قال المحلل الاقتصادي ماجد مندور إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منغمس في لعبة اقتصادية محصلتها صفر مع ارتفاع التضخم في المستقبل، وتزايد الديون الضخمة يوما بعد يوم، وطرح في مقاربته التي نشرها على موقع “أوبن ديمكراسي- عرب دايجست” سؤالا محوريا: هل ينفد وقت القاهرة مع المساعي الحثيثة لإبقاء الاقتصاد المصري قائما؟ جاء الجواب القصير: نعم بالتأكيد، لأن نموذج التنمية الاقتصادية الذي يعتمد بشدة على الديون قابل للانهيار، حيث يستهلك مستوى الدين ما يزيد قليلا عن 50 في المئة من ميزانية الدولة. وليس أمام الحكومة المصرية من خيار سوى زيادة أسعار الفائدة، لأنها ستضطر إلى الاقتراض أكثر، لكن القاعدة الضريبية أضعف من أن تكون قادرة على سداد الديون، كما تمارس الموجة التضخمية العالمية ضغوطا كبيرة، لذلك أصبحت الخيارات محدودة للغاية. ◙ القاهرة تقترب من تبني خطة إنقاذ من صندوق النقد والشروع في إجراءات تقشف، لكن المشكلة تكمن في تقليص هيمنة الجيش على الاقتصاد ويحتاج الرئيس السيسي إما إلى قرض ضخم أو خطة إنقاذ أو إعادة هيكلة الديون في مرحلة ما، وفي ظل الوضع الاقتصادي العالمي، فإن هذا لن يكون وشيكا، والمفاوضات ليست سهلة. وتنفذ الخيارات على المدى القصير على الأقل، ولا يملك الرئيس المصري الكثير من الوقت لمعالجة الأمر، ما يجعل مصر في وضع اقتصادي صعب للغاية، واعترفت الحكومة -التي نادرا ما تقرّ بالعراقيل- بأنها تواجه مشكلة. فكيف يؤثر ذلك على المصريين العاديين عندما يذهبون إلى شراء المواد الغذائية أو يحاولون دفع الإيجار، وكيف تؤثر هذه الأزمة الاقتصادية عليهم؟ وتوقع ماجد مندور ارتفاع معدلات الفقر التي تبلغ بالفعل حوالي 30 في المئة، مذكّرا بأن هذا الرقم مأخوذ من إحصاء الحكومة، وربما تكون النسبة أكثر من ذلك، ولهذا تأثير قوي للغاية على الفقراء والطبقة الوسطى. وليس أمام النظام المصري خيارات كثيرة باستثناء تقليل الإنفاق الاجتماعي، وتمتنع الحكومة عن القيام بذلك لأنها تعرف أن هذا يزيد من المشاكل، حيث يبلغ معدل التضخم حوالي 40 في المئة، ولن ينخفض مع الضغط الكبير على الجنيه الذي فقد حوالي 18 في المئة من قيمته منذ شهرين، وقد يتجه النظام المصري إلى خفض قيمة الجنيه أكثر، ما يعني أن التضخم سوف يزداد. وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، ما يعني أن ضعف العملة يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وزيادة معاناة فئة كبيرة من السكان. ماجد مندور: الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منغمس في لعبة اقتصادية محصلتها صفر ويعتمد النموذج الذي يروج له الرئيس المصري بشكل كبير على الجيش، وفي حال فشل الاقتصاد بشكل جذري قد يصبح النظام معرضا لخطر الانقلاب. وهذا الأمر غير مستبعد، لأن المؤسسة العسكرية في مصر متماسكة، ولا يبدو الرئيس مضطرا إلى التعامل مع مركز قوة آخر داخلها، كما أن النظام المصري “صندوق أسود كامل”، ولا يوجد دعم شعبي لفكرة الانقلاب، ويجب أن يكون هناك نوع من الدعم الشعبي كي تنجح. وسيواجه الجيش المصري الذي كثيرا ما أشاد بنموذجه الاقتصادي، وأنّ ليس لديه نظير أو شريك مدني حاليا، وفي حالة حدوث انقلاب، صعوبات لتسويقه أو الاختباء خلف حكومة مدنية، ومتوقع أن يستمر النظام على ما هو عليه. وتسيطر النخب العسكرية على مفاتيح عديدة في الدولة، وتأتي الصعوبة من أن هذا لا يخضع لسيطرة مدنية على الإطلاق، ولا أحد يعرف بالضبط حجم نشاط الجيش الاقتصادي أو مدى تعقيداته، لكن ما هو واضح أنه ينمو، مقابل وجود انكماش في أداء القطاع الخاص. وتتركّز الصعوبة هنا على الضرائب، حيث لا يدفع الجيش ضرائب فعليا، وهو أحد أسباب الوضع المالي المتأزم الذي تواجهه البلاد الآن. وتبقى القاعدة الضريبية ضعيفة والنظام الضريبي تنازليا، وهو مصمم في الغالب نحو الاستهلاك، ما يضعف السوق في البلاد، والصادرات غير تنافسية، وتدور مصر في حلقة مفرغة، ويعمل النموذج الاقتصادي للجيش على جعلها أسوأ. وتلقت مصر ما يزيد قليلا عن 90 مليار دولار من بعض الدول الخليجية خاصة السعودية والإمارات في شكل قروض ومساعدات بين عامي 2011 و2019، معظمها غير مرتبطة بشروط كبيرة، وكانت بالغة الأهمية في السنوات الأولى من تأسيس النظام. يشار إلى أن نموذج السعوديين والإماراتيين في التعامل مع القاهرة آخذ في التغير، حيث يتجه نحو الاستثمار المباشر في الأصول المملوكة للدولة بدلا من مجرد تقديم المساعدة والقروض. ◙ الجيش المصري كثيرا ما أشاد بنموذجه الاقتصادي ◙ الجيش المصري كثيرا ما أشاد بنموذجه الاقتصادي وقال الرئيس السيسي في أبريل الماضي إنه يخطط لخصخصة 40 مليار دولار من القطاع العام، بواقع 10 مليارات دولار سنويا على مدار السنوات الأربع المقبلة، ويأتي المشترون الأساسيون بشكل أساسي من الخليج. وباتت مصر في حاجة إلى خطة إنقاذ ضخمة، والسيناريو الأكثر احتمالا أن القاهرة ستحاول الحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، وستكون هناك إجراءات تقشف قوية. ومن الصعوبة بمكان تقليص حجم الجيش في الاقتصاد، حيث ستكون العواقب كارثية، لأن القرار ليس سياسيا يمكن اتخاذه بسرعة، بل يستغرق تنفيذه وقتا طويلا، ويتطلب الكثير من التغييرات في القوانين واللوائح، فضلا عن التغييرات البيروقراطية في هيكل الدولة، وكيفية إدارة الأموال، والإصلاح الضريبي، وكل هذه تعهدات ضخمة لا يمتلك أحد الصلاحيات الكافية لتحقيقها.
مشاركة :