انعكست الحرب الأهلية التي تعيشها سوريا من عام 2011 على جوانب الحياة كافة، بما في ذلك الثقافية منها، حيث لم تكن الإنتاجات الفنية والأدبية والثقافية بعيدة عن تصوير الحرب وآثارها وتداعياتها على السوريين، وتم إنتاج العشرات من الأعمال المتنوعة من حيث النوع والشكل والمدة الزمنية وطريقة المعالجة، ضمن محاولات نقل المعاناة التي يعيشها السوريون منذ أعوام. “من أجل سما” أو “فور سما”، هو أحد هذه الإنتاجات السورية التي تحكي المأساة الإنسانية السورية من وجهة نظر سينمائية، وذلك في إطار فيلم وثائقي عن قصة فتاة تحمل اسم الفيلم نفسه “سما” ولدت في الحرب. الفيلم من إخراج الصحافية والمخرجة والناشطة السورية وعد الخطيب، وقد شاركت به في عدة مهرجانات سينمائية في عدد من دول العالم. ومؤخرا، حلّ الفيلم ضيفا على أسبوع السينما في تركيا. "فور سما" هو أحد الإنتاجات الفنية السورية التي تحكي المأساة الإنسانية السورية من وجهة نظر سينمائية ويروي الفيلم آثار الحرب من وجهة نظر امرأة سورية، ويتناول معاناة وعد الخطيب التي كانت شاهدة على ثورة مدينة حلب السورية، وهي تقصّ ما عاشته لابنتها الصغيرة. 300 ساعة من الحرب داخل حلب السورية هي عمر ما رصدته المخرجة بمساعدة المخرج البريطاني إدوارد واتس، ليخرج فيلم “من أجل سما” إلى النور، فظهر على أنه عن رسالة حب تبعثها وعد لطفلتها سما. وتم تصوير الفيلم، ومدته 95 دقيقة، مع تعليق صوتي من وعد التي كانت صورت اللقطات منذ كانت طالبة جامعية عمرها 18 عاما في حلب تشهد بداية الانتفاضة. ويسرد الفيلم الوثائقي الأحداث التي وقعت في حياة وعد، الشابة التي أحبت صديقا، هو طبيب يدعى حمزة، ثم زفافهما وبعدها ولادة سما بينما يحتدم الصراع حولهما. وبدأت وعد توثيق الأحداث بكاميرا هاتفها المحمول قبل أن تنتقل تدريجيا لاستخدام معدات أكثر احترافية، مع بدئها في تقديم تقارير إخبارية من حلب على فترات للقناة الرابعة البريطانية. وفي فيلم “من أجل سما” صورت وعد الأحداث يوميا بمستشفى زوجها، وهو المستشفى الوحيد الذي كان يعمل في حلب آنذاك، والأوضاع المعيشية للأسر التي اختارت البقاء في المدينة المحاصرة مثل أسرتها. وفي مشاهد مفزعة رأى الجمهور وعد والناس من حولها يمرون بتجربة فقدان الأحبة والنجاة، وهم يتجادلون حول ما إذا كانوا سينزحون أم سيبقون كما هم في حلب. وفي تلك الظروف حملت وعد بابنتها الثانية تيما، واضطرت أسرتها إلى مغادرة سوريا. وبعد أن قضوا عاما في تركيا، استقر بهم المقام حاليا في لندن حيث اشتركت مع البريطاني إدوارد واتس وحوّلا معا مئات الساعات من اللقطات المصورة إلى فيلم وثائقي. وجاءت أحداث الفيلم من وجهة نظر وعد الخطيب وطفلتها الرضيعة، حيث يرفض أهلها مغادرة المدينة من أجل مستقبل أفضل، إلى أن يجبروا على التهجير بعد المرور بتجربة الحرب الأليمة. وفي تصريحات صحافية أعربت الخطيب عن سعادتها لعرض فيلمها الوثائقي في تركيا، وعن ردود الفعل تجاهه. وحكت كيف أنها عاشت طوال خمس سنوات في أحد المستشفيات تحت القصف برفقة زوجها وابنتها. وعد الخطيب: العثور على الأمل لا يزال صعبا لدى اللاجئين وعد الخطيب: العثور على الأمل لا يزال صعبا لدى اللاجئين ووفقا لها، شهد الآلاف من الأشخاص وقتها العديد من الفظائع، مثل الحصار والقصف والهجوم الكيمياوي وتفجير المدارس، على يد النظام السوري وداعميه روسيا وإيران وحزب الله اللبناني. وتابعت الخطيب “المشكلة لم تكن بسبب الثورة السورية عام 2011، بل تتمثل في كيف كان نظام بشار الأسد يعيد تشكيل البلاد، وفي الفساد والظلم والاختفاء القسري واعتقالات المواطنين لعدة سنوات، وفوق كل ذلك لم نكن نتمتع بالحرية والاحترام في بلدنا”. وذكرت أن “السوريين تدفقوا إلى الشوارع والميادين عقب اندلاع الثورة طلبا للحرية ولمستقبل أفضل لهم ولأبنائهم، فتعرّضوا للضرب والسجن والقصف والقتل، وبعد مدة لم يعودوا قادرين على تحمّل ذلك فاضطر الكثيرون منهم إلى ترك وطنهم والهرب إلى أماكن أخرى حفاظا على حياتهم وحياة أبنائهم”. لكن فصلا جديدا من المعاناة بدأ مع اللجوء، حيث لم يكن طريق الهجرة معبّدا أمام الهاربين من خطر الموت، كذلك كانت الأوضاع الاقتصادية والإنسانية صعبة. وفي هذا المجال، لفتت الخطيب إلى أن السوريين بعد أن اضطروا إلى اللجوء إلى بلدان أخرى وبدء حياة جديدة، بدأوا يواجهون العديد من المشاكل والأزمات، أبرزها العنصرية. وتقول وعد الخطيب إن “النظام السوري لا يزال يسيطر على سوريا بدعم من روسيا وإن كل الحكومات ترى ذلك وتقبله، ثم يتحدثون عن اللاجئين وكأنهم مشكلة قائمة بذاتها”. الفيلم يروي آثار الحرب من وجهة نظر امرأة سورية، ويتناول معاناة وعد الخطيب التي كانت شاهدة على ثورة مدينة حلب السورية وتشدد على أن “أزمة اللاجئين هي نتيجة ومحصلة لكلّ ما يحدث في سوريا، المشكلة هي ما فعله نظام الأسد في سوريا والجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري”. وأوضحت الخطيب أنها عقب اضطرارها إلى الخروج من حلب، اعتقدت أنه لا يوجد أمل في أي مكان، وأنها عاجزة عن فعل أي شيء. وتضيف أنها حاولت بعد ذلك تصوير الفيلم الوثائقي “من أجل سما”. وبرأي المخرجة السورية “الوضع لا يزال سيئا بالنسبة للاجئين، والعثور على الأمل لا يزال صعبا جدا”. وعبّرت عن شعورها بردود فعل المشاهدين عقب عرض الفيلم، وقالت إنها تعتقد أن “المشاهدين فهموا وأدركوا معاناة السوريين وكيف أنهم لم يكونوا يريدون الخروج من وطنهم، وأنهم حاربوا كل يوم سعيا للبقاء في بلدهم، حتى أصبح ذلك أمرا مستحيلا”. وبحسب الخطيب، “هذه الأفلام يمكن أن تساعد في فهم الناس لما يعانيه السوريون بشكل أفضل”، وأن يضعوا أنفسهم في مكانها ومكان طفلتها الصغيرة حتى يفهموا الوضع بشكل صحيح. ورغم أن الفيلم أنتج عام 2019، إلا أنه لا يزال يُعرض في العديد من البلدان حول العالم، ناقلا مأساة التجربة السورية باللجوء القسري إلى مختلف الشعوب والبلدان. وتم ترشيح الفيلم في العام 2020 لجائزة أوسكار كأفضل فيلم وثائقي، كما رُشح لأربع من جوائز الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون “بافتا”، مما جعله الفيلم الوثائقي الأكثر ترشيحا في تاريخ الأكاديمية. كما حصد الفيلم جائزة العين الذهبية لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان كان السينمائي العام الماضي.
مشاركة :