طهران - تراجعت العملة الإيرانية إلى مستوى قياسي حيث تجاوزت 500 ألف ريال مقابل الدولار اليوم الاثنين، فيما لا يرى المتعاملون في السوق نهاية في الأفق للعقوبات التي عمّقت جراح الاقتصاد الإيراني وتسببت في تدهور المقدرة الشرائية للإيرانيين، بينما تتواصل الاحتجاجات التي فاقمت أزمة محتدمة يصرّ النظام الإيراني على التقليل من تداعياتها. وأظهرت بيانات نشرها موقع "بونباست" الإلكتروني على الإنترنت الذي يجمع بيانات أولا بأول من مراكز صرافة إيرانية أن العملة المحلية هوت إلى مستوى متدن قياسي جديد أمام الدولار بلغ 501300 ريال. وفي الوقت الذي ارتفع فيه معدل التضخم إلى نحو 50 في المئة يسعى إيرانيون لملاذات آمنة للحفاظ على مدخراتهم بشراء الدولار وعملات صعبة أخرى أو شراء الذهب بما يشير إلى المزيد من الرياح المعاكسة التي ستقابل الريال الإيراني. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية فقدت العملة الإيرانية نحو 60 في المئة من قيمتها وأعلن البنك المركزي في تلك الأثناء أنه سيفتح مركزا جديدا لصرافة العملات الأجنبية لتسهيل الوصول إليها وزيادة كميات التحويلات الرسمية. وقال محافظ المركزي الإيراني محمد رضا فرزين في تصريحات للتلفزيون الرسمي اليوم الاثنين إن "سعر الصرف المحدد في تلك الصرافة سيكون سعر صرف السوق. يجب أن يحرره ذلك من عوامل التكهنات التي لا تعكس تقييمنا للموقف المالي للبلاد". ويدفع الاقتصاد الإيراني ثمن العقوبات الغربية التي تسببت أيضا في تدهور الأوضاع الاجتماعية عقب الانهيارات المتتالية للعملة، بينما يتزايد إنفاق السلطة على التسلح وتطوير قدرات قوات النظام الإيراني، في حين يحكم الحرس الثوري الإيراني قبضته على شرايين الحياة بامتلاكه إمبراطورية اقتصادية ضخمة أسسها مستفيدا من الإجراءات العقابية الغربية. وأظهرت بيانات العام الماضي أن متوسط الواردات لم يتجاوز 1.1 مليون طن، فيما قدّر مصدر تجاري غربي أن الشحنات العالقة خارج موانئ إيران تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار. وتعمّ الاضطرابات إيران في ظل استمرار الاحتجاجات التي تفجرت إثر وفاة الشابة مهسا أميني بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق ودعا خلالها المحتجون من كافة فئات المجتمع إلى سقوط نظام الحكم الديني، ما يمثل أحد أكبر التحديات للجمهورية الإسلامية التي يحكمها رجال الدين الشيعة منذ ثورة عام 1979. وتتعمق متاعب الاقتصاد الإيراني بسبب سياسات النظام وأنشطته الخارجية المزعزعة للاستقرار على غرار النفوذ الإيراني في سوريا والعراق وتسليح المتمردين الحوثيين في اليمن ومساعي طهران لاستهداف أمن المنطقة، ما أدى إلى مزيد عزلة البلاد وانعدام أي فرص للتعافي الاقتصادي. وتمر إيران بأصعب ظرف في تاريخها بعد أن ضيقت عليها واشنطن الخناق بعقوبات قاسية وضعت اقتصادها على حافة الانهيار، بينما تكابد الجمهورية الإسلامية لتجاوز الأزمة الخانقة التي امتدت ارتداداتها إلى أكثر من قطاع. وتستمر السلطات الإيرانية في تجاهل أثر العقوبات وإيهام الشارع الإيراني بأنه لا أهمية لها، فيما يئن الإيرانيون تحت وطأة دوامة اقتصادية طاحنة ولا تلوح في الأفق أي بوادر لانفراجها. وأثرت العقوبات بشكل رئيسي على القطاع النفطي الذي يعد أبرز الموارد الأساسية التي تعتمدها الحكومة لتغطية نفقاتها وتعمقت معاناة النظام الإيراني الذي فقد أهم عائداته، وسط تحذيرات من انتفاضة فقر بالنظر إلى الظروف المعيشية القاسية التي يشهدها الشارع الإيراني. وكانت إيران قبل العام 2018 تصدر أكثر من مليونين ونصف المليون برميل من النفط يوميا، فيما باتت الآن تصدر ما بين 100 و200 ألف برميل من النفط بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وعودة العقوبات. وتأتي التحركات الاحتجاجية في وقت حساس للغاية بالنسبة إلى النظام الإيراني الذي أنهكته العقوبات الاقتصادية الدولية المرتبطة ببرنامجه النووي وتعثر المفاوضات لإحياء اتفاقية فيينا لعام 2015، وسط تهديدات غربية بفرض عقوبات جديدة في حال واصلت طهران تهديداتها لأمن المنطقة واستفزازاتها النووية.
مشاركة :