اللغة العربية تثبت عبر الزمن أنها لغة الإثراء والإعجاز وجزالة المعنى وسحر الوصف، لا شك وأنها لغة الكتاب الحكيم أنزل من رب العالمين على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، في كل حرف بل في كل حركة معنى مختلف يدعو لتأمل البيان وعمق اللفظ، واشتهر العرب بتغنيهم وتباهيهم بهذه اللغة العظيمة فنسجوا منها إبداعات الشعر والنثر والأمثال وغيرها، تستوقفني الكثير من الأمثال ولكن لكل منها «حكاية ومقام»، فمثلا مع كثرة الأحداث يكثر معها حطاب الليل وكان العرب يصفون الشخص الذي يتحدث في كل أموره من غث وسمين بحاطب ليل أي أن من يحتطب بالليل يخلط ما بين الجيد والرديء، فلا يفرق بينهما بسبب قلة الضوء وانتشار الظلام وهذا مثال رائع لمن يحطب أفكاره ليلا فقلة الضوء على العقل وكثرة الظلام تجعله حاطب ليل بامتياز. البارحة مررت بشارع وإذا بمدخله لوحة كتب عليها اسمه، ازدحام السيارات عند مدخل الشارع جعلني أتأنى في المسير فقرأت اسم الشارع، وإذا به اسم عظيم يستحق الوقوف بل وحتى السلام وهو (شارع الشيخ محمد بن عثيمين) بالدمام. تأملت شيخنا الفاضل وليتني أستخرج له مثالا جديدا في اللغة وأسميه حاطب النهار، هذا العالم الجليل الفاضل الزاهد احتطب من العلم الشرعي ووضح ونقح وأصدر الكثير من الفتاوى والأفكار وأنار العقول بالدروس والدعوة فترك الرديء ودحضه وجلب أجود الجيد. رغم وفاته رحمه الله قبل ما يقارب 21 عاما إلا أنه ترك أثرا عظيما جدا، عاش الشيخ 71 عاما جلها في العلم الشرعي طلبا ودعوة ومهام، ترك خلفه الكثير من الدروس والندوات والمحاضرات والمؤلفات والصوتيات، وصل علمه أصقاع الأرض حتى بعد وفاته. الشيء الجميل تحيط به أشياء جميله فكلما أتأمل الشيخ الفاضل رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وجميع المسلمين يأتيني معه كل شيء جميل فعنوان هذا المقال ابتكرته كذلك، فالشيء بالشيء يذكر. تذكرت كذلك شطر بيت الشعر العريق للإمام الشافعي الذي يقول (قد مات قوم وما ماتت فضائلهم) وأشهد أن فضائل الشيخ لم تمت. وهنا سؤال عريض، كيف يستطيع الإنسان أن يترك أثرا جميلا؟ في بيته ومكانه وعمله وبين الناس بحياته وبعد مماته؟ وكيف أيضا يترك عكس ذلك؟ ما بالنا إن ترك أثرا نافعا للناس يذكر به كل حين ويدعى له كل حين. تأملوا من حولنا من هم حطاب الليل ومن هم حطاب النهار نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الصنف الثاني ويبعدنا عن الأول.وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل بإذن الله أودعكم قائلا (النيات الطيبة لا تخسر أبدا).. في أمان الله.@Majid_alsuhaimi
مشاركة :