تشرفت في الفترة الماضية بالتعرف على عدد من مرضى متلازمة بهجت، وسررت بمدى ترابطهم و تعاونهم و مستوى وعيهم و ارتفاع معنوياتهم. مرض بهجت Behcets disease، والذي يسمى أيضاً بمتلازمة بهجت، وهو اضطراب نادر وغير معدٍ وغير قاتل على الرغم من الآلام والأعراض التي يعاني منها الشخص المصاب، يسبب هذا المرض التهابات في الأوعية الدموية في جميع أنحاء الجسم. وقد يؤدي إلى العديد من الأعراض التي قد تبدو في البداية لا علاقة بينها، وهذا مما يسبب صعوبة التشخيص في بداية الإصابة. يسميه البعض بمرض طريق الحرير، ربما لأنه ينتشر في المنطقة الممتدة من اليابان مرورًا بالصين شرقًا ثم إلى تركيا والشرق الأوسط غرباً، وقد سجلت حالات في شمال أفريقيا مثل تونس والجزائر والمغرب. نسبة حدوث متلازمة بهجت ما بين 1 من كل 10.000 في اليابان، إلى ثلاثة أشخاص من كل ألف شخص في تركيا، بينما تقل نسبة حدوثه في شمال أوروبا لتصبح حوالي 1 من كل 300.000 شخص. وولكنه نادر الحدوث في الولايات المتحدة وأستراليا وهذا يفسر تأخر اكتشاف وسائل تشخيصه وعلاجه حيث إن الدول المتقدمة طبياً لا تعاني منه. سمي هذا المرض منذ 1937م على اسم مكتشفه الطبيب التركي (خلوصي بهجت) في جامعة اسطنبول وسمي باسمه بعد أن وصفه بثلاثة أعراض متلازمة وهي التقرحات الفموية والتناسلية والتهاب القزحية. وعلى الرغم من مضي عشرات السنوات على اكتشافه إلا أن السبب الدقيق لهذا المرض غير معروف ويعتقد أنه اضطراب في المناعة الذاتية أي أن نظام المناعة في الجسم يهاجم بعض الخلايا السليمة، ولكن تأثيراته تطال كل أجهزة الجسم، فيؤثّر على الأعضاء الداخلية مثل: الجهاز الهضمي والتنفسي والعضلي الهيكلي والدوري والعصبي. يعتبر سن ما بين 18 و40 سنة هو السن الشائع لحدوث المرض، ونادراً ما يبدأ المرض في الطفولة المبكرة أو بعد سن الخمسين، وتكاد تتساوى نسبة حدوثه عند الذكور والإناث وإن كان الذكور أكثر قليلاً والآلام أكثر شدة. يتوقع أن للعوامل الوراثية والبيئية دوراً في حدوث المرض. فقد تم العثور على العديد من الجينات المرتبطة بالمرض أو الحاملة له، كما ويعتقد بعض الباحثين بأن هناك فيروساً أو بكتيريا قد تسببه. تشخيص المرض يأتي التشخيص الاكلينيكي وتاريخ المرض أولاً في معرفة احتمالية الإصابة به، والتشخيص المتأخر هو أكبر مشكلة تواجه المرضى، وسبب التأخير أن أعراض المرض تستغرق من سنة إلى خمس سنوات حتى تكتمل صورتها وتظهر بشكل واضح، ولهذا يشعر المريض بنوع من التخوف لعدم وضوح التشخيص أو لوم المستشفى أو الطبيب المعالج، والحقيقة أنه ليس أمام الطبيب إلا الأعراض التي يراها مثل التهاب العيون الذي يحدث غالباً في البداية، ولكن مع وجود التقرحات الفموية والتناسلية المتكررة لأكثر من ثلاث مرات خلال سنة على الأقل يتوجه التشخيص لمتلازمة بهجت. ولتأكيد التشخيص يعتبر اختبار "باثرجي" (pathergy tes) أحد الاختبارات المهمة في ذلك، ويتم إجراؤه بوخز الجلد من 3-5 مرات باستخدام رأس إبرة معقم ويوضع دائرة بالقلم حول مكان الوخز، ويقيّم مكان الوخز بعد 24-48 ساعة من وقت الوخز بملاحظة توسع تلك الدائرة نتيجة تفاعل الجلد مع مكان وخز الإبرة، وقد يحدث ذلك عند أخذ عينة الدم من الوريد، فالجلد يتحسس من أي وخز ولهذا لا ينصح مريض بهجت بإجراء أية جراحات غير ضرورية. تساعد تقنيات التصوير الإشعاعي بالذات (الرنين المغناطيسي) في تشخيص المرض وتقييم مدى إصابة الجهاز العصبي والأوعية الدموية، مثل تصوير الشرايين والمخ والأعصاب. الفحص الجيني (HLA-B 51) يمكن أن يساعد في التشخيص حيث يصاب نصف حاملي هذا الجين بمتلازمة بهجت، ومن التحاليل المفيدة في التشخيص ارتفاع عدد كريات البيضاء المعتلة، وارتفاع العامل الثامن من عوامل التخثر.. العلاج للأسف لا يوجد علاج كامل ومحدد لمرض بهجت، ولكن هناك عدداً كبيراً من الأدوية التي تخفف أعراضه وهجماته وتوقف مضاعفاته أو تخففها، وبعض المرضى قد لا يحتاجون إلى أي علاج دوائي، وأعراض ومضاعفات هذا المرض تختلف تماما من شخص لآخر ، لهذا يتحدد العلاج بناء على تشخيص تلك الأعراض، والتي غالبا تكون إصابة العينين والجلد والجهاز العصبي أو الأوعية الدموية. من أهم وسائل العلاج هو تعلم طرق للتعايش معه والانضباط في تناول الأدوية والأغذية المحددة ووجود دعم نفسي من العائلة والفريق المعالج الذي يساعد كثيرًا في تخفيف الأعراض. ننصح أيضاً بمزاولة نشاطات بدنية مناسبة والعناية بطريقة الجلوس الصحيحة وعدم الجلوس لمدة طويلة واستخدام مراتب النوم الصحية وتجنب حمل الأشياء الثقيلة أو حمل الأمتعة بطريقة غير سليمة مثل الانحناء لحمل الأشياء ورفعها لأن ذلك قد يضر فقرات الظهر. يحدد الطبيب المعالج العقار المناسب لكل حالة مع إيضاح تأثيراتها الجانبية عند الاستمرار بتناولها لفترة طويلة ولهذا لابد من التوقف عنها عند طلب الطبيب واتباع إرشاداته بدقة، وللتعريف العام بطرق علاج المرض نعرض أشهر العقاقير المستخدمة والتي لا تعني مناسبتها للجميع بل لابد من وصفها ومتابعة الحالة من قبل الطبيب المعالج لخطورة استخدام تلك الأدوية أو تغيير الجرعات بدون وصفة طبية، ومن تلك العقاقير: 1 - الكورتيزون: وهو العلاج الأساسي لفعاليته في السيطرة على الالتهابات والتقرحات (يكون على هيئة مراهم) ولعلاج إصابة العيون يكون (قطرات)، أو أقراص أو حقن لإصابات الجهاز العصبي والأوعية الدموية، وغالباً ما تكون جرعة العلاج كبيرة (1-2 ملغ/كغ/في اليوم).، والحقن الوريدية تكون في حدود (30 ملغ/كغ من وزن الجسم/ يومياً لمدة 3 أيام). وعلى الرغم من فعاليته إلا أن الأطباء لا ينصحون بالاستمرار في أخذه لفترة طويلة تجنباً للأعراض الجانبية له مثل تسبيبه لمرض السكر، أو ارتفاع ضغط الدم، وهشاشة العظام، وتكوين المياه البيضاء في العين وتأخر النمو. 2 - الأدوية المثبطة للجهاز المناعي: وتستخدم هذه الأدوية في شدة الهجمات وتقدم الحالة المرضية مثل الالتهابات الشديدة بالعين أو الأعضاء الداخلية. وتشمل هذه الأدوية عقارات الأزاثيوبرين، سيكلوسبورين، وسيكلوفوسفاميد والانترفيرون، وأيضاً لها آثار جانبية مختلفة بتأثيرها على الكبد والكلى وارتفاع ضغط الدم ونمو الشعر في مناطق مختلفة. 3 - الأدوية المضادة للتجلط الدموي: عند إصابة الأوعية الدموية وقد يكفي الأسبرين لمعظم المرضى. 4 - علاجات موضعية لقرح الفم والأعضاء التناسلية: مثل عقار الثاليدوميد والكولشيسين (ويفيد أيضاً في علاج التهاب المفاصل). مع التنبه لتلافي بعض الأعراض الجانبية البسيطة مثل الاسهال. 5 - العلاج البيولوجي: (مضادات ت ن ف Anti TNF). 6 - أدوية العظام: مثل عقار (بليكامايسين Plicamycin) المعروف تجارياً باسم (ميتراسين Mithracin، أو ميترمايسين Mithramycin) والفلوريد و وهرمون الكالسيتونين ومنظم الكالسيوم مثل عقار (إيتدرونيت Etidronate) المعروف تجارياً باسم "ددرونيل" (Didronel). تقرحات في الفم حشيشة الدينار
مشاركة :