سؤال المقال لا يزال قائما، ونواصل اليوم حديثنا عن أدوات وخيارات الحكومات في السيطرة على ارتفاع الأسعار، هناك ثلاث طرق أساسية في ترويض التضخم، وسنتحدث اليوم عن أول تلك الطرق. نظام ضبط الأسعار price control، وقد تبناه نيكسون، ويعد من أدوات التدخل المباشرة في الاقتصاد وتعطيل قوى السوق مؤقتا، أي أنه تقييد تنظيمي للأسعار من الحكومة للسلع الاستهلاكية الأساسية في الأسواق الحرة مثل الوقود والطعام والإيجارات، وفي الأغلب يستخدم هذا النموذج في أوقات الحروب والكوارث والأزمات الاقتصادية، كما يستخدم في فترات الإصلاح التنافسي مثل تقييد الإيجارات حتى زيادة معروض الوحدات السكنية، وتم تطبيق rent ceiling للإيجارات بعد الحرب العالمية في مدينة نيويورك أو بسبب خلل السياسات الاقتصادية. هناك أسلوبان في ضبط الأسعار، أولا، الحد الأدنى للسعر Price Floor ولا يعد السعر مقبولا إذا انخفض عن هذا المعدل ويستخدم لحماية الأسواق، ومن تطبيقاته دعم المنتجين والحد الأدنى للأجور ومنع حروب الأسعار بين الشركات في التجارة الداخلية، وتسعير السلع المضرة بالصحة مثل التبغ دون ضريبة، ويسمى هذا النوع دعم الأسعار price support بشرط أن يكون أعلى من سعر التوازن. ثانيا، أسلوب التسعير بسقف سعري ويسمى Price Ceiling يستخدم لحماية المستهلكين ويحد من انخفاض القيمة الحقيقية للأجور المكتسبة عن أسعار السلع ويقلص من التلاعب بالأسعار في فترات التضخم المفرط، لكن يؤدي إلى مشكلات على المدى الطويل وخسائر للمنتجين وانخفاض الجودة أو انحسار المكاسب القصوى بسبب تقييد السلوك الطبيعي للأسواق الحرة، لذا مفيد على المدى القصير، وكما يقال لكل سياسة حكومية رابحون وخاسرون. ففي صيف 1971، الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون جمد الأسعار والأجور في جميع الولايات، للسيطرة على ارتفاع الأسعار، واعتمد قرار نيكسون على قانون الاستقرار الاقتصادي 1970 لتثبيت الأسعار والإيجارات وأجور العمل وأسعار الفائدة والأرباح والتحويلات، فالتضخم في تلك المرحلة كان تضخما ركوديا ولم يكن مشهورا هذا النوع وكان يسمى التضخم المصحوب بالركود، وهو ناتج عن الآثار السابقة لحرب فيتنام وأزمة الطاقة وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وانخفاض عدد القوى العاملة، وبموجب قانون الاستقرار الاقتصادي أنشأ وكالة مستقلة بمسمى مجلس تكلفة المعيشة، وتم تنفيذ البرامج على أربع مراحل، في المرحلة الأولى جمد الأسعار والأجور لمدة 90 يوما شملت مراقبة ممارسة الأعمال، أما المرحلة الثانية كلف مجلس تكلفة المعيشة بمراقبة الأسعار ومتابعتها، وفي المرحلة الثالثة تم فرض تجميد للأسعار بطرق انتقائية على المدخلات الضرورية في بعض الضروريات وبشكل انتقائي مثل أعلاف الحيوانات التي هي مدخلات إنتاج اللحوم والدواجن والحليب، والمرحلة الرابعة والأخيرة وهي مرحلة الامتثال الاختياري من القطاع الخاص ثم الإلغاء التدريجي للسيطرة على الأسعار price control بنهاية 1974. ومن اللافت في برنامج مكافحة التضخم، أن نيكسون كان يدرك مخاطر هذا الأسلوب بحسب خطاباته.
مشاركة :