في الواقع ليس هناك من معيار موضوعي ثابت في السياسة أو مميز قادر على ما هو حقيقي وخاطئ في هذا المجال، حتى يصبح الطريق مفتوحاً أمام كثيرا من المتغيرات، فإذا شئنا أن نذهب أبعد لرؤية الأشياء عن كثب، علينا أن ننتبه إلى الأساس الثابت في العلاقات الدولية وتاريخها مهما تقلبت الظروف فالتغيير الذي طرأ على سياسة بايدن وقرار إدارته بإعادة فتح الأبواب للتعاون مع حلفائها في المنطقة، قد يكون لأسباب دولية واقتصادية كحرب روسيا على أوكرانيا والتضخم. لكن الواقع يقول انها عودة عن خطأ جسيم ارتكب من واشنطن حين ابتعدت عن الشرق الاوسط مما اعطى الفرصة لمنافسيها الصين وروسيا لتعزيز علاقاتهم بالشرق الأوسط، وبالنظر لنتائج الزيارة فهي ضمن عودة مرونة العلاقات بين واشنطن والرياض التي ستعتمد بشكل أساسي على معطياتها الواقعية وحل المشاكل المرتبطة دائماً بظرف ناتج عن أحداث لا متوقعة ومفاجآت غيرت تلك المعطيات من خلال التعاون الكامل لحفظ امن المنطقة، فالرياض عاصمة القرار بالمنطقة ولا بد لواشنطن ان تعزز تحالفها مع المملكة ودول الخليج وان تتفهم مصالحهم وما يتعارض معها من توجهات واشنطن ببعض الملفات كالنووي الإيراني. فالحقيبة التي يحملها بايدن تحتوي على العديد من الملفات، قد يكون ضمن الأولويات تعزيز استقرار امدادات الطاقة في حال قطعت روسيا نفطها وغازها عن أوروبا، كما انه يريد تعميق الشراكة مع المملكة ودول الخليج والاردن ومصر والعراق في ملفات تدعم عودة الاستقرار للشرق الاوسط، بالإضافة لتعزيز ودعم الشراكة مع السعودية بشتى المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والامنية، وقد يطرح دعم حل الدولتين في قضية فلسطين وبالتالي اعادة احياء مفاوضات سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهو ما يتطلب طرح وشرح نظرة البيت الابيض لمبادرتهم أو أفكارهم الجديدة بهذا الشأن . وأضف إلى ذلك احتمال استمالة المصالح الاقتصادية الأميركية من جديد إلى الدول العربية حتى لا تكون الساحة بهذا المجال لصالح الصين تحديدا، اضافة لتوضيح ما يدور بمفاوضات الملف النووي لإيران وما هي خطة واشنطن للجم ارهاب طهران. فهل وجد الرئيس الأمريكي إجابة لتساؤله الذي تناقلته وسائل الإعلام العربية والعالمية عبر صفحاتها وشاشاتها عن مقال كان عنوانه «لماذا سأذهب إلى السعودية»، قبيل قدومه للمملكة، وهل هو اعتراف بأخطاء سياسية اضعفت الدور الامريكي ليس بالشرق الاوسط بل بالعالم واعطت بهذه التقلبات السياسية الفرصة للصين ولروسيا لتكونان دولتين متوسعتين بعلاقاتهما التجارية مع دول العالم والشرق الاوسط. من هنا نتساءل، هل حرب روسيا هي التي اظهرت سوء سياستهم السابقة ام انهم استشعروا ذلك عندما تبدلت المعطيات الدولية العديدة والتي عززت من قدرة بكين وموسكو ان تكونان هما الحليفان الاكثر موضوعية وفائدة لأغلب دول العالم وخصوصا السعودية القلب النابض في الشرق الأوسط.
مشاركة :