لماذا ينتقدون العقل العربي؟ - مهـا محمد الشريف

  • 12/24/2015
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

تباينت وجهات النظر والخلفيات الفكرية ومناهج المفكرين العرب المعاصرين في نقد العقل العربي ودفعنا هذا الأمر إلى مواجهة هذه التصنيفات التي أشار فيها برهان غليون لكثير من المفكرين ضمن التيار التغريبي، هذا وقد أفتى بأن العقل العربي قد تشكل بصورة نهائية في فترة ما من التاريخ، وأن العقل المعاصر مرتهن لعوائق تلك الصيغة وإشكالياتها ويعني أن العقل العربي في التراث غير العقل العربي المعاصر، وهذا ما يثبت أن العقل العربي كفكر موجود قبل أي ثقافة، مثلما أن عقل أوروبا في العصر الوسيط غير عقل أوروبا في عصر النهضة، ثم دعا إلى تأسيس عقلانية حديثة بين أزمة المجتمع وبين أزمة الفكر والثقافة، وبهذا المعنى نجد أن من مظاهر الاختلاف بين المفكرين العرب المعاصرين المشتغلين بإشكالية العقل والعقلانية أن يدعو بعضهم الى استعادة التراث استعادة نقدية، اما بعضهم الآخر فيرى أن ما يفيد هو طي الصفحة وقطيعة نهائية مع التراث. فإذا أردنا تسليط الضوء على العمل العلمي الذي أنجزه (الراحلان محمد أركون ومحمد عابد الجابري، منذ ثلث قرن؛ الأول في نقد العقل الإسلامي، والثاني في نقد العقل العربي، ومع أن مشتَرَكاً معرفيَّاً قام بين العَمَليْن المتزامنيْن؛ في الموضوعة والغاية المعرفية من النقد، إلاّ أن مساحات الاختلاف بينهما في المناهج، والنظام المفهومي، وطريقة المقاربة، ومساحة الموضوع المقروء، واسعة وغير قابلة للتجاهُل، لأسباب عدّة أقلها الاختلاف في المصادر المعرفية، وفي عُدّة الاشتغال النظرية، وفي الاستراتيجية المعرفية). لا يستطيع أحد أن ينكر أن الحضارة الإسلامية مثل غيرها من الحضارات لم تنشأ من فراغ ولم تظهر من العدم بل سبقتها حضارات عريقة أثرت فيها، واستنبط العقل الاسلامي منها مشروعا علميا مميزا لأن العقل العربي من قبل الإسلام اتصف بعدة نوادر لم يجدها الغرب في زمانهم، وقد كون مساحة من الاختلاف حوله فمنهم من تساءل هل ثمة شيء اسمه فكر عربي؟ وهل الفكر العربي حي يرزق أم أنه لم يولد اصلاً؟ وبناء على هذه التساؤلات سأقدم إجابات مختصرة:نعم يوجد فكر عربي مستقل عن الثقافة الغربية وعن الثقافة الاسلامية فقد أدرك العرب قبل الاسلام علوما عظيمة في جميع التخصصات والأقسام، وما احرزه العالم في هذا العصر نتيجة تركيبات عتيقة طورها العقل من قيمها الأساسية قدم العلماء حزمة من المعارف استفاد منها الغرب واستمرت إلى ما بعد ظهور الاسلام، فإذا ذهبنا إلى ما انتهى إليه البعض في تحليل العقل العربي، نجد أن الخطاب العربي والاسلامي القديم اقترنا في التعريف، ولا يمكن أن نذكر الخطاب العربي دونما نتبعه بالخطاب الإسلامي. تباينت ردود أفعال الجماهير من منطلقات مختلفة، فقد ارتبط العقل العربي بالاسلامي فالثقافة في مجملها هي ثقافة عربية- اسلامية، لم يترك لنا الراحل محمد عابد الجابري مجالاً إلا وسجله مع المفكرين والباحثين العرب طوال سيرته الفكرية، فإذا كان العقل التراثي باق رغم تأسيس عقلانية حديثة، لماذا خلفه أصوات تشكك في ذلك التأسيس؟ فإن العربي المعاصر يستمد علومه وطاقته المعرفية من المادة الدينية، وما نخلص إليه في هذا الظهور الجديد هو ما حملناه معنا في عصرنا من تراث بعضه مناسب والبعض الآخر لا يصلح لأن يكون حياً، وقد صنع تناقضات ذاتية في قلب القاعدة الاجتماعية. وعلى هذا الأساس تبنى الجابري المنهج الإبستمولوجي بغية التمكن من تفكيك العقل العربي والكشف عن مكوناته، ولم يدخل في مضمار العلوم الانسانية والمجتمع. إذن، يبدو أن مقاربة الماضي بالحاضر لها أهمية في العقل العربي وتأثره بالموروث من ناحية، والانخراط في عصر المستجدات من ناحية أخرى ما يجعلنا نجزم أن الثقافات الثلاث تنفصل عن بعضها وكل ثقافة لها فوائد على الأخرى، ويصعب التحرر من الربط بينها لولا اجتهادات كثير من العلماء والباحثين والمفكرين لتوضيح وتفنيد أن الفكر العربي موجود قبل أي ثقافة ينتمي لها.

مشاركة :