تتفق الفلسفة التربوية على أهمية التربية والتعليم، ودورها الرائد في تشكيل الوعي، وبناء الشخصية، وصناعة النموذج للجيل القادم. لهذه الأهمية تعنى الدول بمدخلات التربية والتعليم ومخرجاتها من تبني فلسفة بناء الوعي ، واقرار مناهج وبرامج دراسية تدخل الفنون فيها العمود الفقري يكون "نص موازي" للعملية التربوية ومن هذه الفنون المسرح.. يعتبر المسرح فنٌ نبيل يُهذب النفس ويُقوِم العقل، وأُستعمِل كوسيلة تربويةً للأجيال الناشئة، إضافة إلى دوره التعليمي، تحمل المسرحية مغزى وعبرة، ولذلك تُعد المسرحية المقدمة للطفل أصعب أنواع الكتابات لما فيها من عناصر وشروط يجب توفرها، إن الكتابة للطفل تتطلب جهدا غير يسير ومهارات متعددة لإنتاج أدب يلبي حاجة الطفل، ويفتح أمامه آفاقا رحبة تحقق له رغباته ومن ثمة تهيئ شخصيته ليكون رجل المستقبل، لهذا فإن كاتب النص المسرحي للأطفال عليه أن يعيش عالمهم، ويتقمص شخصيتهم، ويفهم نفسيتهم، ويدرك بموضوعية قدراتهم، ويتفهم ملكاتهم، ومن ثمة يبدأ في الكتابة فيختار النص وعلومه بأسلوب اللفظ البسيط والفكرة الواضحة والتي تتوافق والتعامل الأسري التربوي، الكتابة الموجه للطفل تعتبر ركيزة أساسية، فالطفل يتفاعل معها "حدث/ شخصيات ويرقبها بدقة ، ويشاركها آمالها وآلامها، الجدير بالذكر ان كاتب النص يعتمد على خصوصيات فنية تختلف عن باقي خصوصيات الأجناس الأدبية الأخرى كالرّواية والشعر، والمسرحية كتبت لتشاهد وتعرض لجمهور معين، وهنا يصبح النص مكونا أساسيا كغيره من مكوّنات العرض المسرحي الحيّ المتمثل في الإخراج، السينوغرافيا، والتمثيل والموسيقى. وإن الخصوصية التي يحملها المسرح الموجه للطفل تجعلنا نبحث في أغواره بتوظيف مختلف المناهج والأدوات النقدية، وتندرج هذه المفاهيم والمناهج ضمن أحد المحاولات التي تهدف إلى معرفة مكونات الخطاب المسرحي للطفل والذي تمثل في تداخل فيها تنافذ الشخصيات الإنسانية بالمعرفة المستقبلية. فالمعني بالكتابة للطفل سوف يخاطب عقول الأطفال ومشاعرهم وتتحرك لها وتتأثر بها، ويمكننا ان نرى أهميتها في العرض المسرحي الموجه للطفل كوسيلة من وسائل التعبير المسرحي، لأن جميع صفاتها تجعلها في مقدمة تقنيات العرض المسرحي المعبرة عن غير الملموس ، لمميزاتها التعبيرية التي تؤهلها توسيع منافذ الشعور الداخلي للعرض في وجدان الطفل وذائقته الفنية والثقافية، و كيف يتم استقباله لها كمؤثر داعم ومساعد لفعل الشخصيات والمواقف وروح العرض ككل ،لذا وجب إيلاء الاهتمام الجدي للمفاهيم التربوية والمعرفية في العمل المسرحي الموجه للأطفال مع الفارق العمري. مجموعة نصوص هذه المجموعة المسرحية "رحلة زمن عبر الزمن" ومسرحيات اخرى للدكتورة زينب عبدالامير مع مشاركة الدكتور حسين علي هارف في نص مسرحي بعنوان يد بيد.. اما الشاعر جليل خزعل فقد ساهم في كتابة بعض من الأناشيد، وإليكم نصوص المجموعة والمتضمنة: - رحلة زمن عبر الزمن - علاء الدين والكتاب السحري - جرس حقي - فارس المشاكس والورقة العجيبة - يد بيد هي من التجارب المسرحية الجديدة والتي رأت فيها الكاتبة ضرورة مواكبة للتطوّر الذي عرفته مختلف الفنون وايضا ساهمت في تطوير المسرح نصا وعرضا. من تلك الأفكار "الحرية / النظرية النسبية لاينشتاين / الأفكار اليسارية....الخ من الافكار التي تحمل مضامين وجودية وعلمية وفلسفية.. اذن لم يعد المسرح اليوم مجرد فضاء للمتعة فحسب وانما اصبحت له وظائف جديدة تعدت ذلك الى منح النص جماليات خاصة على غرار ما تمنحه الشعرية النصوص الأدبية من جماليات ومعارف. وهذا ينسحب على جميع أنواع المسرح خاصة ذلك الموجه للطفل. ولعل مسرح الطفل أكثر المسارح إقبالا على توظيف تقنيات صورية الكترونية معبرة هي جزء من العرض ولشدة اهتمام الأطفال بالتكنولوجيا الرقمية التي أصبحت تمنح له عوالم خيالية سحرية تغذّي فضوله وحبه للمغامرة. وهذا ما دفع بالكاتبة الى الاشتغال على نصوصها الدرامية بحنكة العارف في مهنته إدراكا منها لمدى أهمية ذلك الفهم المعاصر في إكساب النص المسرحي الموجه للطفل بعدا مفاهيمي بالإضافة الى الخطاب الجمالي. الدكتورة زينب عبد الامير فقد اجادت بهذه التجربة "الكتابة للطفل" كونها تمتلك حصيلة معرفية، وتجربة مهنية كان لها الأثر في تفتيق موهبتها التأليفية، التي تخطت البدايات المتواضعة إلى مرحلة الصنعة في الكتابة، الكتابة بأسلوب السهل الممتنع، وربما جاءته فكرة توظيف التقنيات الفنية من وسائل التواصل الى الدرس المفاهيمي خطوة متقدمة لقيمة مواكبة الحداثة، والدراسة النفسية والاجتماعية للطفل وتكوينه المعرفي، وتوجهه الفكري، والعمل على صياغة خطاب مفاهيمي بيداغوجي داخل النصوص الدرامية كرسائل في شكلها وبنائها الهيكلي، وسياقها وبواعثها التأليفي، ايضا دقة المعلومة من المصادر التي استقت منها الكاتبة مادتها العلمية، أو استندت عليها في تحريرها، بما يمكن من استكناه مضامينها وحواملها المعرفية، واكتشاف وظائفها المفصحة عن "الذات الكاتبة". من مؤلفات الأستاذة الدكتورة زينب عبدالامير البيداغوجية "النصوص التربوية"، هذه النصوص الممتعة ,في عنوان هذه المجموعة دليل على الاهتمام في هذا الجانب الحيوي والمهم ، الكتابة لهذه الفئة المهمة داخل المجتمع قيمة كبرى.. تناولت هذه النصوص الفائدة العلمية وجمالية ، باعتبارها نسيجا من العلاقات المتشعبة الجديرة بالاكتشاف، فكلما كانت هذه العوالم مثيرة لاهتمام الطفل في مختلف الأزمنة والأمكنة كلما اكتسب النص مزيدا من الحيوية والأصالة. تمّ التركيز في هذه النصوص على تفاعلية الطفل ومحاكاته بحيث يكون قادرا على استخلاص المعطيات الجديرة من تحليل فعال وتأويل متماسك لكل عمل درامي، أما عن أسلوب الكاتبة، فقد جمعت في نصوصها ما بين الألفاظ الموحية والمعلومة المفيدة والخيال بالإضافة إلى الجرس الموسيقي للأناشيد المعبرة والمنسجمة مع الأحداث والصور البسيطة، وتوظيف الحواس في تشكيل الصورة اللغة والأسلوب، حيث تمثل اللغة عنصرا فارقا في الكتابة للأطفال، وفيها تتجلى بعض الخصائص التي وضحت للأطفال، ومنها: العمل الجماعي ، وغلبة لغة المحسوسات من أجل إيقاظ ذهن الطفل، وتقديم الراوي لمخاطبة الجمهور. وفي الختام.. نقول قليلة هي النصوص الدرامية المكتوبة للأطفال، بالرغم من وجود عدد لابأس به من الكتاب الذين يمتلكون الخبرة في هذا المجال وفي هذا الفضاء المعرفي، وبالطبع مراعيًن المستويات اللغوية والعقلية ومعرفة خصائص وسمات كل مرحلة من مراحل الطفولة. وأن هذا الفضاء لاينحصر في لون واحد وإنما يشمل المعارف الإنسانية كلها أما عن أهداف الكتابة الدرامية الأطفال، فهناك أهداف تربوية، وأهداف معرفية ووجدانية، وأهداف ترفيهية وترويحية، وأهداف ثقافية وفنية، تحمل خصائص مراحل الأطفال، وتعبر عنهم، وفيها يتم انفصال الكاتب عن ذاته المبدعة، فيكتب من خلال ذات الطفل، لذا نجد أن المعايير تختلف بالنسبة للفئة العمرية للطفل ، فهي ليس نصوصا درامية من ورق، بل مشاهدة بصرية (قراءة أو فرجة). وان هذه المجموعة من النصوص الدرامية التي بين أيدينا هي ثمرة ماتحدثنا عنه والتي اتخذت منها الكاتبة منطلقا لنهجها الكتابي المعرفي خطوة مغايرة للكتابة المستقبلية عن عالم الأطفال وقضاياه وأهميته وخصائصه وأهدافه، وكم نحن في حاجة إلى الكثير والكثير من هذه النصوص الدرامية المغايرة والمتجاوزة للمتعارف علية من نصوص اصبحت ماضي بالنسبة لعالم الميديا المعاصر ومن تحديات العصر..
مشاركة :