كيف تتعامل الحكومات مع التضخم؟ «3 من 4»

  • 7/18/2022
  • 23:31
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حديثنا اليوم عن الأسلوب الثاني للتحكم في التضخم عبر السياسات النقدية. وقبل البدء، علينا توضيح الفرق بين ارتفاع الأسعار والتضخم، نمو الأسعار أمر طبيعي بسبب ميكانيكية عمل الأموال الحديثة، لذا نمو الأسعار مع الزمن وعلى فترات زمنية متباعدة نسبيا لا يعد تضخما، التضخم هو صعود جماعي للأسعار في الوقت نفسه، بمعنى آخر، التضخم هو سرعة وتيرة تراجع القوة الشرائية لأموال المستهلكين، وارتفاع الأسعار في فترات زمنية قصيرة بطريقة يشعر بها الناس. الأسلوب الأكثر شهرة بين الدول للسيطرة على التضخم مهما كانت أسبابه، سحب الأموال من الأسواق والناس عبر رفع سعر الفائدة، أي رفع تكلفة القروض على المستهلكين والشركات، ويشار إليه بالسياسة النقدية الانكماشية، وهذا يقلص تدفق الأموال من البنوك إلى الاقتصاد، وبالتالي يتراجع الطلب نتيجة لتراجع حجم الأموال. كما أن البنوك المركزية تؤثر في أسعار الفائدة من خلال تغيير حجم ونسب الاحتياطي للبنوك Reserve، وهي نسب من أموال لا يسمح بإقراضها. بمعنى آخر، إن هذه الأموال المحتجزة في البنوك بأمر البنك المركزي هدفها تقليل تدفق الأموال إلى الاقتصاد، وبالتالي تؤدي إلى تراجع التضخم. أما النوع الآخر من السياسات النقدية، ويعرف بعمليات السوق المفتوحة، وتتدخل البنوك المركزية فيها عبر اتفاقيات إعادة الشراء "الريبو" واتفاقيات إعادة الشراء العكسي "الريبو العكسي"، والفرق بينهما أن الريبو خاص بمعدل الفوائد على البنوك التجارية عند اقتراضها من البنك المركزي، أما الريبو العكسي فهو معدل الفائدة التي يدفعها البنك المركزي للمصارف عند الاحتفاظ بأموال المصارف لديه، وهي طريقة لتقليص حجم الأموال في المصارف، أي إن تجارة النقود التي كانت بين البنوك التجارية والأفراد والشركات سيذهب جزء منها إلى تجارة مغلقة ـ إن صح التعبير ـ بين البنوك التجارية والبنك المركزي عندما يرتفع سعر الريبو العكسي بمعدلات أعلى، لأن البنوك ستكسب مزيدا من الأموال عندما تضع جزءا من أموالها لدى البنك المركزي بدلا من إقراضها للشركات والأفراد، ونتيجة لذلك تتناقص الأموال الزائدة من الأسواق وتتراجع الأسعار تبعا لذلك، ولا تلجأ المصارف إلى الاقتراض من البنوك المركزية إلا عندما تكون هناك مشكلة كبيرة في التدفق النقدي للبنك، وبدلا من ذلك يتم الاعتماد على ما يعرف بـ"السايبور"، أي اقتراض المصارف من بعضها دون اللجوء إلى البنك المركزي، إلا أن البنك المركزي السعودي - على سبيل المثال - يتدخل ويعزز سيولة المصارف عندما يرتفع السايبور، للمحافظة على إقراض القطاع الخاص والأفراد اعتمادا على تجارة النقود بين البنوك التجارية، وتحقيق ما يعرف بالهبوط الناعم soft-landing وهي محاولة لخفض التضخم وتجنب الانكماش والصدمات. وفي نهاية المطاف، وعلى الرغم من أهمية السياسات النقدية إلا أن أدواتها للتحكم في أنواع معينة من التضخم لا تزال غير فاعلة، وتأثرها مفرط في التلاعب بالنقد كمستودع للقيمة، إضافة إلى مشكلات اختلال العرض النقدي مع الناتج الحقيقي... يتبع.

مشاركة :