تآكل القدرة الشرائية للإيرانيين على وقع تسارع التضخم

  • 6/20/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ينذر استمرار موجة ارتفاع معدل التضخم الأساسي في إيران بأن المواطنين باتوا على أعتاب ظروف أكثر قسوة مع عجزهم عن توفير متطلباتهم اليومية رغم ترويج المسؤولين لأن الحكومة قادرة على استيعاب المشكلة بفضل الإجراءات التي تنفذها. وترخي الأزمة في شرق أوروبا بظلال قاتمة على الاقتصاد الإيراني الذي ظل يواجه سلسلة من الصدمات المتتالية في السنوات الخمس الأخيرة بدءا من عودة فرض العقوبات الأميركية، مرورا بالأزمة الصحية، وصولا إلى اضطرابات سلاسل التوريد وخاصة القمح. ويشكو علي الذي ينهمك بتقطيع ذبيحة الغنم التي تسلّمها للتو في ملحمته بجنوب طهران، تمهيدا لبيعها مثل غيره من الإيرانيين من تدهور قدرتهم الشرائية مع ارتفاع كبير في مؤشر أسعار الاستهلاك تشهده إيران ويعتبره خبراء الأكثر حدة منذ عقود. مؤشرات اقتصادية 3.7 في المئة نسبة النمو الاقتصادي المتوقع في 2022 25 في المئة نسبة تراجع قيمة العملة المحلية منذ مارس 2022 40 في المئة نسبة التضخم بينما تظهر تقديرات أنه يتجاوز 50 في المئة 42 ألف ريال سعر الدولار في السوق الرسمي 300 ألف ريال سعر الدولار في السوق السوداء ويقول علي (50 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية إن مبيعاته “تراجعت بشكل كبير إلى النصف تقريبا، فقدرة الناس الشرائية تراجعت بشكل هائل”. ويضيف على الرصيف حيث ينتظره بعض الزبائن في منطقة مولوي التجارية “ماذا يمكنني أن أقول؟ أنا جزّار لكن أحيانا لا آكل اللحم مرة في الأسبوع (..) ارتفعت أسعار كل شيء”. وبعد الانتهاء من التقطيع باستخدام سكين الجزار قرب مدخل الملحمة الصغيرة، يسلّم علي إلى أصغر، الموظف الحكومي المتقاعد، كيسا يحتوي قطعا من اللحم تكفيه وزوجته. ويوضح أصغر البالغ من العمر 63 عاما “ارتفع سعر كل شيء بما يشمل اللحوم”، مضيفا “كنا سابقا نشتري كميات أكبر. الآن الجميع يشتري كميات أقل، الجميع بات تحت الضغط”. وتعاني إيران من أزمة اقتصادية ومعيشية حادة تعود بشكل أساسي إلى العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على طهران منذ قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده أحاديا من الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني عام 2018. ولا يجد البلد العضو في منظمة أوبك، والبالغ تعداد سكانه أكثر من 80 مليون نسمة، سبيلا لتوفير التمويل الذي لا يكفي في الغالب سوى من التحايل على الحظر الأميركي لتسويقه خامه في البعض من الأسواق الدولية. ونقلت وكالة “إيرنا” الرسمية للأنباء عن محسن خجسته مهر الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية قوله في أبريل الماضي إن “إنتاج النفط وصل إلى أرقام ما قبل العقوبات، على الرغم من الضغوط الاقتصادية”. سعيد ليلاز: نشهد موجة تضخم هي الأشد منذ الحرب العالمية الثانية وقبل ذلك بأيام، قال وزير النفط جواد أوجي إن إيرادات النفط في العام المنتهي في العشرين من مارس الماضي وفق التقويم الإيراني بلغت قرابة 18 مليار دولار، أي أنها تضاعفت مرتين ونصف المرة عن العام السابق. وتأمل طهران في جني المزيد مع انتعاش السوق العالمية. ولكن البعض ينظرون بعين الشك في إمكانية تحقيق إيران التي تملك رابع أكبر احتياطيات عالمية من الخام أهدافها من بوابة ارتفاع أسعار النفط للتحايل على الحظر الأميركي وكسب الوقت في ما يتعلق بملفها النووي المثير للجدل في ظل تذمر الأوساط الشعبية من تراجع قدرتهم الشرائية بشكل كبير، ما يشير إلى استمرار الصعوبات الاقتصادية. ويقول خبراء إن الأزمة الاقتصادية والمالية انعكست على مختلف جوانب الحياة مثل تراجع العملة المحلية وتجاوز نسبة التضخم عتبة الأربعين في المئة سنويا منذ إعادة فرض العقوبات الأميركية بينما تشير تقديرات إلى أنه تجاوز 50 في المئة. ويؤكد المحلل الاقتصادي سعيد ليلاز أن استمرار هذه النسبة “لأربعة أعوام متتالية غير مسبوق والأشدّ منذ سنوات الحرب العالمية الثانية”. ومنذ أسابيع، يسجّل التضخم تسارعا إضافيا بعد إعلان حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي في النصف الثاني من مايو الماضي، تعديلات على نظام الدعم ورفع أسعار مواد أساسية مثل الطحين واللحوم والبيض وزيت الطهو. محسن خجسته: إنتاج النفط وصل إلى أرقام ما قبل العقوبات رغم الضغوط وتظهر أرقام وسائل إعلام محلية اختلافا جذريا في الأسعار بين المرحلتين، إذ ارتفعت أسعار اللحم الأحمر بنحو النصف، وتضاعف أسعار الدجاج والحليب، وبات زيت الطهو أربعة أضعاف ما كان عليه. ونزل المئات إلى الشوارع في الأسابيع الماضية في مدن عدة رفضا لارتفاع الأسعار. وأتت هذه التحركات الاحتجاجية لتضاف إلى أخرى تنفذها منذ أشهر قطاعات مهنية مختلفة، للمطالبة بتحسين الأجور ورواتب التقاعد لتأخذ التضخم في الاعتبار. والثلاثاء الماضي، قدّم وزير العمل حجت الله عبدالمالكي استقالته على أمل “تعزيز التنسيق ضمن الحكومة وتحسين توفير الخدمات للشعب”، وفق المتحدث باسم الحكومة علي بهادري جهرمي. وأفادت صحيفة “اعتماد” الإصلاحية أن الاستقالة أتت بعد تعرض عبدالمالكي “لانتقادات لاذعة من المتقاعدين خلال احتجاجاتهم” على خلفية دفاعه عن قرار حكومي بزيادة رواتب شرائح منهم بنسبة 10 في المئة فقط، وهو ما اعتُبِر غير كاف مقارنة بالتضخم. ويعزو ليلاز ارتفاع الأسعار حاليا إلى سببين هما “الزيادة الحادة في التضخم عالميا” بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، و”بدء إيران إصلاحات اقتصادية ضخمة” توقعت الحكومة أن تؤدي “إلى تضخم إضافي”. ويوضح الخبير الذي عمل كمستشار اقتصادي لعدد من الرؤساء الإيرانيين، أن الإجراء الحكومي الأساسي كان التخلي عن سعر الصرف المدعوم الذي كان مخصصا لشراء مواد أساسية مثل القمح وزيت الطهو ومواد طبية. وبدأ اعتماد سعر الصرف “التفضيلي” منتصف 2018 تزامنا مع الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. وثبّت السعر عند 42 ألف ريال للدولار، في حين أن سعر الصرف حاليا في السوق السوداء يتجاوز 300 ألف ريال للدولار. وفي الأيام الماضية، تراجع الريال إلى أدنى مستوى له على الإطلاق بعدما سجل سعر صرف الدولار بالسوق المحلية في الثاني عشر من مايو الماضي 33.7 ألف ريال. وفقدت العملة المحلية 25 في المئة من قيمتها منذ مارس الماضي. Thumbnail وعلى الرغم من زيادة الأسعار، يرى ليلاز أن الإجراء الحكومي كان إلزاميا، خصوصا أن المباحثات بين إيران والقوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لم تنتج بعد تفاهما يعيد رفع العقوبات. وأوضح “تشير التقديرات إلى أنه في حال أرادت إيران مواصلة الإنفاق المتهوّر للعملات الصعبة هذا العام كما في الأعوام السابقة، كنا سنحتاج إلى 22 مليار دولار للسعر التفضيلي”. وأضاف “حتى في حال إحياء الاتفاق النووي لم يكن ثمة مفر أمام الحكومة سوى إلغاء السعر التفضيلي”. وينصبّ الاهتمام على تبعات التضخم وآثاره في أسواق طهران التجارية أكثر من الاكتراث لأسبابه. فغير بعيد من البازار الكبير، أبرز التجمعات التجارية للعاصمة، يقف محمد أمام متجره الذي يعج بمواد غذائية كالبقوليات والحبوب والمعكرونة وزيوت الطهي، لكنه يخلو من الزبائن. ويقول التاجر الخمسيني لوكالة الصحافة الفرنسية إن مبيعاته تراجعت في الآونة الأخيرة، بينما ارتفعت أسعار بعض المواد “وما لم يرتفع سعره اليوم سيرتفع غدا”. Thumbnail وكان إبراهيم رئيسي الذي تولى مهامه كرئيس للبلاد في أغسطس الماضي، تعهّد مع بدء تطبيق الإجراءات الجديدة بألا يطال ارتفاع الأسعار الخبز والوقود والدواء. وانعكس ارتفاع الأسعار إقبالا متزايدا على الخبز الذي كان أساسا ضيفا أساسيا على مائدة الإيرانيين. وتقول شادي، وهي ربة منزل، “لم تتضاعف الرواتب، لكن كلفة المعيشة تضاعفت”. وتضيف قرب مخبز ينتظر بعض الأشخاص عند مدخله لشراء الخبز الطازج “باتت صفوف الانتظار في الأفران أطول لأن سعر الأرز ارتفع، وبات الناس يلجأون إلى الخبز عوضا عن الأرز”. وفي الداخل، يؤكد الخباز مجتبى ذلك، وهو يأخذ استراحة قصيرة من تحضير العجين ووضعه في التنّور الأرضي. ويقول ابن الـ29 عاما الذي بدا التعرّق والإجهاد على وجهه “لجأ الناس إلى الخبز بعدما باتوا غير قادرين على شراء الأرز وزيت الطهو والمعكرونة ومعجون البندورة”. ويضيف “باتوا يأكلون الخبز وحده”. ويتوقع البنك الدولي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لإيران هذا العام 3.7 في المئة، مرجعا ذلك إلى تخفيف قيود الإغلاق وارتفاع أسعار النفط. ويبدو الرقم متفائلا قياسا بتقديراته في يناير الماضي عند 2.4 في المئة.

مشاركة :