حسب قراءته العميقة للوجود من حوله، وهناك من نراه عكس ذلك. ولكنه ليس بالأمر الجلل ففي النهاية الشعر كيفما تشعر، وكيفما ينبع من داخلك الصدق. هو ليس طلبية من مطعم معين. أيضا لقمع الحريات وتقييدها دور في تراجع الكثيرين عن الحديث ولو على سبيل الشعر؛ فكم من قصيدة رمت بصاحبها إلى الهاوية، فنحن اليوم بحاجة إلى محام عن كل شطر نكتبه”. تدرس بدرية الملاك القانون في سنتها الجامعية الأخيرة، الأمر الذي قادنا إلى الحديث حول مدى انشغالها كشاعرة قانونية في تجربتها الأدبية بقضايا حقوق المرأة التي تشغلها إلى حدّ ما، ولكن ليس كتوجهه كبير، فالواقع المنصف -حسب رأيها- هو أن للمرأة حقوقاً غفلت عنها أو تغافلت وكانت سبباً رئيساً لقمع المجتمع الذكوري لحقوقها عن طريق تقييدها وهضمها وإنكارها.بدرية الملاك: النجاح يجب أن يقيم بميزان الإبداع وليس بميزان جسد المرأة وجمالها تقول الملاك في هذا السياق “لا أنشغل بالقضية كثيراً لكوني لا أحبذ تلك الرؤية المتصورة عن المرأة على أنها الضحية مهضومة الحق ومسلوبة الإرادة بقدر ما أحاول إثبات نفسي، وتشجيع بني جنسي على وجودهن باعتدال ولباقة في شتى مجالات الحياة. وإن كان هناك جزء في هذا الشأن يشغل حيزا من كتاباتي، وأعني تعزيز وتمكين المرأة مجتمعيا؛ فيتمثل في ترسيخ النظرة إلى المرأة الناجحة، أو حتى نظرة المرأة إلى نفسها. يجب أن يقيّم النجاح بميزان الإبداع وليس بميزان جسد المرأة ومدى جمال وجهها وحجم إغراء تفاصيله”. المثقف العماني تشير ضيفتنا في نهاية الحوار إلى أن الربيع العربي كانت له نقلة نوعية على جميع الأصعدة بما فيها الجانب الثقافي، لكنها لا تعتقد أن المثقف العماني موجود في هذه المعادلة بشكل كبير، لكون المثقف العماني بالنسبة إليها ليس بـ”الشخصية الظاهرة”. تقول “لم يظهر دور المثقف العماني على صعيد الربيع ليظهر بالمقابل تأثير الأمر على إنتاجه. إلا أننا لا يمكن دحض فكرة أن المثقف العماني -إن وجد- فهو يميل إلى التحزبات والشللية والميل إلى أسماء معينة حتى في المهرجانات والحضور الأدبي متجاهلاً أن هناك فضاءات أدبية عميقة يغيّبها المثقف لعدم نزوله إليها. كذلك يغلب عليه أيضاً تضخم الأنا التي ستقوده في نهاية المطاف لسطحية وتصوّر لأشباه مثقفين. لكن نتمنى أن تزال هذه السلبيات برؤى أعمق مما هو ظاهر الآن”.

مشاركة :