الأزمة الاقتصادية تدفع المربين في لبنان إلى التخلي عن خيولهم

  • 6/21/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم يعد الخيل والليل يعرف طريقه إلى الإسطبلات اللبنانية بعدما مرت على ظهر الخيل أزمة اقتصادية حادة حرمتها من قوتها اليومي فخسر لبنان الرهان على سباق الخيول. وأدت الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت منذ أكتوبر عام 2019 إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بما في ذلك أسعار القمح والشعير مما ترك تأثيره على تربية وسباق الخيل التي تعد أحد التقاليد العريقة في لبنان. وانطلق أول سباق للخيول في لبنان عام 1885 في منطقة بئر حسن، إحدى ضواحي بيروت، لتنتقل هذه الظاهرة إلى جميع المدن اللبنانية ووجدت طريقها في نهاية المطاف إلى غابة الصنوبر في بيروت عام 1916. ورسخ سباق الخيل وتربية الخيول منذ ذلك التاريخ نفسه كعنصر أساسي في المشهد الثقافي والرياضي والاجتماعي اللبناني. وعلى مدرجاته الأنيقة، كان ميدان سباق الخيل يستقبل أثرياء بيروت ونجوم السينما والرؤساء الذين كانوا يضعون رهاناتهم ويشاهدون سباق الخيول العربية الأصيلة المملوكة لنخبة المدينة. ومع تراكم الأزمات الاقتصادية في لبنان يواجه مربو الخيل معركة شاقة من أجل الحفاظ على رياضتهم بعدما انخفض عدد الخيول بأعداد قياسية. ميدان سباق الخيل استقبل الأثرياء والنجوم الذين كانوا يضعون رهاناتهم في سباق الخيول العربية الأصيلة وقال علي سيف الدين، وهو مدرب ميدان سباق الخيل في بيروت منذ عام 1961، إن عدد الخيول في إسطبلات الإستاد الشهير تضاءل من 3000 إلى حوالي 250 حصانا فقط. وأضاف سيف الدين لرويترز “أصبحت معظم صناديق الإسطبلات الآن فارغة من ركابها، وتتجول الدجاج والماعز في الأماكن التي كانت في سالف الزمان مأهولة بالخيول العربية”. وأوضح سيف الدين أن “أسعار الشعير تغيرت، بل تضاعفت، ثلاث مرات، الذي كان ألفي دولار أميركي صار بخمسة آلاف، ولا تزال في غلاء مستمر أكثر فأكثر والآن أثرت عليها مشاكل أوكرانيا”. وكان سباق الخيل مكانا ورمزا رياضيا يجمع الشعب اللبناني خلال الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990، وذلك نظرا لوقوع البلد جغرافيا على طول جبهة المواجهة التي قسمت بيروت إلى شطرين، غربي وشرقي، خلال الحرب. وما زالت المباني المجاورة تحمل آثار الرصاص والشظايا على واجهاتها وقد تشظت من طرفي الحرب. كما احتل الجيش الإسرائيلي ميدان سباق الخيل خلال اجتياحه لمدينة بيروت في عام 1982 حين دخلت جنوده إلى الميدان في الرابع من أغسطس/آب. وفي عام 1989، جرت في ميدان سباق الخيل مفاوضات ما عُرفت باللجنة الأمنية التي قادها الموفد العربي الأخضر الإبراهيمي ومهدت لوقف إطلاق النار في لبنان بعد حرب أهلية طويلة. ولكن كل هذه الأحداث الأمنية، التي أغلقت مدنا ومتاجر وشوارع، لم تستطع أن تكسر ميدان سباق الخيل الذي ظل واقفا كخيل أصيل. PreviousNext وأعرب نبيل نصرالله، مدير ميدان سباق الخيل منذ عام 1971، عن مخاوفه بشأن استمرار المؤسسة العريقة، قائلا “إذا استمر الوضع بهذه الطريقة وارتفعت أسعار عناية الخيل والمربي لا يستطيع أن يبيع خيوله أو أن يبعثها إلى السبق، أكيد سخف الخيل وبعضها سيذهب إلى نواد ليس لديها أي مستقبل. لا يوجد اهتمام باستمرارية نسل الخيل العربية، وقد يقف نشاط الخيل ببيروت وهذا شيء لا نحب أن نخسره لأنه تراث أساسي من جهة ومن جهة ثانية مورد أساسي أيضا للمربين”. وكما العديد من مربي الخيول في جميع أنحاء البلاد، فإن الانهيار الاقتصادي أجبر حسام شرف الدين على التخلي عن جميع خيوله العشرين باستثناء إثنين. وتصاعد الوضع المأساوي في لبنان إلى حد الانهيار وذلك بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس عام 2020، والذي أدى إلى تدمير صوامع القمح التي كانت الموقع الرئيسي لتخزين الواردات. وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتكمل على ما تبقى من مستقبل لهذه التربية. وقال شرف الدين “الخيول لم تكن تكلفنا شيئا، كانت تكلفنا قليلا جدا. الآن لهذا السبب تخلينا عن معظمها من أجل الاستمرار في ممارسة هوايتنا… في العائلة نتوارث حب الخيل وتربيتها منذ أيام جدودنا، ولهذا السبب لا يمكننا التخلي عنها، حتى لو بقينا بلا أكل”. ويمتلك محمد العبد خيولا في ميدان سباق الخيل منذ أكثر من 30 عاما. لكن بسبب الانهيار الاقتصادي في البلاد لم يعد لديه الآن إلا عدد قليل من الخيول التي كان يمتلكها. ويضيف: “الخيول خاصة العربية الأصيلة تحتاج إلى عناية فائقة، فمن المهم عرض الحصان على طبيب بيطري عند الشعور بأي تغير في مزاح الجواد، ولا بد من كشف روتيني من باب الطمأنينة كل فترة، لكن هذا الأمر أصبح مكلفا ولا نستطيع تحمل أعباءه المالية”. ويختتم العبد حديثه “هذه ثروة حيوانية في لبنان، إذا لم يتم تدارك الأمر ولم تعالج الأزمة سيذهب الوضع كثيرا إلى الأسوأ، لكن نتمنى أن يتغير الحال حتى نستطيع المحافظة على هوايتنا”.

مشاركة :