أشاد خبراء صندوق النقد الدولي في بيانهم الختامي المتعلق بزيارة بعثتهم الأخيرة للمملكة، تمهيدا لصدور تقرير الصندوق الخاص بمشاورات المادة الرابعة لعام 2022، بالأداء الاقتصادي للمملكة والسياسات الاقتصادية التي تم اتخاذها من قبل الأجهزة التنفيذية طوال العامين الأخيرين، بما منح الاقتصاد الوطني سرعة تجاوز تداعيات الجائحة العالمية لكوفيد - 19، التي دفعت بنمو الاقتصاد بالأسعار الحقيقية بنحو 3.2 في المائة خلال 2021، مدفوعا في الأساس بتعافي قطاع التصنيع غير النفطي وقطاع التجزئة "متضمنا التجارة الإلكترونية" والقطاع التجاري، وانخفاض معدل البطالة بين المواطنين إلى 11.0 في المائة، مقارنة بما كان عليه من مستوى أعلى خلال 2020، نتيجة لارتفاع معدلات توظيف المواطنين السعوديين عموما، وزيادته، خصوصا للمرأة السعودية في مختلف منشآت القطاع الخاص، ومساهمة كل ذلك في تعويض مغادرة العمالة الوافدة خلال الفترة نفسها. كما أشاد بتحسن الحساب الجاري للمملكة، نتيجة لارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج النفطي، حيث حقق فائضا بلغ نحو 5.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2021، مقارنة بعجزه الذي بلغ 3.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2020، مشيرا إلى تجاوز الصادرات القوية المدفوعة بالنفط الواردات المتنامية، والتدفقات الخارجة الكبيرة الناتجة عن تحويلات العمالة الوافدة، ورغم تراجع الاحتياطيات الأجنبية، إلا أن أرصدتها الجيدة ظلت عند مستويات مريحة جدا. إلا أن فريق البعثة ذهب بعيدا في عديد من توصياته، فيما يتعلق بعديد من الجوانب والسياسات الكلية، كجانب الإبقاء على معدل ضريبة القيمة المضافة الجديد "الذي ارتفع بمقدار ثلاثة أضعاف أثناء جائحة كوفيد - 19"، وأوصى بتوسيع إمكانات زيادة الإيرادات المحتملة، مع أهمية تنفيذ استراتيجية متكاملة لإدارة الإيرادات تحسب تكاليف مبادرات زيادة الإيرادات، والسبب في ذلك على حد توصية فريق البعثة أن هذه النسبة تعد أدنى بكثير من متوسط مجموعة العشرين، ولهذا يتعين تحصيل مزيد من الإيرادات غير النفطية من خلال هذا الباب. والأخرى المتعلقة بإصلاحات أسعار الطاقة، التي رحبت بعثة الصندوق في مضمون بيانها الختامي المتعلق بهذا الجانب، بالتقدم المتحقق على طريقه، وما أدى إليه من خفض لمستويات الدعم بمقدار النصف خلال الفترة الزمنية ما بين 2010 و2020، إلا أن فريق البعثة رأى رغم كل هذا أن مستوى الدعم لا يزال مرتفعا، وأنه في ظل الارتفاع الكبير لأسعار النفط، فإن المجال متاح، على حد قول فريق البعثة، لرفع الحد الأقصى لأسعار البنزين، والنظر في زيادة أسعار منتجات الوقود الأخرى بقدر أكبر مما تم ومما كان مخططا له، وذهب فريق البعثة إلى التوصية بتخصيص جزء من المدخرات المتحققة نتيجة هذه الزيادات، وتركيزها على توسيع البرامج الاجتماعية الموجهة بدقة نحو المستحقين بما فيها برنامج «ضمان» و«حساب المواطن»، واختتم فريق البعثة توصيته في هذا الجانب، بنصح المملكة بالتحول نحو نظام شبكة الأمان الاجتماعي المبني على أساس الاحتياج، وذلك رغم الجهود المستمرة للحكومة في إطار سعيها لإصلاح نظام الضمان الاجتماعي، استهدافا لإنشاء سجل اجتماعي موحد. بداية لا بد من التأكيد أن الجزء الأكبر من السياسات الاقتصادية التي اتخذتها الأجهزة التنفيذية محليا، وأدت إلى جني تلك المكاسب الاقتصادية والمالية حتى الاجتماعية طوال العامين الماضيين، وحظيت بإشادة فريق البعثة حسبما ورد في بيانها الختامي، كان قد انبثق بالدرجة الأولى من صلب الاهتمام والعناية الكبيرين اللذين صدرا من لدن خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين - حفظهما الله -، وعملت الأجهزة التنفيذية المحلية ضمن منظومة متكاملة على تنفيذها وترجمتها على أرض الواقع، وحملت تلك التوجيهات السامية من القيادة المخلصة في بلادنا العزيزة على رأس أولوياتها القصوى المواطن والمقيم على حد سواء، وهو ما كان بوضع هذا الأمر في مقدمة أولويات السياسات الكلية التي تم اتخاذها طوال العامين الماضيين، وسخرت لأجله أكبر قدر ممكن من الحماية اللازمة تجاه التداعيات والمخاطر التي نشأت عن الجائحة العالمية لكوفيد - 19، ولا يزال الأمر كذلك بالتزامن مع ما جناه الاقتصاد الوطني ومختلف نشاطاته المتنوعة من ثمار إيجابية، كان صندوق النقد الدولي وغيره من الهيئات والمنظمات الدولية في مقدمة من أشاد بها طوال تلك الفترة حتى تاريخه، رغم أن جزءا كبيرا من أساسياتها نشأ في حقيقته من الرؤية الثاقبة لقيادتنا الرشيدة، وتبنت تنفيذها الأجهزة الحكومية التنفيذية، ضمن منظومة عمل متكاملة وقف على رأسها مباشرة ولي العهد. إن المملكة - بحمد الله - بما تتمتع به من متانة اقتصادية ومالية، وبما أصبحت تمتلكه من رؤية شاملة لمستقبلها الواعد ولدت بكاملها من أفكار ورؤى أبنائها، ومن خارج توصيات صندوق النقد وغيره من المؤسسات والهيئات الدولية عموما، وأثبتت نتائجها منذ ولادتها والبدء بتنفيذها وتوسيع مجالاتها لتشمل كل أوجه الحياة في المملكة، أنها تسير باقتصادنا ومجتمعنا نحو مزيد من التقدم والمنجزات، وأن أحد أهم وأكبر الأسباب التي أسهمت في جني ثمار ما يحظى به الاقتصاد الوطني اليوم، كان عائدا إلى الالتزام التام بتلك الرؤية، والاعتماد في كل ذلك على أعلى معايير الحوكمة، التي دفعت بالعمل الحكومي وشبه الحكومي وبمشاركة القطاع الخاص والمجتمع، ضمن منظومة عمل متكاملة، نحو ترجمة المستهدفات المحددة حتى قبل مواعيد استحقاقها. بناء على ذلك، فإن أي قرارات أو سياسات قد تتخذها المملكة سواء في المجالات التي أوصى حولها فريق بعثة الصندوق، أو في غيرها من المجالات، سيتم اتخاذها بناء على ما ترتئيه المملكة من خلال أجهزتها التنفيذية، وفي ظل التوجيهات السامية من لدن قيادتها، التي وضعت على رأس أولوياتها التنموية الإنسان السعودي حتى المقيم، وأنه أولا وأخيرا قد تم تصميم وإقرار رؤية شاملة واستراتيجية تتجاوز طموحاتها ومستهدفاتها جميع توصيات الصندوق الدولي وغيره من الهيئات والمنظمات، ولن يخرج أي من تلك الجهات الدولية مستقبلا عن الإشادة بما تم وسيتم تحقيقه - بمشيئة الله - على أرض الواقع من منجزات، استهدفتها مسبقا رؤية شاملة لبلادنا منذ منتصف 2016 ولا يزال العمل بها وتطويره ساريا حتى تاريخه، وسيستمر بتوفيق الله تعالى حتى نهاية 2030.
مشاركة :