حاصرت قوة مسلحة تابعة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة الخميس مبنى المؤسسة الوطنية للنفط، عقب رفض رئيسها مصطفى صنع الله أمرا حكوميا بإقالته، معتبرا أن رئيس الوزراء لا يملك صلاحية ذلك، الأمر الذي يثير احتمال حدوث صراع مفتوح للسيطرة على المؤسسة الحكومية المنتجة للنفط. وأكدت المؤسسة الوطنية للنفط صباح الخميس التقارير الواردة بشأن وجود عدد من السيارات المسلحة في نطاق مبنى المؤسسة الرئيسي بالعاصمة طرابلس. وقالت المؤسسة في بيان نشرته عبر صفحتها على فيسبوك "حسب ما هو مكتوب ومدوّن على هذه السيارات تشير تبعيتهم إلى الغرفة الأمنية المشتركة مصراتة، وهي معلومة التبيعة للجميع". وأكدت المؤسسة أن "حماية مبنى المؤسسة واجب وطني تجاه كل شخص غيور على هذا الصرح، الذي يمثل كل الليبيين"، محملة في الوقت نفسه "هذه القوة ومن يكلفها بالتواجد في أسوار المقر الرئيسي للمؤسسة مسؤولية أي عمل تقوم به، سواء بعرقلة عمل الإدارات العاملة بها أو موظفيها بشكل اعتيادي أو غيره". كما حمّلت الدبيبة وآمر القوة الموجودة في نطاق مبنى المؤسسة عمر بوغدادة، مسؤولية التعرض بأذى لأي موظف بالقطاع. ودعت المؤسسة في ختام بيانها "جميع الجهات السيادية بالدولة الليبية إلى القيام بواجبها للحفاظ على مؤسسة كل الليبيين". وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في وقت سابق الخميس أنباء عن وجود قوة عسكرية حول مقر المؤسسة، وأن ثمة محاولة لاقتحامها. ويأتي هذا على خلفية إصدار الدبيبة الثلاثاء قرارا بتعيين فرحات بن قدارة ليحل محل صنع الله كرئيس للمؤسسة الوطنية للنفط، ثم شكل لجنة لإدارة الانتقال. لكن صنع الله الذي وصل المقر الرئيسي للمؤسسة بالعاصمة الليبية طرابلس في وقت سابق الخميس، بعد عودته من أداء مناسك فريضة الحج، شنّ هجوما حادا على الدبيبة. وفي كلمة عاصفة بثها التلفزيون قال صنع الله إن صلاحية حكومة الدبيبة انتهت، وحذره من المساس بالمؤسسة. وأضاف أنه موجود في المؤسسة والعمل مستمر، مضيفا أن كافة قرارات الدبيبة باطلة وحكومته انتهت ولايتها. وتواترت تسريبات منذ انتشار خبر إقالة صنع الله مفادها أن اتفاقا جرى بين ممثلين للقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر والدبيبة ينص على إقالة صنع الله، الذي يتهمه الشرق بالانحياز إلى الحكومات في طرابلس وتيار الإسلام السياسي منذ تعيينه في 2015، وتسديد ديون على المؤسسة العسكرية منذ حرب طرابلس، مقابل دعم البرلمان لتعديل وزاري سيجريه الدبيبة قريبا وإسقاط حكومة فتحي باشاغا. والسيطرة على إيرادات ليبيا النفطية من خلال مؤسسة النفط والبنك المركزي هي الجائزة الرئيسية للفصائل المتناحرة منذ انتفاضة 2011، التي دعمها حلف شمال الأطلسي وأدت إلى فوضى وعنف على مدى سنوات في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا. ولصنع الله علاقات وطيدة مع شركات النفط الأجنبية العاملة في ليبيا، ونشبت خلافات مرارا بينه وبين وزير النفط في حكومة الدبيبة محمد عون. وطيلة السنوات الماضية دخل صنع الله في خلافات كبيرة مع الحكومات المتعاقبة، كما أنّه على عداء مع الصديق الكبير، محافظ البنك المركزي الليبي، الذي يتّهمه بالتصرّف بطريقة "غير عادلة" بإيرادات النفط وحجب الميزانيات اللازمة لدعم المنشآت النفطية. أما بن قدارة (57 عاما) فهو مصرفي تنحدر أصوله من بنغازي (شرق) وتقلّد مناصب عدّة في مجال البنوك والمال والأعمال في ليبيا وخارجها. وكان أبرز هذه المناصب تولّيه منصب محافظ البنك المركزي بين عامي 2006 و2011 في عهد الزعيم الراحل معمّر القذافي. ويقول محللون إن تعيين بن قدارة، وهو حليف معروف لحفتر، لإدارة المؤسسة الوطنية للنفط قد يكون محاولة من جانب الدبيبة لترسيخ وضعه في طرابلس. ويعني الصراع على السلطة أن القرارات المهمة مثل تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط قد تواجه معارضة شرسة. وتسبب الوضع السياسي الفوضوي في ليبيا في خسارة 850 ألف برميل من إنتاج النفط هذا العام، بسبب حصار من الفصائل المتمركزة في الشرق، ما يلقي الضوء على المخاطر التي تواجهها إمدادات الطاقة التي تواجه بالفعل ضغوطا عالمية. وكانت دول غربية عدّة دعت إلى النأي بقطاع النفط في ليبيا عن الصراعات والمحافظة على استقرار إدارة النفط، الذي تشكّل واردته أكثر من 96 في المئة من إيرادات ليبيا من العملة الصعبة. وفي بيان منفصل، قالت المؤسسة الوطنية للنفط الثلاثاء إنها ستستأنف صادرات الخام من ميناءي البريقة والزويتينة في شرق البلاد، وتأمل في استئناف الإنتاج من حقول مغلقة قريبا. لكن الجماعات المشاركة في عمليات الإغلاق رفضت هذا البيان الأربعاء في رسالة مصورة. وكانت الجماعات قد طالبت في السابق الدبيبة بالاستقالة لصالح باشاغا، ويقول دبلوماسيون إنهم متحالفون مع قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر. ومنذ أبريل الماضي تواجه ليبيا أزمة حادة بسبب تراجع إنتاج النفط، بسبب إغلاق مجموعات محلية وقبلية ستة حقول وموانئ في شرق البلاد، احتجاجا على استمرار رئاسة الدبيبة للحكومة في طرابلس وعدم تسليمه السلطة إلى الحكومة الجديدة المعيّنة من مجلس النواب. وقبل أسبوعين أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط أنّ حجم الخسائر المالية الناجمة عن إغلاق المنشآت النفطية في شرق البلاد تجاوز 3.5 مليار دولار. ويتفاقم الانقسام في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس انبثقت من اتفاق سياسي قبل عام ونصف العام يرأسها الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة، والثانية برئاسة باشاغا عيّنها البرلمان في فبراير ومنحها ثقته في مارس وتتّخذ من سرت (وسط) مقرّا مؤقتا لها، بعدما مُنعت من دخول طرابلس رغم محاولتها ذلك.
مشاركة :