في ديسمبر 2021، بدأ عميل سابق في مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) أرسل سابقا إلى غوانتشو (Guangzhou) في الصين، إجراءات قانونية ضد الحكومة الأميركية. زعم العميل السابق أن وزير الخارجية الأميركي ووزارة الخارجية لم يتعاملوا مع الموقف بجدية كافية عندما بدأ العميل، أثناء وجوده في غوانتشو، وعائلته يعانون صداعاً مفاجئاً ودواراً ونزيفاً في الأنف وفقدان الذاكرة والغثيان. كان ذلك أحدث تطور في قضية بدأت تتكشف في عام 2016 عندما بدأ العشرات من موظفي السفارة الأميركية في كوبا بالحديث عن أعراض مماثلة يصاحبها في أكثر الأحيان صوت يصم الآذان وآلام في الوجه. اعتماداً على من تسأل، فإن ما يسمى «متلازمة هافانا» Havana syndrome - التي قيل إن أكثر من 200 موظف أميركي في كوبا، والصين، وألمانيا والنمسا، وروسيا، وصربيا (كانت هناك أيضا حالة مشتبه فيها في واشنطن) أصيبوا بها سببها سلاح روسي يستخدم الصوت أو الأمواج الميكروية، أو أنها تنطبق عليها الأعراض الكلاسيكية لمرض نفسي جماعي. ينفي الروس امتلاكهم سلاحاً صوتياً يمكنه استهداف الدماغ. لكن في عام 2020، نشرت الأكاديميات الوطنية الأميركية للعلوم والهندسة والطب,US National Academies of Sciences Engineering, and Medicine تقريراً خلصت فيه إلى أن «عديداً من العلامات والأعراض والملاحظات الحادة والمميزة التي وصفها الموظفون الأميركيون تتفق مع تأثيرات طاقة تردد راديوية نبضية موجهة». وفي نوفمبر 2021، اعترف مكتب التحقيقات الفدرالي بأنه أصدر تحذيرا رسميا لموظفيه بشأن ما يسميه «الحوادث الصحية غير المعتادة». ومع ذلك، هناك أسباب تدعو إلى الشك في نظرية السلاح. قال خبراء أمنيون إنه من غير المرجح أن تكون روسيا قادرة على تطوير تكنولوجيا ما غير معروفة بعد من دون علم الغرب. وأشار خبراء الأعصاب إلى أنه من غير المعقول أن يتمكن جهاز صوتي من استهداف الدماغ بنحو انتقائي. في غضون ذلك رجح باحثون من جامعة كاليفورنيا University of California، بيركلي، أن التسجيلات التي قيل إنها للأصوات المسموعة في كوبا (التي ألقي باللوم عليها باعتبارها سبب الأعراض) هي نداء تزاوج تصدره صراصير الكاريبي. وفي عام 2018، أفادت مجموعة من الباحثين من جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania بأن عمليات مسح الدماغ التي أجروها على 21 موظفة أميركية خدموا في كوبا سابقاً وعانوا الأعراض العصبية، لم تظهر أي تشوهات لافتة للنظر عندما يعاني شخص أعراضأ جسدية في ظل غياب أي سبب جسدي محدد، مثل فيروس، وخاصة عندما تظهر الأعراض علامات عدوى بين أشخاص هم على اتصال وثيق، فإن أحد الأسباب هو وجود مرض نفسي جماعي. هذا يعني أن المرض ناجم في نهاية المطاف عن معتقدات الناس التي تصيب آخرين بعد ذلك، مما قد يؤدي إلى تفشي المرض على نطاق واسع. يجادل بعض الخبراء بأن هذا هو السبب الأكثر احتمالا لمتلازمة هافانا، لكن هذا الرأي مثار خلاف. للمرض النفسي الجماعي بعض المكونات الرئيسة، أولها ظهور مجموعة من الأعراض الصحية المماثلة لدى مجموعة من الأشخاص ممن هم على اتصال وثيق. والثاني أنه يحدث في أكثر الأحيان في سياق التوتر أو القلق الشديد. وأخيرا، يجب أن يكون هناك غياب لأي سبب عضوي معروف قائم مثل فيروس أو بكتيريا أو سم أو أسلحة صوتية متطورة.الجدير ذكره أن البادئ في تفشي المرض النفسي قد يكون مصابا بمرض جسدي، لكن للإيفاء بمعايير المرض النفسي الجماعي، يجب ألا يكون الأشخاص المصابون لاحقا قد تعرضوا لذلك السبب، بل فقط لفكرة الأعراض، في قلب هذه الظاهرة يكمن «تأثير نوسيبو» Nocebo effect وهو التأثير الضار المعاكس لـ«تأثير الدواء الغفل» (الوهمي) Placebo effect. في هذه الحالة، فإن مجرد الاعتقاد بأن شيئا ما ضار يمكن أن يسبب أعراضا حقيقية، تماما كما يمكن أن تؤدي المعتقدات الإيجابية حول حبوب الدواء الغفل إلى فوائد طبية حقيقية. كلمة «حقيقي» مهمة هنا، فلمجرد أن أسباب المتلازمة نفسية لا يعني أن المعاناة والأعراض ليست حقيقية.هناك حالات مؤكدة لا حصر لها لأمراض نفسية جماعية في الأدبيات الطبية. إليك واحدة فقط: تخيل أنك في المدرسة وفجأة أبلغ عدد متزايد من زملائك في الفصل أنهم يشمون رائحة غريبة يليه شعور بالغثيان الشديد. مع تزايد الخوف، تبدأ أنت أيضأ تشعر بتوعك في معدتك، وسرعان ما تشعر أنت أيضا بأنك مريض. من الصعب تصديق أن كل هذا يدور في الذهن وأنه لا يوجد تسرب كيميائي أو غازي. ومع ذلك، هذا هو بالضبط ما حدث في مدرسة في ساوث يوركشير South Yorkshire في عام 2006 عندما أصيب أكثر من 30 تلميذا ومساعد مدرس فجأة بالإعياء. لم يعثر على تسرب وخرج كل التلاميذ الذين نقلوا إلى المستشفى في غضون ساعات قليلة. ليس من الممكن أن نعرف على وجه اليقين ما إذا كانت متلازمة هافانا مرضا نفسيا جماعيا، غير أنها تتناسب مع بعض المعايير أو كلها. عديد من العملاء المتأثرين كانوا يعملون في بيئات مجهدة، وكانوا على اتصال وثيق بعضهم مع بعض، ومعرضين لفكرة الأعراض والرهبة من احتمال أن تصيبهم. في غياب أي تفسير مادی واضح، ومع كون السلاح الصوتي مجرد نظرية وغير مثبت في هذه المرحلة، فإن السبب النفسي يبدو مقبولا. * د. کریستیان جاریت المصدر: مجلة مدار سلسلة مقالات تنشر بالتنسيق مع التقدم العلمي للنشر. تابع قراءة الموضوع عبر الموقع الإلكتروني: www.aspdkw.com
مشاركة :