الطريق إلى إفريقيا بين الحرير الصيني والحديد الغربي

  • 7/1/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ملهي شراحيلي تتوالى الدعوات، وترتفع الأصوات، وتتضاعف الاتهامات، وتتعمق الانقسامات، يوماً بعد يوم، بين الغرب المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، من جهة، وبين الشرق، المتمثل في الصين وروسيا. آخر تلك الخلافات، ما تناقلته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام، عن تحذير الصين، من إلحاق الضرر بأوروبا، من خلال تواجدها في الجناح الجنوبي(إفريقيا)، وردّا على ذلك فقد قرر القادة الغربيون الإعلان عن تخصيص مبالغ مالية “لمساعدة” دول إفريقيا، وفي الحقيقة أن تلك المساعدة ماهي إلا من أجل سحب البساط من تحت أقدام التنين الصيني الجاثم في إفريقيا منذ عقود، من خلال طريق الحرير الصيني، أو مشروع الحزام والطريق الذي تبنته الحكومة الصينية للوصول إلى القارة السمراء. لكن ماقصة الحرير الصيني… وطريق الحرير ؟؟! اكتشف الصينيون صناعة الحرير حوالي سنة 3000 قبل الميلاد، وعرفوا في هذا الوقت المبكر فنوناً مبهرة لإتقان صنعته وتطريزه، وقد أذهلت هذه الصناعة الناس قديماً، فسعوا لاقتناء الحرير بشتى السبل، حتى أنهم كانوا يحصلون عليه مقابل وزنه بالأحجار الكريمة. وقبل خمسة آلاف سنة، بدأ الحرير يأخذ طريقه من الصين إلى أرجاء العالم. ليس الحرير وحده بالطبع، وإنما برفقة بضائع كثيرة، مالبث انتقالها من الصين وأقاصي آسيا إلى أواسط آسيا وشمال أفريقيا ووسط أوروبا أن اتخذ مسارات محددة، عرفت منذ الزمن القديم باسم طريق الحرير. في واقع الأمر، فإن طريق الحرير لم يكن طريقاً واحداً، وإنما شبكة من الطرق الفرعية التي تصب في طرق أكبر أو بالأحرى في طريقين كبيرين، أحدهما شمالي (صيفي) والآخر شتوي جنوبي كانوا يسلكونه في زمن الشتاء، والذي يجمع بين هذه السبل والمسارات جميعاً هو أنها مسالك للقوافل المتجهة من الشرق إلى جهة الغرب، لتمر في طريقها ببلدان ما لبثت أن ازدهرت مع ازدهار هذا الطريق التجاري الأكثر شهرة في العالم القديم. وقد انتظمت مسارات طريق الحرير منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وظلت منتظمةً لألف وخمسمائة سنة تالية، كان طريق الحرير خلالها معبراً ثقافياً واجتماعياً ذا أثر عميق في المناطق التي يمر بها. لم يتوقف شأن طريق الحرير على كونه سبيل تجارة بين الأمم والشعوب القديمة، وإنما تجاوز (الاقتصاد العالمي) إلى آفاق إنسانية أخرى، فانتقلت عبره الديانات فعرف العالم البوذية وعرفت آسيا الإسلام وانتقل عبره البارود فعرفت الأمم الحروب المحتدمة المدمرة، وانتقل عبره الورق فحدثت طفرة كبرى في تراث الإنسانية مع النشاط التدويني الواسع الذي سَهَّل الورقُ أمره، وانتقلت عبره أنماط من (النظم الاجتماعية) التي لولاه كانت ستظل مدفونة في حواضر وسط آسيا، غير أن النشاط الاقتصادي، ظل دوماً هو العاملُ الأهم، والأظهر أثراً، ويكفى لبيان أثره وأهميته، أن طريق الحرير أدَّى إلى تراكم المخزون العالمي من الذهب في الصين، حتى أنه بحلول القرن العاشر الميلادي، صارت الصين وحدها، تمتلك من مخزون الذهب قدراً أكبر مما تمتلكه الدول الأوروبية مجتمعة. أما فيما يخص العرب وجزيرة العرب، كونها تتوسط الغرب والشرق، فقد كان الصينيون يجوبون مياه المحيط الهندي منذ العصور القديمة السابقة للميلاد، وكانت سفنهم تقوم برحلات طويلة فيما بين الموانئ الصينية وموانئ الهند الغربية، ومثل ذلك كان يفعل العرب فقد كانت سفنهم تبحر من موانئ الخليج العربي وساحل اليمن إلى موانئ الهند الغربية وإلى ساحل جنوب الهند حيث يلتقون هناك بالتجار الصينيين ويحصلون منهم ومن التجار الهنود على بضائع الصين والهند ويبيعونهم بضائع الجزيرة العربية الثمينة التي كان من أهمها البخور والعطور والنحاس واللبان واللؤلؤ. وبوصول البضائع الصينية والهندية إلى موانئ الجزيرة العربية، كان التجار العرب ينقلونها على متن سفنهم وعلى ظهور قوافلهم عبر شبكة من الطرق البرية والبحرية إلى بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين والشام ومصر وساحل الحبشة، ومنها إلى بلدان إفريقيا الأخرى. وظلت هذه الطرق سالكة حتى نشوب الحرب العالمية الثانية، فتقطعت أوصالها، واندثرت أطلالها، غير أن الحكومة الصينية قررت إعادة بنائها، وتجديد مسارها من خلال مشرع الحزام والطريق. واليوم يسير طريق الحرير الصيني البحري، من الساحل الصيني إلى الجنوب عبر هانوي إلى جاكرتا، وسنغافورة وكوالالمبور، عبر مضيق ملقا، وعبر السريلانكية كولمبو، نحو الطرف الجنوبي من الهند عبر ماليه عاصمة المالديف، وإلى شرق أفريقيا (مومباسا)، ومن هناك إلى جيبوتي، ثم عبر البحر الأحمر عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط، وهناك طريق حيفا، إسطنبول وأثينا إلى منطقة أعالي البحر الأدرياتيكي إلى محور الإيطالي الشمالي من تريستمع منفذ الملاحة الدولية وصلات السكك الحديدية لــ أوروبا الوسطى وبحر الشمال. ونتيجة لذلك، ترتبط بولندا ودول البلطيق وشمال أوروبا وأوروبا الوسطى أيضًا بطريق الحرير البحري. وخلال زيارته التي قام بها إلى كازاخستان، في سبتمبر 2013، قدم الرئيس الصيني شي جين بينغ، خطة لطريق حرير جديد من الصين إلى أوروبا. تتضمن التكرارات الأخيرة لهذه الخطة ، المسماة “حزام واحد طريق واحد” حزام طريق الحرير الاقتصادي وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين. ومنذ ذلك الحين أنشأت الصين آلاف الكيلو مترات من الطرق البرية، وسكك الحديد، وأقامت مدناً ومجمعات تجارية وموانئ بحربة في العديد من دول آسيا وإفريقيا وأوروبا، بغرض ربط شبكات الطرق هذه، البحرية منها والبرية، مع بعضها البعض لتشكل حزاماً يلف الكرة الأرضية، وينقل البضائع والمنتجات الصينية إلى جميع دول العالم، ومن خلاله تستقبل الصين النفط وما تحتاج إليه من دول العالم. غير أن أمريكا أوروبا لم يعجبها الأمر، وظلت تنظر لهذا المشروع بريبة وشك، وتتهم الصين باستغلاله لبسط نفوذها أكثر! أو بعبارة أخرى يرى الغرب أن الصين من خلال هذا المشروع سوف تسحب البساط من تحتهم. اليوم وفي الجلسة الأخيرة لقمة حلف الناتو، في مدريد، أعرب حلف الناتو عن قلقه من النفوذ الروسي والصيني المتزايد على جناحه الجنوبي، ولا سيما في إفريقيا!!!. أعرب حلف الناتو عن قلقه من النفوذ الروسي والصيني المتزايد على جناحه الجنوبي ولاسيما في إفريقيا، محذرا من خطر زعزعة استقرار هذه المناطق!!. حيث تناولت الجلسة “التهديدات والتحديات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل”. وأوضح الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، مختتما الاجتماع، أن الدول الأعضاء تطرقت خصوصا إلى مسألة “سعي روسيا والصين إلى تحقيق تقدم سياسي واقتصادي وعسكري في الجناح الجنوبي”. وأشار إلى أن ذلك يشكل “تحديا متزايدا” يريد الناتو التصدي له لاسيما “عبر تقديم مزيد من المساعدات” لشركائه في المنطقة، معلنا خصوصا خطة دعم لموريتانيا لمساعدة هذا البلد الإفريقي في ضمان أمن حدوده ومكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب. وشدد ستولتنبرغ على أن “لانعدام الأمن في هذه المناطق تأثيرا مباشرا على أمن الحلفاء”. ومن بين التهديدات غير التقليدية التي تمثل خطرا وخصوصا في هذه المناطق، تحدث حلف الناتو عن الإرهاب، لكن أيضا عن “استغلال” الهجرة غير الشرعية. وأخذت إسبانيا على عاتقها أن تجعل دول الحلف تدرك التهديدات للجناح الجنوبي للناتو خلال هذه القمة، وقد رحبت بقرار الحلف أن يولي اهتماما بذلك.! وقال رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، “لقد ضمنّا ألا يكون الجناح الجنوبي للناتو منسيا” في خريطة طريق الحلف. بإختصار، تحاول أوروبا إستخدام نفس الطريق الصيني، ولكن بطريقة أخرى، فالصين تنفق بسخاء في دول إفريقيا، في الطرق والمواصلات والخدمات اللوجستية تحت مسمى مشروع الحزام والطريق، أو طريق الحرير، والآن أوروبا سوف ترصد مبالغ طائلة تحت مسمى مساعدة دول إفريقيا!!. ويظل الطريق نفس الطريق، بس الخطى متباعدة، والآراء غير متطابقة، والرؤى متناقضة. وكل فريق يتهم الآخر بأنه يفبرك الحقائق، ويختلق الذرائع للنيل من الفريق الآخر، وكما قال الشاعر: أنت وأنا فى نفس الطريق بس الخطا متباعده .. ناظر وعدنا طاف في اللى درى ومن شاف ياقلبك الخـواف لاتسرق الوقت يا أجمل الوقت تكذب على واكذب عليك والقى الدفا برعشه ايديك نقضي كل العمر كل العمر نحلم بلحظه شارده .. ناظر وعدنا طاف في اللى درى ومن شاف ياقلبك الخـواف. ظهرت المقالة الطريق إلى إفريقيا بين الحرير الصيني والحديد الغربي أولاً على صحيفة الرؤية الإلكترونية السعودية .

مشاركة :