في عالم الفن ثمة أسماء لا يمكن تجاوزها، وتجاوز بصمتها الواضحة، ودورها الفعال في رسم ملامح الفن بالبحرين والمنطقة، ماذا لو أضفت لهذا الأثر، رسم البهجة على قلوب الجماهير قبل شفاههم، لأعوام طوال؟ فإنه من المجحف في حق هذا الاسم ليس تجاوزه فحسب، بل أنه من المجحف في حقه المرور على اسمه دون الحديث حول تفاصيل ذكرياته، والتي بدأت منذ النصف الأول من أربعينيات القرن الماضي، مرورا بخطواته الثابته في مهنة التدريس، ونجوميته اللامعة في عالم الفن الشائك. أنه الفنان المحبوب وصاحب الشعبية العالية والروح المرحة الفنان سعد البوعينين، والذي استقبلنا في منزله الكائن بعراد، ولم يتوان عن تشريع باب قلبه أو منزله لنا. ولد سعد عبدالله البوعينين في المحرق وبالتحديد في فريج بن خاطر، والذي يمتاز برجاله المتعلقين بالبحر، بحكم قربه من البحر، إذ تجد أغلب رجالاته يعملون على متنه أما كبحارة أونواخذة، هذه البيئة المحبة للبحر، خلقت لدى الفنان سعد علاقة وطيدة معه، استمرت لليوم، حيث لازال يمارس لليوم هواية ركوب البحر عبر طراده الخاص، ويصيد الأسماك. ومن بين من كانوا في هذا الحي يوسف بن خليفة المناعي، سلمان المعاودة، سلمان مطر، يعقوب بن يوسف العامر وعبدالله بن يوسف الخاطر، وآخرون. ولسعد البوعينين شقيقة واحدة تعيش في قطر وكأغلب أهل الفريج عمل والده في البحر،، وتعلم الغواصة والبحث عن اللؤلؤ، وصيد السمك، الغوص، وكذلك النجارة، كما عمل فترة من الزمن في السعودية. الواسطة بدأ الفنان المحبوب سعد البوعينين خطوات تعلمه الأولى على يد المطوع والمؤذن يوسف بن أحمد، والذي علم والده أيضا قراءة القرآن الكريم. لكن هذه المرحلة التعليمية لم تستمر طويلا، إذ سرعان ما التحق سعد بالتعليم النظامي فور دخوله الخامسة، ويعود هذا الالتحاق المبكر بالمدرسة لـالواسطة! حيث كان يعمل في المدرسة التي التحق بها أحد أفراد العائلة الكبيرة وهو جاسم المناعي. فانتظم على مقاعد ومدرسة أبوعبيدة ابن الجراح القريبة من منزلهم. وبالمناسبة فإن هذه المدرسة، والتي لا تزال قائمة لليوم كانت في الأصل مجلس للشيخ دعيج بن أحمد آل خليفة، قبل أن تتحول إلى مدرسة نظامية تابعة لوزارة التربية والتعليم. وبعيد ثلاثة أعوام من الدراسة في أبوعبيدة ابن الجراح، انتقل سعد البوعينيين لإكمال المرحله الإبتدائية ومن ثم الإعداية في مدرسة الهداية الخليفية، والتي تتلمذ فيها على ثلة من الأساتذة المعروفين بقدراتهم العالية، وتمكنهم في مهمتهم التربوية والتعليمية ودورهم في صنع رجالات البلاد، باللين تارة والصرامة أخرى، أمثال د.عبدالحميد المحادين أستاذ اللغة عربية في الإعدادية، الأستاذ نمر مدرس اللغة العربية أيضا، الأستاذ ربحي سعدو مدرس الرياضيات، الأستاذ وجيه نزال، الأستاذ عبدالرحيم رزبه، الأستاذ يوسف دلة مدرس التربية الدينية، الأستاذ عبدالسلام لغة عربية، ومدير المدرسة الأستاذ عبدالله فرج، وهو من فلسطينين، وقد كان أكثرية المدرسين خلال الفترة التي درس فيها سعد البوعينين في الهداية الخيفية أي خلال الخمسينيات، هم من العرب، وقد كانوا يسكنون في الطابق العلوي لمبنى المدرسة. وخلال دراسة سعد البوعينيين في الهداية الخليفية تم إقرار نظام الدراسة من مناوبة واحدة، إلى مناوبتين بمعدل 4 حصص صباحية ومن ثم استراحه يعودون فيها للمنزل، وبعدها حصتين دراسيتين خلال العصر، ولم تكن الدراسة سهلة وميسرة كما اليوم، ويعود هذا لعدد من الأسباب من بينها ثقافة المعلمين الواسعة والتي تمتد لأكثر من المناهج الدراسية، الاحترام الكبير والهيبة التي تفرضها شخصية المعلم، ودوره التربوي إضافة لدوره التعليمي، ولأن وسائل الترفيه يومها لم تكن متعددة كما هي عليه اليوم، فتبدو ذاكرة الطالب شبه فارغة وقادرة على الفهم والحفظ بسلاسة أكثر، وحتى أولياء الأمور أنفسهم كانوا يجدون في المعلم شخصية إعتبارية وقدورة يحتذي بها ابناؤهم، وكان خريج المرحلة الإعدادية بل الابتدائية وللدراسة المكثفة يستقطب من قبل سوق العمل. مدرسة عوالي وفي ذات السياق، التحق الفنان سعد خلال ستينيات القرن 20، بمدرسة التدريب التابعة إلى شركة نفط البحرين بابكو، بالاتفاق بين المدرسة والشركة، وذلك في مدرسة عوالي التابعة لبابكو والتي تؤهل الطلبة على مجالات متعددة، اختار البوعينيين منها هندسة البترول. ولكن سرعان ما أخذ الحنين سعد إلى رفقائه في مدرسة الهداية الخليفية، حتى صار يحاول افتعال شجارات مع ربورشن مدير مدرسة عوالي التابعة إلى بتلكو، لكي يتم طرده من المدرسة ويعود لمدرسته الأم، بيد أن هذا المدير المحب للمدرسة والطلبة لم يتخل عنه، وقام بتحويله إلى مجلس إدارة المدرسة، وقابل يومها الأستاذ عبدالغفار، والذي أنبه على فعله هذا بعبارة لا ينساها الفنان سعد نصها لليوم أنت ما تفهم! أحد يهد الشهادة اللي تعادل أكبر شهادة في بريطانيا، بيد أنه أصر على رأيه في العودة لمدرسة الهداية الخليفية لمواصلة الدراسة مع رفقائه، وأعاد لهم زي المدرسة الذي يرتديه وغادر المدرسة غير آسف على ذلك. خسر المدرستين بيد أنه تفاجأ حين عاد للهداية الخليفية بأن إدارة المدرسة رفضت إعادته لها! فالعقد القائم بين مدرسة بابكو والهداية الخليفية أن لا يعود الطلبة لمدرستهم الأم، فخسر سعد المدرستين! ولكن محاولته العودة للهداية الخليفية لم تتوقف، فتوجه إلى وزارة التربية والتعليم والواقعة في العاصمة المنامة، وبينما هو يشرح للموظف أمره، دخل الوزير الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة، والذي اهتم لمطلبه، وسلمه رسالة لعودته لمدرسة الهداية الخليفية، وتم الأمر، وحين دخلت للفصل الدراسي ضج الفصل فرحا بعودتي. وواصلت تعليمي حتى تخرجت من المرحلة الإعدادية وانتقلت للدراسة في المدرسة الثانوية في العاصمة المنامة، تخصص التدريس، وكنا ننتقل للمدرسة عبر باصات مصنوعة من الخشب. وخلال هذه المرحلة بدأت علاقتي تتوسع مع عالم القراءة وكذلك القراءة والإطلاع على هذا العالم الواسع والعميق. في الأسبوع المقبل المزيد من الذكريات المشوقة للفنان المحبوب سعد البوعينيين... فترقبوها
مشاركة :