«بستان الكرز» لتشيخوف بنسخة هولنديّة مشوّهة

  • 12/24/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يُعتبر مهرجان الخريف من أهم المناسبات الفنية الباريسية السنوية، ويستضيف على مدار ثلاثة شهور، نخبة من الأعمال المسرحية كالاستعراضية والغنائية والراقصة، فوق خشبة فئة من أكبر مسارح العاصمة الفرنسية، كما أن الحدث يجذب جمهوراً عريضاً ويحتاج بالتالي إلى حجز البطاقات سلفاً لضمان العثور على أماكن شاغرة مهما كان اليوم أو الموعد المبرمج فيه العرض. وها هو المهرجان يستقبل في دورته الحالية، الفرقة المسرحية الهولندية «تي جي ستان» الشهيرة بمشاركتها الدورية في أكبر المناسبات المسرحية العالمية، مثل مهرجان إدنبره في اسكوتلندا وأفينيون في فرنسا وحتى مهرجان الخريف ذاته في بعض دوراته الماضية، لتقديم مسرحية أنطون تشيخوف الكلاسيكية اللامعة «بستان الكرز»، في قاعة مسرح «لا كولين» الباريسية الوطنية. وتهافت الجمهور منذ السهرة الافتتاحية للحدث، لمشاهدة أحد أهم أعمال تشيخوف وأبرزها، كون «بستان الكرز» هي آخر مسرحية كتبها الروسي في حياته، أي في مطلع القرن العشرين، والوحيدة شبه الكوميدية وسط قائمة إنجازاته الدرامية. تسارع الجمهور لاكتشاف ما هو الجديد الذي سيأتي به ستان الهولندي، مؤسس فرقة تي جي ستان ومخرج المسرحيات كافة التي تقدّمها في كل مكان، لدى تناوله أحد أقوى النصوص الكلاسيكية العالمية، وهو حال «حديقة الكرز». إلا أن خيبة الأمل كانت في الانتظار، نظراً الى التشويه الذي مارسه ستان في حق المسرحية، ورغبته في تقديم العمل إياه في حلة حديثة كاسراً كلاسيكيته، بل محطماً إياها من دون أن يرى المشاهد في هذه المبادرة أي ضرورة وأي تفسير. ويبدأ العرض بدخول أفراد الفرقة المشاركين في المسرحية كممثلين وعددهم عشرة، إلى الخشبة، بملابس معاصرة، وجلوسهم حول طاولة مستطيلة حيث يبدأون مناقشة معقدة من حول الدوافع التي أدت بالمخرج ستان إلى اختيار نص «حديقة الكرز»، فضلاً عن غيره وتقديمه في إطار مهرجان الخريف في باريس. روك آند رول وعقب هذه المقدمة السخيفة التي تتسنى مقارنتها بساعة سويسرية لا تقدّم ولا تؤخر، يختفي أفراد الفرقة في الكواليس قبل العودة إلى الخشبة مرتدين ملابس كلاسيكية ملائمة لأحداث النص التي تدور في القرن التاسع عشر في روسيا، حيث يرتبكون في الأداء في شكل لا يحترم التسلسل المنطقي الذي أراده تشيخوف. وها هم يتوقفون فجأة عن التمثيل ويدخلون في مناقشة جديدة في شأن كيفية أداء هذه الشخصية أو تلك، وهنا يعلن بعضهم عن احتجاجه على العملية بأكملها ويخرج من الخشبة ليقف وراء شاشة كبيرة شفافة منصوبة في خلفيتها ويستهل الرقص على أنغام موسيقى الروك آند رول، بينما يعود سائر الذين لم يغادروا المكان إلى التمثيل وكأن شيئاً لم يكن. وإذا أضفنا إلى الضجيج الذي يسبّبه تسميع نص تشيخوف على أنغام الموسيقى المذكورة، تميّز أفراد فرقة «تي جي ستان» بلكنة هولندية قوية عند تفوّههم باللغة الفرنسية، وهنا ندرك مدى الكارثة التي تنتظر جمهور مسرح «لا كولين» في كل أمسية. ويجب هنا لوم لجنة تنظيم مهرجان الخريف، كونها قد منحت ثقتها لفرقة «تي جي ستان» استناداً إلى أمجادها الماضية، وبالتالي من دون التحقيق في أمر مشروعها الآني، لكن هنا أيضاً يمكن أن تكون الخدعة قد وقفت وراء عنوان المسرحية ومؤلفها الوقور، فمن كان في إمكانه أن يتخيل مثل هذا اللعب في نص يتصف بدرجة من العبقرية لا تقبل التحوير.

مشاركة :