يستعد البحرينيون لإجراء انتخابات عامة في الخريف المقبل، ستكون الثالثة منذ العام 2011، تاريخ تفجر احتجاجات عنيفة في المملكة، تقول السلطات البحرينية إن إيران من وقفت خلف تأجيجها. وتشمل الانتخابات المنتظرة اختيار أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم أربعين عضوا، وأعضاء المجالس البلدية. وقد بدأ العشرات من الراغبين في المشاركة في الاستحقاقين التقدم بأوراق ترشحهم، وجزء كبير منهم من رجال الأعمال وأصحاب المصالح الداعمين للسلطة. في المقابل يسجل غياب لافت للقوى والفاعلين السياسيين، ما ينذر بموسم انتخابي باهت خال من أي دسم سياسي. ويقول مراقبون إن جميع المؤشرات توحي بأن البرلمان المقبل لن يختلف عن البرلمان السابق، وإن مقاطعة قوى المعارضة الوطنية للاستحقاق، نتيجة التضييق السياسي، فسح المجال أمام نوعية من المرشحين لا تملك أي زاد سياسي أو تجارب في الشأن العام، وهي تسعى لتحقيق مكاسب شخصية ووجاهة من خلال السعي للوصول إلى قبة البرلمان. وأثّر حل الجمعيات السياسية الكبرى في البلاد في العام 2016 وما استتبعه من قوانين مثل قانون العزل السياسي، بشكل كبير على المشهد العام في البحرين، ودفع المعارضة بمختلف أطيافها وتلوناتها السياسية والفكرية إلى المقاطعة. التضييق السياسي في البحرين فسح المجال أمام نوعية من المرشحين لا تملك أي زاد سياسي أو تجارب في الشأن العام وينص قانون العزل السياسي الذي صدر قبيل انتخابات العام 2018، على منع قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية المعارضة والنشطاء الصادرة بحقهم أحكام قضائية (حتى أولئك المشمولين بالعفو) من المشاركة في الحياة السياسية، بما في ذلك الترشح لمجلس النواب. وكان عدد من النشطاء أبدوا تفاؤلا حذرا حيال إمكانية حدوث تغير في المشهد البحريني على يد ولي العهد رئيس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، الذي أظهر رغبة في تحقيق بعض الإصلاحات، لكنه يبقى مكبلا من قوى الشد العكسي، التي لا تروم أي تحول يهدد تموقعها في المشهد. وأقرّ العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة في يونيو الماضي تعديلات وزارية هي الأكبر في تاريخ البلاد، شملت سبع عشرة حقيبة، وتضمنت استحداث وزارات جديدة، مع تقليص عدد نواب رئيس الوزراء، وتعزيز حضور الطائفة الشيعية من خلال إسنادهم حقائب وزارية، في خطوة أحيت الأمل في حصول تغيير. وتضمن التعديل الذي دفع باتجاهه ولي العهد خفض مشاركة أفراد الأسرة المالكة في الحكومة إلى حدود النصف، فيما يبدو أن الهدف من ذلك احتواء حجم الانتقادات حيال سيطرة الأسرة على كامل مفاصل الدولة بما يشمل الجهاز التنفيذي. ويعتبر المراقبون أن منح شخصيات شيعية حقائب وزارية مع تخفيض مشاركة أعضاء الأسرة الحاكمة في الحكومة، خطوة إيجابية، وذات رمزية تعكس رغبة لدى الأمير سلمان في إحداث إصلاحات، لكن الأمر لا يبدو بالسهولة المتاحة في ظل وجود فروع من الأسرة الحاكمة، وفي مقدمتها فرع الخوالد، ترفض أي تغيير وتتمسك ببنيان شيدته خلال السنوات الماضية عبر دفعها بحزمة مثيرة للجدل من التشريعات تقوم على إلغاء أي نفس معارض. ويشير المراقبون إلى أن وضع جميع المعارضين البحرينيين في خانة العمالة لإيران، وبالتالي ضرورة إقصائهم وإغلاق أي مجال أمامهم للتحرك، هو ظاهرة غير صحية ولها تكلفتها الداخلية والخارجية في علاقة بصورة البلاد. ويلفت هؤلاء إلى أنه في حال أراد فعلا ولي العهد إعادة الروح للحياة السياسية في البحرين، فهو سيحتاج إلى أن يستثمر أكثر في المعارضين من غير المحسوبين على إيران. ويقول المراقبون إن ذلك لا يعني أنه لا تقع على المعارضة الوطنية مسؤولية، ذلك أن الاستكانة إلى الوضع الراهن والتعاطي السلبي من خلال العزوف عن المشاركة في الحياة السياسية، سيضعفان أي مسعى لدى الأمير سلمان لإحداث تغيير حقيقي. وأعربت لجنة الاعتمادات في مجلس النواب الأميركي مؤخرا عن قلقها بشأن انتخابات البحرين المنتظرة. ولفتت اللجنة في تقرير لها إلى استمرار استخدام السلطات البحرينيّة الاحتجاز التعسفي، والظروف القاسية في السجون، والقيود المفروضة على المشاركة السياسية، والقيود على حرية التعبير والصحافة والتجمع. وطلبت اللجنة من وزارة الخارجية الأميركية إعطاء الأولوية للعمل مع حكومة البحرين للإفراج عن المعتقلين السياسيين، ومحاكمتهم وفق المحاكمة القانونية الواجبة، وضمان حرية الانتخابات البرلمانية ونزاهتها، ومشاركة الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام المستقلة في الانتخابات المقرّر عقدها في نوفمبر 2022. وضع جميع المعارضين البحرينيين في خانة العمالة لإيران هو ظاهرة غير صحية ولها تكلفتها الداخلية والخارجية وضع جميع المعارضين البحرينيين في خانة العمالة لإيران هو ظاهرة غير صحية ولها تكلفتها الداخلية والخارجية وشدّدت على ضرورة أن يقدّم وزير الخارجية الأميركي تقريرا إلى لجان الاعتمادات خلال موعد لا يتجاوز ستين يوما بعد سن هذا القانون، ويجب أن يتضمّن تفاصيل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأميركية، لضمان إجراء الانتخابات البرلمانية في البحرين وفقا للمعايير الدولية واحترام الإرادة الحرة لشعب البحرين. ولفتت إلى أنّ السفير الأميركي في المنامة ستيفن بوندي وعد أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ أثناء جلسة الاستماع، بأن تكون حقوق الإنسان في البحرين على رأس أولويات أجندته، وأنّه سيعمل جاهدا على تعزيز حقوق الإنسان في البحرين. وبدأ الحراك الرسمي للانتخابات النيابية والبلدية في أبريل الماضي مع حملة إعلامية واسعة في الشوارع ووسائل الإعلام المختلفة، استعدادا لخوض الاستحقاق الانتخابي. واتخذت التحضيرات زخما أكبر في الأسابيع الأخيرة، وبدأ الإعلام الذي معظمه تسيطر عليه الحكومة في نشر أسماء المرشحين للاستحقاقيين وبرامجهم الانتخابية. وترافق هذا الحراك مع آخر لقوى المعارضة البحرينية المحسوبة على إيران يدعو إلى المواصلة في نهج المقاطعة، من ذلك دعوة رجل الدين الشيعي عيسى قاسم، الذي طالب بالوقوف في وجه ما وصفه بالمخطط الانتخابي في البحرين، محذرا من مغبة المشاركة في الانتخابات. ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية عن قاسم في بيان قوله “إن إنجاز عملية الانتخاب حسب مخطط رجعي لتحقيق الأهداف السلطوية المركزة للسياسة الانفرادية، والمضادة لمصلحة الشعب، لا يعني إلا نكسة جديدة للوطن، وتعميقا أشد لمأساة الشعب، وتثبيتا لدكتاتورية الحكم، وإطالة لأمد المحنة العامة التي يعاني منها أهل هذا البلد العزيز”. وطالب الجميع بحسب البيان، بالوقوف في وجه “الانتخابات المزيفة على الشعب، الملتفة على حقوقه، والتبرؤ منها في حال إجرائها”. ويعبّر بحرينيون عن خشيتهم من أن تلقى مثل هذه الدعوات صداها، لاسيما في ظل تململ شعبي من أداء البرلمان السابق الذي حاد عن دوره التشريعي والرقابي، ليتحول إلى صدى صوت الحكومة، فضلا عن أن غياب المعارضة الوطنية عن المشاركة في الاستحقاق المقبل يشكل عاملا إضافيا للتأثير على نسبة المشاركة في الاقتراع.
مشاركة :