يعد فيلم “الأميرة والنهر” الذي أنتج منذ أربعين عاما (1982) أول فيلم أنيميشن عراقي وعربي طويل، حيث لم تكرر التجربة مرة أخرى، فيما اتجه بعض المخرجين الشبان إلى الأفلام القصيرة مما جعل سينما الأنيميشن غير قادرة على المنافسة عالميا. ومؤخرا رأينا تجارب عربية لمحاولة إحياء العمل على هذا النوع من السينما، حيث أنتجت شركة سعودية فيلما بعنوان “الرحلة”، وقد حظي بإشادة دولية ويعرض داخل صالات السينما في العالم إلى حد الآن. وفي العراق تحاول بعض التجارب الشبابية خوض المنافسة مجددا، انطلاقا من محاولة فهم أهمية الحركة والتطور داخل لعبة التكنولوجيا الحديثة واكتشاف مسار بصري يفتح أفقاً أكثر شمولية في أحداث العمل، مدفوعة بالرغبة الجامحة في تحقيق النجاح والانتشار والمحاكاة بفهم المقاييس الفنية بين المتلقي والأفلام. وجاء ثاني فيلم طويل عراقي “كلكامش العظيم” بطول 20 دقيقة بعد 39 عاماً عن الفيلم الأول “الأميرة والنهر” للمخرج الشاب أنس الموسوي، أما الأعمال الأخيرة فلا يتجاوز طولها 10 دقائق. ولفهم إيجابيات وسلبيات هذا القطاع نحتاج إلى الاطلاع على آراء ومواقف وتوجيهات المخرجين ومنتجي محتوى الأنيميشن وفهم تقييمهم لحضور فن الأنيميشن العراقي في الواقع السينمائي المعاصر. فن حديث مبتكر باقر الربيعي: العائق المادي يحول دون إنتاج أفلام أنيميشن عراقية أكد المخرج والناقد السينمائي سعد نعمة أن إنتاج أفلام الأنيميشن صعب سواء على مستوى الفكرة والسيناريو أو من ناحية التنفيذ، ويحتاج إلى خبرة وإبداع وابتكار في الأسلوب. إضافة إلى ذلك يحتاج إلى ميزانية كبيرة قياساً بقصر تلك الأفلام، فما بالك لو كان الفيلم متوسط الطول أو طويلا. وبسبب كل ذلك فإن حضور صناعة فيلم الأنيميشن في الوسط السينمائي خجول ولا يتعدى منتجوه عدد أصابع اليد الواحدة. وأضاف نعمة “ربما هناك من يتحايل في تنفيذ هذه الأفلام بالقوالب والبرامج الجاهزة لتقليل التكاليف وسرعة الإنجاز، لكنه يبقى دون المستوى وضمن الإطار التجاري الخالي من الأصالة والإبداع”. من جانبه عبَّر السينمائي العراقي محمد سليم عن أن الأنيميشن يعتبر فناً حديثاً في السينما العراقية بعد أن كان محتكراً من دول أخرى أكثر تطوراً في هذا المجال، ولكن نتيجة التكنولوجيا الحديثة والتطور الحاصل في مجال السينما وعالم البرمجيات الحديثة التي بسطت وأتاحت هذا الفن أصبح من الممكن صنعه واستثماره في العراق، وهذا لا يدل على بساطة هذا الفن، لأنه يعتمد على محصلة مجموعة الخبرات في اختصاصات فنية مختلفة مثل الإخراج والتصوير والمونتاج وكتابة النص وترجمته، فضلا عن الغرافيك الذي يعتبر عصب هذا الفن. وتابع سليم “الآن أصبحت لدينا محاولات ناجحة ومشاركات عالمية متميزة، إذ حصد بعض صناع هذا الفن جوائز عالمية في منافسات ومحافل دولية تختص في هذا المجال، فضلا عن المهرجانات المحلية التي أظهرت إتقان وموهبة مجموعة من الشباب والشابات في هذا المجال، وكذلك دعم دائرة السينما والمسرح مشكورة لهذا الفن الحديث من خلال احتضانها لمجموعة من الملتقيات والمهرجانات”. ويقول المخرج باقر الربيعي إن “أفلام الأنيميشن تعدّ من الأفلام المهمة، وفي الآونة الأخيرة اهتم عدد من مخرجي هذا النوع من الأفلام بصناعة أفلام الأنيميشن التي تحتوي على قيم جمالية ومضامين فكرية ذات بعد فلسفي عميق”. ورغم ذلك تعد هذه الأفلام اليوم جزءا مهما من صناعة السينما مقارنة بالأفلام الروائية القصيرة بالتحديد، كون أفلام الأنيميشن لا تزال في طور النشوء وضمن فئة الأفلام القصيرة، ويسعى الكثير من منتجي هذا النوع من الأفلام إلى مواكبة الأفلام العالمية، ولكن يبقى القيد الأكبر أمامهم هو التقنيات الحديثة المستخدمة في هذا المجال والتي تتم من خلال برامج خاصة وباهظة الكلفة، وتحتاج إلى مجموعة كبيرة من الفنيين المختصين في هذا المجال لصناعة صورة ذات جودة عالية تحاكي الصورة الواقعية من حيث التجسيم وتجسيد الأشكال والعوالم. وأشار الربيعي إلى أن العائق المادي يمثل عقبة كبيرة بالنسبة إلى منتجي هذا النوع السينمائي في العراق والذين تخصصوا في صناعة أفلام الأنيميشن؛ فنظام الأستوديو في هوليوود وغيرها يعتمد على تخصيص مبالغ طائلة لتطوير أحدث التقنيات البرامجية التي تسهّل إنتاج هذه الأفلام التي تلاقي رواجًا كبيرا بين الجمهور وتعود على أصحابها بالمال الوفير، عكس ما يحدث محليًا. أفلام ناجحة لكنها تظل تجارب فردية محدودة أفلام ناجحة لكنها تظل تجارب فردية محدودة وأفاد الربيعي بقوله “هنا نلاحظ أن مخرجي أفلام الأنيميشن يصنعون أفلامهم بغرض عرضها في مهرجانات عربية وعالمية ولا تعود بالنفع المادي رغم العناء المبذول ورغم الجهد والوقت المطلوبين لتنفيذها، فضلاً عن الأموال التي تصرف لقاء برامج خاصة وتقنيات تكلف الكثير من الأموال التي تصرف من الجيوب الخاصة، وهذا يعتمد على مرتكزين مهمين، أولهما المعاهد والجامعات التي يوجد فيها هذا الفن وثانيهما شركات الإنتاج، ففي العراق لا توجد مؤسسات حكومية ترعى هذا النوع من السينما”. أما الناقد والمخرج العراقي مصطفى الشوكي فيرى أنه رغم المحاولات النادرة والقليلة لإنتاج أفلام الأنيميشن في العراق قبل عام 2003، إلا أن العراق يعتبر الرائد عربيا بإنتاجه أول فيلم تحريك عربي طويل عام 1982، وباعتبار أن سينما الأنيميشن تحتاج إلى إمكانات كبيرة. وهي إمكانات كانت شبه معدومة أو مقيدة للسينما بشكل عام في فترة ما قبل 2003، إلا أنها بعد هذا التاريخ شهدت نهضة بطيئة نوعا ما، لكنها سرعان ما بدأت تتبوأ مكانة مرموقة عربيا ودوليا وتحصد الجوائز. ويتابع قائلا إن “السنوات الأربع الأخيرة بالذات شهدت نهضة عظيمة في أفلام الأنيميشن على مستوى الإنتاج والمشاركات والجوائز، بل أصبحت لدينا مهرجانات خاصة بالأنيميشن كما في كردستان العراق ومهرجان بابل، إضافة إلى بعض الملتقيات”. هذه الحركة خلقت -وفق الشوكي- أسماء عراقية مهمة استطاع أغلبها بجهود ذاتية تحقيق نهضة في هذا المجال وشق طريق نحو الاحتراف، لكن الجهود الذاتية تحتاج إلى دعم وخطة وطنية من أجل النهوض بهذا الفن بشكل أكبر؛ فالطاقات تحتاج إلى احتواء في عالم يتطور بشكل هائل لأن دقائق قليلة من هذا الفن تعادل أكثر من ميزانية فيلم سينمائي عادي، وبعض الأفلام العالمية كلفت 200 – 250 مليون دولار وربما أكثر، علما أن أرباحها تجاريا مضاعفة نتيجة للإقبال الشديد على هذا النوع من الأفلام. أفلام الواقع أنس الموسوي: لا بد من حلول للنهوض بفن الرسوم المتحركة العراقي يرى المخرج أنس الموسوي أن الرسوم المتحركة تنقسم بحسب انعكاسها على الفن السينمائي إلى قسمين، الأول يمثله شكلها الصريح كأفلام طويلة كما نرى أفلام والت ديزني أو بيكسار، والقسم الثاني هو الأفلام المختلطة التي يحضر فيها الأنيميشن ببعض الشخصيات أو بيئات العمل، رغم أن العمل بشكله النهائي لا يصنف كفيلم رسوم متحركة، (بعض شخصيات فيلم “سيد الخواتم” أو فيلم “أفاتار” أنموذجاً)، إذ يصنف هذا النوع على أنه من أفلام الواقع الممزوج بمؤثرات بصرية أو خدع سينمائية. وبيّن الموسوي أنه محليا لا وجود للقسمين بالشكل الواضح، ففي السابق كانت الرسوم المتحركة عبارة عن أعمال تعليمية وتربوية اقترنت بمؤسسات فنية لمرحلة ما بين السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وأهم تلك المؤسسات هي التلفزيون التربوي العراقي وما قدمه من أعمال في هذا المجال، أما في فترة ما بعد عام 2003 فكانت التجارب السينمائية لهذا النوع بتعقيدات من نوع مختلف، ما أدى إلى شح الإنتاج السينمائي بشكل عام وندرته، وإن وجدت بعض الأفلام الطويلة على حساب شباك التذاكر التجارية، وأهم الأسباب عدم وجود مراكز محلية متخصصة بدعم وتطوير هذا النوع من الفن، وعدم حضوره كمادة تدرس في أكاديميات ومعاهد الفنون في العراق ولو على مستوى التنظير على الأقل. وأضاف الموسوي “ومن جانب آخر فإن إنتاج أفلام الرسوم المتحركة يحتاج إلى الكثير من المحترفين ذوي الأجر العالي، بالإضافة إلى الأجهزة المتخصصة والكمبيوترات باهظة الثمن، وهو ما يفتقر إليه الواقع السينمائي العراقي بشكل عام، لذلك مازالت عجلة فن الأنيميشن السينمائي المحلي لم تتحرك أصلاً وهي لا تتجاوز كونها أفلاما قصيرة نخبوية بعروض مقتصرة على فعاليات المهرجانات السينمائية، ما جعلها غير معروفة لدى الجمهور المحلي، كما أنها غير قادرة على منافسة الأشكال المعروفة للسينما العالمية، وهو ما يفرض البحث عن حلول جذرية لمحاولة النهوض بواقع فن الرسوم المتحركة العراقي”.
مشاركة :