بين التنوير والعداء للدين | عبدالله فراج الشريف

  • 12/19/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أتذكر أني كتبت في زاويتي في جريدة «المسلمون» حينما كانت تصدر مقالًا بعنوان: التنوير الحقيقي قررت فيه: أن التنوير الحقيقي هو ما هدى الله به العباد بدينه الذي لا يرتضي منهم غيره (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ)، ولا أزال مؤمنًا بهذا حتى ألقى الله عز وجل، وأسأله الثبات عليه، فالحقيقة أن الظلام يزحف على العقل يوم أن يفارق العبد دينه «دين الإسلام»، ألم يقل ربنا عز وجل: (وَمَن يَرْتَدِ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وهو القائل: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إلَى الظُّلُمَاتِ)، وأغرب ما في عصرنا هذا أن يتحول الغلاة في الدين المتشددون في فهم نصوصه، من ظلمة إلى ظلام أشد، فحينما كان يوجه إلى أحدهم النقد كان يرد على منتفقديه بأشد العنف اللفظي، بل ويتهددهم ويتهمهم بأشد التهم، فلما تحول من جهاد كان يزعم أنه للإسلام إلى عداء للدين نفسه، فاتخذ على نفسه عهدًا أن يحارب الدين ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ومن هؤلاء اليوم عدد نلحظ في كتاباتهم وأقوالهم المعلنة هذا، ويحلو للبعض أن يقارن بين حاليهم، وأظن أن الحالين كلاهما ضلال، وبعد عن الواقع، واختلال عندهم في إصدار الأحكام، أما من كانوا من قبل لا يتشددون في الدين وليس لهم صلة وثيقة بعلوم الدين، فمنهم كثرة كاثرة أناس طبيعيون، آمنوا بدينهم ولم يروا فيه مناقضًا لما درسوا من علوم، بل إن بعضهم خاصة من نالوا علمًا طبيعيًا كالأحياء والكيمياء والطب والفلك، فقد رأوا فيما درسوه من تلك العلوم ما يعمق إيمانهم، وندر أن تجد بينهم من يهاجم الدين، والذين منهم درسوا علومًا نظرية كالقانون والفلسفة وعلوم الاجتماع خاصة السياسي منه تسرب إلى نفوس بعضهم خاصة من اطلعوا منهم على تراث المستشرقين وأعجب به فهؤلاء تجد من بينهم من هو شديد الإيمان أن الدين عائق للتنوير، وهم اليوم أعداد لا بأس بها في دولنا العربية والخليجية على الخصوص، وها هم يغرّدون في تويتر وعبر وسائل التواصل بما ينبئ عن خيبئة أنفسهم، وبعضهم تراه فجأة يعلن إنكاره لما هو ثابت ضرورة من الدين كوجود المسجد الأقصى في موضعه من فلسطين، وأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرى إليه، ثم عرج به منه إلى السماء، فلا وجود عنده للمسجد الأقصى، وأن المسجد الموجود اليوم في مدينة القدس ليس هو المسجد الأقصى المذكور في القرآن، وأن الصراع على المسجد الأقصى لعبة سياسية بزعمه صنعها عبدالملك بن مروان، ولا يوجد مبرر للصراع على المسجد من الناحية العربية والإسرائيلية، وهذا المسجد ليس له أي قدسية، وزعم أن قرب الطائف مسجدًا يسمى الأقصى، وأنكر معراج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه فكرة الأمويين، وهكذا أخذ يوسف زيدان الذي كُنّا نظنه عاقلاً يهرف بما لا يعرف ويحشد تخاريف لا أساس لها إلا في عقول الصهاينة الذين يهمهم صرف المسلمين عن أن يطالبوا بحقوقهم في فلسطين، ويوظفون من المسلمين من أمثاله بالتأثير العقلي عليهم لإنكار ثوابت الدين، ليسلك طريقًا في النهاية يسلمه إلى الكفر بالدين ذاته، ويرى هذا كله تنويرًا، وهو في الحقيقة ظلام، مَن أسلم نفسه له طمس كل نور يتسلل إلى عقله وقلبه، ونصيحتنا لمثل هؤلاء أن نقول لهم: تشدد المتشددين وغلو الغالين ليس دينًا وإن زعموه كذلك، وهم أضر على الإسلام من أعدائه، ولكن تشددهم لا يقودنا إلى مهاجمة الدين وإنكار ثوابته، فهذا فعل يساوي فعلهم ويشابهه، وكلاهما ضررهم على الإسلام وأهله عظيم، ولابد لهم من التوبة إلى الله والرجوع عن أوهامهم فهو خير لهم لو كانوا يفقهون، وهم بهذا الصراخ المستمر لن يستطيعوا أبدًا كما يتصورون هدم الدين وتغيير حقائقه، وسينصره الله على الفئتين لأنه قدر له أن يبقى حتى تقوم الساعة، والعاقل لا يبذل جهدًا فيما يعلم أنه لا ناتج له، فهل يعودون إلى الحق؟! ذلك ما نرجوه، والله ولي التوفيق. alshareef_a2005@yahoo.com

مشاركة :