أبدى عدد من السياسيين الليبيين تشكيكهم وتخوفهم من مقترح أميركي لإدارة عوائد نفط بلادهم، عبر «آلية مستفيد» التي تهدف لضبط الإنفاق الحكومي «بشكل شفاف وعادل» بمعزل عن الصراع الراهن على السلطة. وتهدف هذه الآلية، التي تحدث عنها مبعوث الولايات المتحدة وسفيرها في ليبيا ريتشارد نورلاند، إلى توفير الأموال اللازمة للاحتياجات الأساسية للصحة والتعليم والغذاء والرواتب، بحيث تخصص بعض أموال موارد النفط لهذه الأغراض، تحت إشراف لجنة لمراقبة تدفق هذه الأموال وطريقة إنفاقها، سعياً لعدم استخدام ثروات النفط لأغراض سياسية في التنازع على السلطة. وانقسم جُل الليبيين بخصوص هذه الآلية، ما بين من اعتبرها «دليلاً على وجود مؤامرة غربية تقودها واشنطن بهدف إدامة الصراع الليبي، قصد تعميق السيطرة على ثروات النفط»، فيما رأى آخرون أن تطبيقها قد «يقود البلاد لسيناريوهات مظلمة». وفي هذا السياق قال عضو مجلس النواب الليبي، إسماعيل الشريف، إن «الدبلوماسية الأميركية لا تهتم كثيراً بالصراع القائم في ليبيا، لكن اهتمامها منصبّ على كيفية الهيمنة على ملف إدارة العوائد النفطية، وهو ما يرسخ الاعتقاد بأنها تتعمد إطالة أمد الأزمة». ومع توسع حجم الانتقادات التي يواجهها مقترح نورلاند، استبعد الشريف إمكانية تطبيقه، وقال إن «فرض أي وصاية دولية على النفط سيواجه بالرفض الشعبي، كونه يمس سيادة البلاد»، لافتاً إلى ما سماه «حالة توافق» أبدتها مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة للملف الليبي، ستيفاني ويليامز، مع مقترح نورلاند، بزعم أن هذا المقترح سيحد من شهية المتصارعين على السلطة ما يمهد لإجراء الانتخابات. في المقابل، يرى مراقبون أن رئيس حكومة «الوحدة»، عبد الحميد الدبيبة، قد يكون المتضرر الأكبر من هذه الآلية، خصوصاً أن غريمه فتحي باشاغا، رئيس حكومة «الاستقرار»، لم يتسلم أي أموال من ميزانية حكومته من قبل المصرف المركزي رغم إقرارها من مجلس النواب. أما عضو مجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، فقد أعرب عن قلقه وعدم استبعاده من أن تتمكن الولايات المتحدة من فرض رؤيتها لإدارة الموارد النفطية في ليبيا، نظراً لما تتلقاه من دعم دولي وإقليمي. لكنه استبعد أن تتم شرعنة الأمر عبر بوابة مجلس الأمن، لأن واشنطن ستتوقع، حسبه، اصطداماً مبكراً بـ(فيتو) روسي وصيني»، وقال بهذا الخصوص: «الأمر ليس كما يقول نورلاند مجرد مقترح، قد يقبله الشعب الليبي أو يرفضه، فالجميع يرصد توافق دول أوروبية وأخرى بالمنطقة للأسف مع هذا المقترح». مشيراً إلى أن واشنطن «هي من ستختار قيادات اللجنة التي ستكلف بتنفيذ الآلية، وبالتالي سيكون هؤلاء موالين لها وليس للبلاد، والشارع يفهم ويعي ذلك جيداً، ولذلك يستنكره ويرفضه»، لكنه أبرز في المقابل أن «هناك حلولاً كثيرة بديلة عن هذا المخطط، من بينها دعم الاتفاق الليبي - الليبي، الذي أفرز حكومة قادرة على بسط سيادتها على عموم البلاد، ما يؤهلها على إجراء الانتخابات»، في إشارة إلى حكومة باشاغا. ورأى بن شرادة أن رغبة واشنطن وحلفائها في الاحتفاظ بالسيطرة على المؤسسات المالية السيادية الثلاث، وهي المصرف المركزي ومؤسستي النفط والاستثمار، بعيداً عن كل ما يحدث من صراعات، قد تم الكشف عنه بوضوح عبر حديث نورلاند، الذي قال إنه يمكن «إتمام انتخابات في ظل وجود حكومتين». ويسعى نورلاند للحصول على موافقة مجلس النواب وحكومتي «الوحدة» و«الاستقرار» حول مقترحه، الذي قال إنه قد طرح للنقاش من قبل مجموعة العمل الاقتصادية، المنبثقة عن مؤتمر برلين، والتي تتشكل من أربع جهات هي الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة ومصر. في السياق ذاته، حذر زميل أول بمعهد الدراسات الدولية في جامعة «جونز هوبكنز»، الليبي حافظ الغويل، من أن «وضع النفط تحت إدارة دولية، وإن كان ممكناً من الناحية النظرية، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع غير مضمون النتائج»، لافتاً إلى أنه «لو ترك الأمر لليبيين فسوف يستمر الصراع على الثروة وعلى السلطة كنتيجة لذلك». وقارن الغويل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بين المقترح الأميركي وما حدث في العراق، ضمن البرنامج الأممي النفط مقابل الغذاء، وقال إن هذه التجربة انتهت «بنهب الثروات هناك بشكل موسع، وبالتالي لو وضعت هذه الآلية لدينا بطريقة غير صحيحة، وبدون مراقبة، فمن الممكن مواجهة المصير ذاته»، مشيراً إلى أن «إخراج الثروة النفطية من قبضة سلطات شرق ليبيا وغربها، والتي قد تستخدم لتمويل الميليشيات، قد يضعف قوة تلك الميليشيات، ومن المرجح أن تندفع للتحرك بشراسة، عبر فرض إتاوات لتعويض ما فقدته من أرباح». وانتهى الباحث إلى أنه «مهما كانت النوايا خلف هذا المقترح، فإنه لا يمكن فرضه تحت أي ظرف من قبل قوى أو دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، حال رفضه من الليبيين. وحتى لو صدر قرار من مجلس الأمن الدولي بتفعيل المقترح، فهذا المجلس الدولي أصدر الكثير من القرارات خلال 11 سنة مضت بشأن ليبيا ولم ينفذ معظمها، وفي مقدمتها حظر التسليح».
مشاركة :